قدمت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، إحاطةً عبر الفيديو في اجتماع لمجلس الأمن حول ليبيا، حفلت بالانتقادات لأوضاع حقوق الإنسان في البلاد، ودعوة للسلطات الليبية لمعالجة هذا الملف بشكل عاجل، وإنهاء حالات القتل والإخفاء وتنفيذ أحكام الإعدام بعيداً من سلطة القانون، وإيقاف حالات الإفلات من العقاب المتواصلة طيلة العقد الماضي، لمطلوبين في قضايا مماثلة للسطات المحلية والدولية.
وسلط التقرير الضوء من جديد على تراجع ملف حقوق الإنسان في ليبيا في السنوات الأخيرة، مطالباً بضرورة استعادة الدولة السيطرة على السجون الواقعة خارج نطاق سلطتها، كخطوة محورية لتحسين هذه الأوضاع، وتطرق بالتفاصيل لمخالفات حقوقية وقعت في خضم النزاعات الأخيرة التي شهدتها البلاد، والتي لم يُحاسب المسؤولون عنها.
تحذير للمقاتلين الأجانب
وتطرقت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، للمرة الأولى في تقاريرها حول ليبيا، التي تجاوزت الـ20 تقريراً، لقضية المرتزقة الأجانب في البلاد، ملوحةً بفرض عقوبات عليهم، وتعرضهم للملاحقة القانونية من قبلها، لارتكابهم جرائم متنوعة تدخل في نطاق صلاحياتها.
وقالت بنسودا إن "مكتب المحكمة الجنائية الدولية تلقى معلومات مثيرة للقلق حول أنشطة مرتزقة ومقاتلين أجانب في ليبيا".
وأضافت "الجرائم التي يرتكبها مرتزقة ومقاتلون أجانب على الأراضي الليبية يمكن أن تدخل ضمن صلاحيات المحكمة، أياً تكن جنسية الأشخاص الضالعين فيها"، من دون الكشف عن طبيعة هذه الجرائم.
لا سلام من دون مساءلة
وتطرق تقريرها لانتهاكات وصفتها بـ"الخطيرة" في ملف حقوق الإنسان في ليبيا، مشددةً على أنه "لا يمكن إرساء سلام دائم من دون مساءلة وعدالة في البلاد"، مشيرةً إلى أن "المحكمة تلقت معلومات مثيرة للقلق حول جرائم ترتكب، تتراوح بين الإخفاء قسراً والتوقيفات العشوائية إلى الجرائم والتعذيب والعنف الجنسي".
وتابعت "جمعنا معلومات وأدلة ذات صدقية حول جرائم خطيرة يشتبه بأنها ارتكبت في مراكز اعتقال رسمية وغير رسمية في ليبيا"، داعيةً "كل أطراف النزاع الداخلي إلى التوقف فوراً عن إساءة معاملة المدنيين، وعن إرتكاب جرائم بحقهم في مراكز الاعتقال".
وقالت بنسودا، إن "المحاكم العسكرية تستمر في محاكمة مدنيين والحكم عليهم بالإعدام في غياب المحامين وضمانات الدفاع، وعلى حكومة الوحدة الوطنية التدخل لوقف انتهاكات القتل والحجز التعسفي والتعذيب داخل السجون وخارجها".
وأكدت أيضاً "ضرورة التحقيق في قتل المحامية والناشطة حنان البرعصي واختفاء النائبة سهام سرقيوة منذ اختطافهما في بنغازي".
وكشف التقرير عن سير التحقيقات التي أجرتها فرق مختصة تابعة لها في ليبيا، مبيناً أن "فريق الجنايات الدولية التقى المهجرين في بنغازي وجمع الأدلة على الجرائم المرتكبة في ترهونة ومناطق أخرى، كما زار وفد تابع للمحكمة مدينة ترهونة لتوثيق جرائم المقابر الجماعية".
واستنكرت المدعية العامة "مقتل اثنين من المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية قبل محاكمتهما وإنصاف ضحاياهما، وهما محمود الورفلي في شرق ليبيا، والمسؤول السابق في نظام القذافي التهامي خالد المتهم في قضايا خطف وتعذيب، والذي سجن لسنوات في مدينة مصراتة قبل وفاته".
دعوة لتسليم نجل القذافي
وجددت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في إحاطتها المطوّلة، دعوة السلطات الليبية لملاحقة سيف الإسلام، نجل الرئيس السابق للبلاد معمر القذافي، وتسليمه للمحكمة، التي تلاحقه منذ سنوات، قائلةً إن "بعض من صدرت أوامر بالقبض عليهم ما زالوا هاربين من العدالة، ومنهم سيف الإسلام القذافي، الذي نناشد حكومة الوحدة الوطنية بتوقيفه وتقديمه إلى العدالة".
وجددت بنسودا، دعوتها إلى سيف الإسلام القذافي لتقديم نفسه إلى السلطات الليبية، ولفتت إلى أنه "لم تتم مساءلة مرتكبي الجرائم في ليبيا منذ سنوات، على الرغم من استمرار سجن المدنيين لسنوات طويلة وبقاء المحاكم العسكرية التي تقضي بإعدام كثيرين من دون محاكمة عادلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعهدات المندوب الليبي
من جانبه، علق المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة الطاهر السني، على التفاصيل الواردة في التقرير المقدم إلى مجلس الأمن، قائلاً إن "الشعب الليبي حريص كل الحرص على بناء الدولة المدنية الحديثة، على الرغم من الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وإرساء مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، وهذا لن يتأتى إلا عند تفعيل مسار المصالحة الوطنية الشاملة، والتي تبدأ بالعدالة وإظهار الحقيقة والمصارحة وجبر الضرر".
وأضاف "نعلم جميعاً أن المصالحة هي أساس مسار العدالة الانتقالية، وبها فقط نستطيع طي صفحة الماضي المؤلمة، والتي عانى فيها الشعب الليبي على مدار عشر سنوات".
وأقر السني بصحة التفاصيل الواردة في تقرير المحكمة الجائية الدولية، بقوله "نوافق بن سودا، فيما ذكرته في تقاريرها المختلفة، عن وجود انتهاكات عدة لحقوق الإنسان وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في بعض مناطق ليبيا، والمتمثلة بالأخص في الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والسجون السرية والمحاكمات العسكرية خارج القانون، والإتجار بالبشر، وما اكتشف من مقابر جماعية".
منوهاً إلى أن "السلطات الليبية ما زالت تنتظر نتائج التحقيقات التي توصل إليها فريق الجنائية الدولية الذي زار ليبيا أخيراً، وتحديد المتورطين في هذه الانتهاكات الجسيمة، والتي تعددت أسبابها ودوافعها، فمنها ما هو بدافع سياسي أو جهوي، أو بدافع إجرامي اقترفتها تشكيلات مسلحة أو مرتزقة".
وتعهد السني أن تقوم بلاده بملاحقة المطلوبين في هذه الجرائم وتقديمهم إلى القضاء المحلي والدولي، "هذه الجرائم لن تسقط بالتقادم، وتلتزم السلطات الليبية بتحقيق العدالة للضحايا وأسرهم، والعمل على حماية جميع مواطنيها والأجانب المقيمين على أراضيها".
انتقادات من واشنطن
وخلال الجلسة عبر ممثل الولايات المتحدة، السفير جيفري ديلورينتيس، عن قلق بلاده من التفاصيل الخطيرة الواردة في تقرير المدعية العامة للمحكمة الجنائية حول ملف حقوق الإنسان في ليبيا، بقوله "تشعر حكومة الولايات المتحدة بقلق بالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن استمرار الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان الأخرى في ليبيا، من القتل التعسفي وغارات جوية عشوائية والإخفاء القسري والتعذيب والاحتجاز غير القانوني".
وأضاف "نحتاج إلى توثيق هذه الانتهاكات والقيام بشيء حيالها، ونؤيد بقوة إنشاء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لبعثة دولية لتقصي الحقائق للقيام بذلك، ويجب منح هذه البعثة حق الوصول الكامل في جميع أنحاء ليبيا".
وشدد على "ضرورة أن يواجه كبار المسؤولين السابقين في نظام القذافي الذين صدرت بحقهم أوامر توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية العدالة".
وقال "يجب عدم السماح لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بالاستمرار في إحداث البؤس والعنف والاضطراب، ويجب على أي فرد أو مجموعة أو دولة توفر الحماية والمأوى لهؤلاء الأفراد، أن تسهل نقلهم إلى السلطات المختصة".