أمضى الشاب المالي دجاو ثلاث سنوات في تونس، تمكن خلالها من تجربة حظه مرة واحدة، فنجح في تأمين مكان له على أحد القوارب المتجهة إلى لامبوزا جنوب إيطاليا، لكن الحظ لم يحالفه، فقد كشف أمره من قبل خوافر السواحل التونسية، قبل انطلاق الرحلة من جزيرة قرقنة جنوب البلاد.
يتذكر دجاو (24 سنة) تلك التجربة التي كانت قاسية، ويقول "جئت من مالي وأعرف جيداً كل تفاصيل الهجرة من سواحل تونس عن طريق صديق لي وصل إلى إيطاليا من تونس قبل سنتين"، موضحاً "مرّت على التجربة سنة ونصف السنة تقريباً عشت خلالها فترات صعبة، بخاصة في مراكز الإيقاف، مما جعلني أتردد في تكرار التجربة مرة أخرى، حالياً ليس لدي خيار آخر إلا البقاء في تونس والعمل لضمان قوتي".
يعمل دجاو حالياً في مطعم وسط العاصمة من دون عقد عمل بعد أن بقي طيلة شهر رمضان بلا عمل بسبب إغلاق المطعم جراء الحجر الصحي الذي عرفته تونس.
قبلة المهاجرين
باتت تونس منذ سنوات، محطة رئيسية لقوارب المهاجرين باتجاه أوروبا، تستهوي شعوب أفريقيا جنوب الصحراء، حيث ارتفع عدد المهاجرين المقيمين في تونس الذين يتحينون الفرصة للهجرة عبر قوارب الموت، بسبب الضائقة الاقتصادية التي زادت حدتها أزمة كورونا، فضلاً عن المعاملة السيئة التي يتلقونها أحياناً في تونس وهشاشة أوضاعهم المادية، ما يجعلهم أكثر تصميماً على المغادرة.
بحسب إحصائيات رسمية نشرها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فإن عدد المهاجرين من تونس الذين وصلوا الشواطئ الإيطالية في قوارب خلال 2020، زاد 5 مرات مقارنة بعام 2019، ليقارب العدد 13 ألفاً، نسبة كبيرة منهم من الأفارقة جنوب الصحراء، وهو أعلى عدد منذ 2011، نتيجة تزايد المصاعب الاقتصادية والاجتماعية في تونس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول رمضان بن عمر الناطق الإعلامي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في تصريح خاص "منذ عام 2012 أي مباشرة بعد الثورة أصبحت تونس قبلة لمهاجري أفريقيا جنوب الصحراء، جزء منهم يجعل من تونس محطة استقرار وجزء أكبر يعتبرها محطة قبل الوصول إلى التراب الإيطالي".
ويضيف "في السابق كانت هذه الحركات الهجرية ضعيفة جداً لأسباب عدة منها، تشديد المراقبة الأمنية، وارتفاع الكلفة المادية، كانت نسب مهاجري أفريقيا من تونس لا تتجاوز 8 في المئة بين عامي 2011 و 2016، ومن ثم بدأت الأوضاع تتغير نتيجة الأزمة الليبية وانتهاك الميليشيات الليبية للمهاجرين الأفارقة، فأصبح الغالبية يفضلون الإنطلاق من تونس فارتفعت النسبة إلى حدود 27 في المئة".
ويواصل بن عمر "تغير الوضع مرة أخرى في بداية 2019 وتفاقمت مع أزمة كوفيد نتيجة الهشاشة الاقتصادية التي يعيشها هؤلاء في تونس"، موضحاً "الغالبية يعملون في قطاعات غير منظمة والتي تأثرت بالحجر الصحي، ففقد هؤلاء مواطن شغلهم، فأصبح هدفهم استغلال مدخراتهم للهجرة نحو سواحل إيطاليا".
شبكات متطورة
وبحسب ما عاينه المنتدى "شبكات الهجرة غير النظامية أصبحت شبكات متطورة توفر جميع الإمكانات"، ويفسر بن رمضان ذلك "باعتبار أن المهاجرين التونسيين باتوا يفضلون الوصول مباشرة إلى سواحل صقلية للهروب من عمليات الترحيل، بالتالي أصبحت الشبكات تعوّض نقص التونسيين بمهاجري أفريقيا جنوب الصحراء الذين لديهم استعداد للذهاب إلى لامبيدوزا، حيث غالباً ما ينتظرهم هناك خفر السواحل الإيطالية".
ويفيد بن عمر بأنه "خلال عام 2020 ارتفعت النسبة مرة أخرى إلى 35 في المئة من جملة المهاجرين وهي الفترة التي يرتفع فيها عزوف التونسيين على الهجرة"، موضحاً أن "الفترة التي يكون فيها المناخ غير مستقر وذلك من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) حتى مارس (آذار)، بالتالي غالبية المهاجرين يكونون من أفريقيا جنوب الصحراء والتي ترتفع نسبتهم في هذه الفترة إلى أكثر من النصف".
وتسعى شبكات الهجرة غير النظامية، بحسب قوله، بتعويض عزوف التونسيين بالمهاجرين الأفارقة غير مبالين بسلامة الأشخاص، على رغم المراقبة الأمنية الكبيرة. وكان رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، قال الأسبوع الماضي إثر زيارة له للبرتغال، إن بلاده ترفض إنشاء مراكز لاستقبال المهاجرين الراغبين التوجه إلى أوروبا، على أراضيها.
ويتوقع وصول وزيرة الداخلية الإيطالية والمفوضة الأوروبية إيلفا يوهانسون إلى تونس العاصمة، في 20 الجاري، لمناقشة ملف الهجرة وعمليات إعادة المهاجرين. وقد أنقذ خفر السواحل التونسي (17 -5-2021)، أكثر من 100 مهاجر أفريقي كانوا يحاولون الوصول إلى إيطاليا انطلاقاً من ليبيا. وقالت وزارة الدفاع التونسية إن المهاجرين كانوا على وشك الغرق قبالة جزيرة جربة جنوب شرقي تونس.
وتكاد تكون حوادث غرق قوارب الهجرة يومية في تونس، فينجو منها القليل ويهلك البقية في عرض البحر، كما تحبط السلطات التونسية عشرات الرحلات شهرياً.
وجهة الأفارقة
من جهته، يقول الباحث في علم الاجتماع خالد الطبيبي في تصريح خاص أن "تونس تحولت إلى قنطرة عبور للمهاجرين غير النظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء". ويفيد بأن "بين عامي2004 و2014 تطور العدد من 36 ألف شخص إلى 54 ألف شخص"، مضيفاً "كما تسجل وزارة الداخلية سنوياً حوالى 80 جنسية أغلبها من أفريقيا جنوب الصحرا تدخل إلى تونس من أجل الهجرة غير الشرعية إلى وجهة أوروبية".
ومن بين أسباب التي أسهمت في تفاقم هذه الظاهرة بحسب الطبيبي "الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأفارقة جنوب الصحراء، إضافة إلى السياسات الهجرية"، موضحاً أن "بلدان الشمال تطمس حق بلدان الجنوب في حرية التنقل مما يجعل هؤلاء يلتجئون إلى مسارات الهجرة غير الشرعية، بالتالي يختارون الهجرة انطلاقاً من بلدان شمال أفريقيا على غرار تونس وليبيا والمغرب".
إضافة إلى القوانين الهجرية والممثلة في إيقاف المهاجرين غير الشرعيين في ظروف سيئة داخل مراكز الإيقاف أو بملاجئ الإيواء بتونس، وهذا يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حرية التنقل، بحسب قول الطبيبي. ويعتقد أن "أعداد مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء سيتزايد في السنوات المقبلة"، مستطرداً "إلا أن تغيرات أخرى ستطرأ، ستتحول تونس من قنطرة عبور إلى وجهة للأفارقة جنوب الصحراء، بخاصة إذا لم ينجحوا في التحول إلى أوروبا فيجبرون على البقاء في تونس ولا يعودون إلى بلدانهم".