تبين من خلال بحث أجري أخيراً في المملكة المتحدة، أن ناجين من العبودية الحديثة في إنجلترا، يجدون أمامهم "عوائق كبيرة"، تحول دون حصولهم على المشورة القانونية اللازمة، الأمر الذي يجعلهم أكثر عرضةً لخطر إعادة الاتجار بهم.
وقد صدرت دعوات للحكومة البريطانية إلى التزام تحسين فرص حصول المهاجرين الذين تم استغلالهم في المملكة المتحدة على تمثيل قانوني، وذلك على أثر صدور تقرير حذر من أن النظام الراهن المطبق (يقوض بشكل كبير) التصور السائد بأنها تتبوأ مركزاً ريادياً على المستوى العالمي في مكافحة العبودية الحديثة.
وبموجب القانون البريطاني يمكن لضحايا العبودية الحديثة المحتملين في المملكة المتحدة، أن يلجأوا إلى "آلية الإحالة الوطنية" National Referral Mechanism (NRM)، وهي إطار عمل بريطاني تم إنشاؤه لتحديد الناجين ودعمهم. وقد جرت بموجبه إحالة أكثر من 10,600 شخص العام الماضي، كان ثلثاهم من الرعايا الأجانب.
إلا أنه في حال تم الاعتراف بشخص على أنه ضحية الاتجار بالبشر لكنه لا يتمتع بوضع الهجرة في المملكة المتحدة، فلا توجد إجراءات حماية تلقائية قائمة لتسوية وضعه، ما يعني أن المشورة القانونية غالباً ما تكون مطلوبةً لتمكينه من القيام بذلك.
اللافت في هذا الإطار أن التقرير الذي نشره "مركز سياسات وأدلة العبودية الحديثة" Modern Slavery Policy and Evidence Centre وعملت على إعداده "جامعة ليفربول"، لاحظ أن المشورة القانونية لهذه الفئة تواجه "عوائق شديدة"، على الرغم من الأدلة المتينة التي تؤكد أن هذا الأمر يُعد أساسياً لتأمين وضعهم في ما يتصل بالهجرة، ولحمايتهم من إعادة الاتجار بهم.
أما الناجون من الاتجار بالبشر، فيمكنهم الاستفادة تلقائياً من إذن تصدره وزارة الداخلية البريطانية ويقضي بالسماح لهم بالبقاء لفترة محددة في المملكة المتحدة، لكن البيانات التي حصل عليها "المجلس الاسكتلندي للاجئين" Scottish Refugee Council من خلال طلب تقدم به بموجب قانون حرية الحصول على المعلومات، أظهرت أنه في الفترة الممتدة ما بين عامي 2017 و 2020، تم تحديد 9 في المئة فقط من المواطنين غير البريطانيين على أنهم ضحايا. ومُنحوا تالياً إذناً بالإقامة لفترة محددة.
ولاحظ التقرير الذي استند إلى مقابلات أجريت مع محامي الهجرة، ومقدمي الدعم الذين يعملون مع الناجين من الاتجار بالبشر في إنجلترا، غياب الوضوح في ما بينهم، في ما يتعلق بالمساعدة القانونية التي يحق للأشخاص الذين يُحوَلون إلى "آلية الإحالة الوطنية"، الحصول عليها، لا سيما منها ما يتعلق بقضايا الهجرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل، أشار تقرير "جامعة ليفربول" إلى أن البنية الراهنة لتمويل المساعدة القانونية المتعلقة بالهجرة، لا توضح كلفة الوقت الذي يقضيه محامو المساعدة القانونية في العمل على القضية، كما أنها تُعد "غير كافية" لتغطية العمل الضروري "المعقد والمطول" لحل مشكلات القضايا القانونية للناجين.
وهذا من شأنه كما أوضح البحث، أن يثني المحامين عن تولي قضايا مرتبطة بالعبودية الحديثة، ما يعني أن الذين يقومون بذلك قد يُضطرون إلى تقليص الوقت الذي يصرفونه على كل قضية، أو العمل من دون تلقي أجر وذلك في أوقاتهم الخاصة، متحملين شخصياً النفقات المترتبة عن ذلك.
وفي حديث مع صحيفة "اندبندنت"، رأت الدكتورة سامانثا كوري من "جامعة ليفربول" التي قادت البحث، أنه "من دون تمثيل قانوني، ستكون من الصعوبة بمكان رؤية كيف سيحصل الناجون (من العبودية الحديثة) على أي ضمان لوضع الهجرة. إن تأمين وضع الهجرة يشكل أساساً حاسماً في أن ينتقل الضحايا إلى أي مرحلة مقبلة، لا سيما نحو تعافيهم. ويظل وضع الهجرة هو الخطوة الأولى".
وعلى ضوء هذه النتائج، يتحتم على الوزراء البريطانيين تغيير الطريقة التي يتم من خلالها تقديم التمويل اللازم للمساعدات القانونية، حرصاً على حصول المحامين على الإمكانات الكافية التي تساعدهم على تقديم مستويات نوعية من الدعم القانوني، وكذلك ضمان أن يتمكن الناجون من العبودية الحديثة من تلقي المشورة القانونية التي يحتاجونها قبل تحويلهم إلى "آلية الإحالة الوطنية".
ويشير التقرير إلى أن التغيير الرئيس المطلوب اعتماده، يتمثل في تحديد المدفوعات المخصصة للمحامين لقاء عملهم على قضايا الهجرة المتعلقة بالناجين، على أساس الساعة.
فيكتوريا ماركس التي أسهمت في البحث، وهي مديرة "وحدة مكافحة تهريب العمال واستغلالهم" Anti-Trafficking and Labour Exploitation Unit (ATLEU) ، رأت أن "نظام المساعدة القانونية لا يمكن أن يكون مستداماً بما يكفي بالنسبة إلى المحامين لتقديم دعم قانوني جيد النوعية للناجين، خصوصاً أن قسماً كبيراً من عملهم على هذه القضايا هو غير مدفوع الأجر أساساً.
وأضافت أن "دفع أتعاب المحامين على أساس الساعة، يشكل وسيلة فاعلة للتأكد من أن الأشخاص الذين عانوا من تجربة العبودية الحديثة يمكنهم الحصول على الدعم القانوني المناسب الذي يُعد مهماً للغاية بالنسبة إليهم".
وتابعت مارك قائلةً إن "الانطباع السائد عن أن المملكة المتحدة هي رائدة على المستوى العالمي في مجال مكافحة العبودية الحديثة، يصبح عرضةً للشبهات على نطاق واسع، إذا لم تحرص البلاد على إبقاء الناجين من الاتجار والعبودية في صلب اهتماماتها واستجابتها لهذه القضية".
وإضافةً إلى ما تقدم، يدعو التقرير أيضاً إلى منح "الإذن بالإقامة" تلقائياً لمدة سنة واحدة على الأقل للأفراد الذين تقوم وزارة الداخلية بتحديدهم ضحايا، ولا يتمتعون بوضع هجرة آمن، من أجل منحهم بعض "الاستقرار والوقت للتعافي بأمان".
وفي هذا الإطار، أوضح متحدث باسم الحكومة البريطانية، أن ضحايا العبودية الحديثة مؤهلون للحصول على مساعدات قانونية لدى تقديمهم طلبات الهجرة، كما في إمكانهم الاستفادة من الدعم والمساعدات المالية المرتبطة بالاستشارة القانونية بعد تصنيفهم بشكل رسمي على أنهم ضحايا، من جانب "وحدة مكافحة تهريب العمال واستغلالهم".
وخلص إلى القول، إن "المساعدة القانونية متاحة وستظل متاحةً لضحايا العبودية الحديثة أو الاتجار بالبشر. إن ما نحن في صدد العمل عليه، هو تحقيق استدامة في مجال المساعدة القانونية المدنية، بما في ذلك الطريقة التي تُدفع بها الرسوم".
© The Independent