أكثر ما يشتهر به عازف الغيتار الإنجليزي إريك كلابتون ربما هو رسمة الـ"غرافيتي" (الجدارية) التي أعلنت: "كلابتون هو إله". الـ"غرافيتي" المذكورة قد تُعدل اليوم، فتصبح "كلابتون هو كارثة على الصحة العامة".
والموسيقي النجم قضى معظم فترة الجائحة محاولاً دحض نصائح الخبراء الطبية والتشويش عليها. إذ على خطى صديقه المسن، الطائش والنزق، فان موريسون، أعلن كلابتون معارضته تدابير الإغلاق (لمواجهة كورونا). أما الآن، فها هو يمضي قدماً للادعاء بأن موقفه المؤقت المناوئ للقاح يمثل علامة تشير إلى خطورة اللقاحات المضادة لفيروس كورونا. وبالنسبة لنتائج الدراسات العلمية، وآراء الخبراء، وتوصيات قطاع الصحة العامة فإنها جميعها، على عكس ما توحي، ليست سوى "دعايات"، أو "بروباغاندا"، بحسب تعبيره.
إنها ليست المرة الأولى أبداً التي يبدو فيها كلابتون شديد الفظاعة أمام الرأي العام. فالرجل لديه تاريخ طويل وحافل من التطفل على القضايا والشؤون العامة، التي يدير لها ظهره ويبدي لها تفاصيل خلفيته. لكن قلة من الناس، خصوصاً في الولايات المتحدة، يعرفون تاريخه الحافل ذاك مع الفظاعة الفاضحة. إذ إنه منذ عقود يُعد أمثولة في نفي وجود ظاهرة "إلغاء الثقافة" cancel culture ويجادل بعناد متسائلاً عن صحة وجودها.
وإن قمنا بمراجعة تاريخه لتحديد لحظاته الأسوأ، لا بد لنا أن نبدأ من شهر أغسطس (آب) 1976، وتحديداً من حفل موسيقي أقامه في مدينة بيرمينغهام (البريطانية). إذ أقدم كلابتون آنذاك على مناشدة جمهور الحاضرين لمساندة إينوك باول، السياسي المحافظ والمعادي الشرس للمهاجرين. وقد قيل وقتها إن كلابتون استرسل في الكلام وعبر عن وجوب مغادرة الشعب الأسود البلاد (المملكة المتحدة) – وهو ذكر السود مستخدماً تعبيرين مسيئين مختلفين – (لا يوجد تسجيل للحفلة يؤكد ما استخدمه من تعابير، لكن عدداً من الشهود أكدوا العبارتين اللتين وردتا على لسانه. حتى أنه عاد وأقر بذلك، وقدم اعتذاراً).
وكان جرى الحديث في بريطانيا على نطاق واسع عن تشدقات كلابتون العنصرية. كما أن حمى هذيانه وتشدقاته تلك، أسهمت في إطلاق "حركة الروك ضد العنصرية" Rock Against Racism. إلا أن ذلك على المدى الطويل، خصوصاً في الولايات المتحدة، لم يؤثر كثيراً في سمعة كلابتون وعلى مبيعات أسطواناته. وهو بالتالي لم يعبر عن أي ندم. وفي مقابلة أجريت معه عام 2004، أقدم على وصف إينوك باول بـ"الفظيع الشجاع"، ولم ينس التشكي مرة أخرى من وجود المهاجرين في المملكة المتحدة. ثم عاد، في عام 2007، وأفصح عن دعمه لباول، نافياً عن هذا الأخير صفة العنصرية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحين قام أخيراً عام 2018 (!) بإصدار اعتذار (عما بدر منه من مواقف)، جاء اعتذاره ذاك مليئاً بالتبريرات الخبيثة. إذ إنه يشعر بـ"الاشمئزاز" من تعليقاته ومواقفه السابقة. أضاف أنه خلال معاناته من الإدمان "قمت بتخريب كل شيء كنت منخرطاً فيه"، وكأن المشكلة الأساسية في ما كان يدلي به من أقوال ومواقف، تتمثل فقط بالإضرار بمستقبله المهني. كذلك قام، وبطريقة غريبة، بوصف نفسه بـ"شبه العنصري"، على الرغم من أن ما قاله عام 1976 لم يكن مجرد "شبه" (أو شبهة). وهو أصر في كلامه في هذا الإطار على أن لديه أصدقاء سوداً. كما تباهى بأنه "ناصر الموسيقى السوداء".
كان كلابتون قد أساء معاملة زوجته، موجهاً لومه في ذلك أيضاً إلى إدمانه (يمكن للقراء ملاحظة منطق التكرار في ما يقوله). وذكر "كانت هناك أوقات قمت فيها بإجبار زوجتي بالقوة على ممارسة الجنس، معتبراً أن ذلك من حقي". كلامه هذا جاء ضمن حديث مع "صنداي تايمز" شرح فيه مسألة إدمانه على الكحول. بيد أن قلة من الناس يعرفون ذاك الجانب من الحكاية. إذ حين يُفكر أكثر الناس في حياة كلابتون العائلية، فإنهم لا يذكرون سوى قصة ابنه البالغ من العمر أربع سنوات، الذي توفي على نحو مأسوي إثر سقوطه من النافذة. وتلك حادثة ألهمت إريك في فترة متأخرة من تجربته الموسيقية، فألف أغنية "دموع في الجنة" Tears in Heaven عام 1992.
ومن المفترض أن يجد معارضو ظاهرة "إلغاء الثقافة" [الإلغاء والإقصاء الثقافي] تشويقاً في مُنحنى مسيرة كلابتون الفنية. إذ إن عنصرية عازف الغيتار هذا وكراهيته للنساء، لم تَحُولان أبداً دون حضوره في "قاعة مشاهير الروك أند رول" لثلاث مرات. لكن بالنسبة لأمثالنا، ممن يودون وقف موت الناس خلال هذه الجائحة، فإن حصانة كلابتون تبدو أقل روعة. وبفضل غياب ظاهرة الحذف والتجاهل يعرف معظم الناس أن كلابتون هو نجم روك مرموق ومهم، ولا يعرفون أنه كان في يومٍ من الأيام زوجاً معتدياً وعنصرياً سابقاً.
والآن حين يظهر كلابتون فجأة كي ينشر معلومات مضللة عن الصحة العامة، ويشارك في توقيع وتبني نظريات المؤامرة الرجعية، فهو يفعل ذلك باعتباره شخصاً معشوقاً من قبل الإعلام. ولأنه لم يسبق أن وُضع في موضع يُضطر فيه للإجابة على تساؤلات تتعلق بماضيه، فإنه يتموضع في مكان يُمكنه من إلحاق الأذى (بالآخرين).
لكن الناس يستحقون فرصة للتغيير، ولا أحد يُعرف بناءً على لحظاته الأسوأ. غير أن كلابتون لا ينفك عن مراكمة المساوئ، عبر قابلية التنبؤ المضجرة النابعة من ذائقته الممجوجة في موسيقى البلوز. كما يمكننا التسامح إزاء الموسيقى ذات المستوى المتوسط. أما الجهود القبيحة، المبذولة للحيلولة دون منع انتشار الجائحة المهلكة، فإن التسامح إزاءها أقل. عند هذه المرحلة من المرجح ألا يتلقى كلابتون أي عواقب جدية من الناحية المالية أو من ناحية سمعته، عقاباً له على عقودٍ من العنصرية والعنف، ومن ترويج جاهل لنظرية المؤامرة. غير أنه للإنصاف ينبغي أن يتلقى كل تلك العواقب.
© The Independent