استقال توني هول، الذي كان يدير هيئة التحرير في "بي بي سي" عند إجراء المقابلة النارية المثيرة للجدل مع الأميرة ديانا عام 1995، من منصب رئيس متحف "ناشونال غاليري" في لندن، السبت، بعد نشر تقرير مستقل ينتقد التحقيق الداخلي الذي أجري في شأن هذه المقابلة.
استقالة واعتذار
وقال هول، في بيان، "استقلت اليوم من منصبي كرئيس لـ(ناشونال غاليري)"، مجدداً اعتذاره عن "الأحداث التي وقعت قبل 25 عاماً".
وبعد أكثر من ربع قرن من مقابلة الأميرة ديانا التي أغرقت العائلة الملكية البريطانية في أزمة، ندد تقرير مستقل الخميس بأساليب "مخادعة" استخدمها الصحافي مارتن بشير الذي يبلغ اليوم 58 عاماً لإجراء هذا اللقاء، ما دفع قناة "بي بي سي" إلى الاعتذار.
وشكلت هذه المقابلة مع الأميرة ديانا ضمن برنامج "بانوراما" سنة 1995، التي جذبت 23 مليون مشاهد، مفصلاً رئيساً في مسيرة بشير، وكان لها وقع صاعق على العائلة الملكية البريطانية.
واعتذر توني هول الذي كان مدير التحرير وقت المقابلة، معترفاً بأن التحقيق الداخلي الذي أجري في عام 1996 "كان أقل بكثير من المعايير المطلوبة"، وأنه "كان من الممكن، بل كان ينبغي، اتخاذ مزيد من الإجراءات عقب الشكاوى المتعلقة بسلوكيات مارتن بشير".
وأعلن هول، السبت، أنه سيترك منصبه في "ناشونال غاليري" الذي يشغله منذ يوليو (تموز) 2020، "لأن بقائي فيه سيشكل مصدر تشتيت لمؤسسة أهتم بأمرها كثيراً".
خداع الأميرة
وألقى دوق كامبريدج الأمير ويليام باللوم على الإخفاقات في مقابلة "بي بي سي" ضمن برنامج "بانوراما" عام 1995 مع والدته الأميرة ديانا قائلاً إنها كانت السبب في تدهور العلاقة بين والديه.
وبعد تحقيق خلص إلى أن هيئة الإذاعة البريطانية "قصرت بالوفاء بمعاييرها العالية من النزاهة والشفافية" بسبب مقابلة مارتن بشير مع الأميرة ديانا، قال الأمير ويليام إنه "حزين للغاية" أن والدته لم تعلم أنها تعرضت للخداع.
واتُّهم مارتن بشير بتزوير وثائق بغية إقناع الأميرة ديانا بإجراء هذا اللقاء.
وفي تعليقه على هذه التطورات، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون "أشعر بالقلق إزاء نتائج تقرير اللورد دايسون"، مضيفاً "آمل حقاً أن تتخذ بي بي سي كل الإجراءات الممكنة لضمان ألا يتكرر مثل هذا الوضع أبداً".
وفي تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، قال الأمير ويليام إن والدته خذلت "ليس فقط من قبل مراسل مارق"، ولكن أيضاً من قبل رؤساء "بي بي سي".
وقال الأمير ويليام إن المقابلة كان لها "مساهمة كبيرة في جعل علاقة والديّ أسوأ"، مضيفاً أنها "أضرت بآخرين لا حصر لهم منذ ذلك الحين".
وتابع دوق كامبريدج "لكن أكثر ما يحزنني هو أنه إذا كانت بي بي سي قد حققت بشكل مناسب في الشكاوى والمخاوف التي أثيرت لأول مرة في عام 1995، لكانت أمي تعلم أنها تعرضت للخداع، لقد خذلت ليس فقط من قبل مراسل مارق، ولكن من قبل القادة في بي بي سي الذين نظروا في الاتجاه الآخر بدلاً من طرح الأسئلة الصعبة".
وأضاف أن الطريقة المخادعة "أثرت بشكل كبير على ما قالته والدتي" رداً على أسئلة مارتن بشير.
بدوره، انتقد الأمير هاري "بي بي سي". وفي بيان منفصل، قال دوق ساسكس إن "التأثير المضاعف لثقافة الاستغلال والممارسات غير الأخلاقية" أودى بحياة والدته في النهاية.
وأضاف أن لديه مخاوف عميقة من أن مثل هذه الممارسات "لا تزال منتشرة على نطاق واسع حتى اليوم"، مضيفاً أنها "أكبر من منفذ واحد أو شبكة واحدة أو مطبوعة واحدة".
"بي بي سي": آسفون
وقدمت "بي بي سي" اعتذارها للأميرين ويليام وهاري، وكذلك لأمير ويلز الأمير تشارلز وشقيق الأميرة ديانا إيرل سبنسر.
ووجد التحقيق المستقل، الذي أجراه القاضي السابق في المحكمة العليا البريطانية، جون دايسن، أن "مارتن بشير نجح من خلال سلوكه المخادع في عقد الاجتماع الذي قاد إلى اللقاء".
وأضاف أن التحقيق الداخلي الذي أجرته "بي بي سي" عام 1996 في شأن الشكاوى الأولية بشأن ما حدث كان "غير فعال على الإطلاق".
من جهته، قال المدير العام لهيئة "بي بي سي"، تيم دايفي، في بيان، إنه "يوافق على خلاصات" هذا التحقيق.
وأوضح، "على الرغم من إشارة التقرير إلى أن ديانا أميرة ويلز كانت مؤيدة لفكرة إجراء مقابلة مع "بي بي سي"، من الواضح أن مسار الحصول على المقابلة لم يكن على قدر تطلعات الجمهور. نحن آسفون حقاً لذلك".
وبعد أكثر من ربع قرن على هذه المقابلة، قدّم دايفي اعتذاراً "غير مشروط" باسم هيئة "بي بي سي".
رواية خطأ
وقال الأمير ويليام إن برنامج بانوراما "ليس له شرعية"، ولا يجب بثه مرة أخرى، مؤكداً "لقد أسس بشكل فعال لرواية خطأ سُوّقت على مدى ربع قرن من قبل هيئة الإذاعة البريطانية وآخرين".
وعلق مارتن بشير قائلاً "ما فعلته كان أمراً غبياً وخطوة أندم عليها بشدة"، مؤكداً أن هذه الكشوف لم تؤد دوراً حاسماً في "الخيار الشخصي" الذي اتخذته الأميرة ديانا في الرد على أسئلته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأُجري تحقيق مستقل بتكليف من هيئة الإذاعة البريطانية العام الماضي، بعد أن أعلن شقيق الأمير ديانا إيرل سبنسر عن مزاعمه علناً ونشرت نتائج التحقيق، الخميس.
وقال سبنسر لـ"بي بي سي بانوراما": "حسناً، المفارقة هي أنني التقيت مارتن بشير في 31 أغسطس (آب) 1995 - لأنها ماتت بعد ذلك بعامين، وأنا أرسم خطاً بين الحدثين".
وأضاف أنه كان "واضحاً تماماً" منذ تقديم بشير إلى ديانا في سبتمبر (أيلول) 1995 أن "الجميع سيصبح غير جدير بالثقة، وأعتقد أن ديانا فقدت الثقة في الأشخاص المهمين حقاً".
وفي المقابلة التي تابعها 23 مليون متفرج، أكدت الأميرة ديانا وجود "ثلاثة أشخاص" في زواجها، في إشارة إلى العلاقة التي كان يقيمها زوجها آنذاك الأمير تشارلز مع كاميلا باركر بولز. وأقرّت الأميرة أيضاً بأنها في علاقة مع رجل آخر.
وقادت هذه التصريحات إلى طلاق تشارلز وديانا، التي توفيت بعد أقل من عامين (سنة 1997) في حادث مروري في باريس لدى محاولة سائقها الهرب من عدسات قناصي صور المشاهير.
أزمة "بي بي سي"
وتغرق هذه التطورات في شأن المقابلة الجدلية بعد أكثر من ربع قرن على عرضها، المجموعة البريطانية العملاقة في مجال الإعلام في أزمة جديدة تضاف إلى مشكلاتها المتكررة بسبب الاتهامات الموجهة لها في بريطانيا بنقص الموضوعية، كما حدث في تغطيتها لـ"بريكست"، أو باعتماد أسلوب نخبوي.
وأعلنت الحكومة البريطانية أنها ستدرس الحاجة إلى إصلاح قواعد الحوكمة في "بي بي سي" في ظل تساؤلات عن تمويلها من خلال رسوم حكومية ومحاولة لندن تعيين حلفاء من المحافظين فيها.
ويضع تقرير دايسن "بي بي سي" في وضع صعب، بحسب المسؤول عن تغطية وسائل الإعلام في المجموعة، أمول راجان، الذي قال "هناك وزراء الحكومة، وكل العناوين الرئيسة في الصحف تقريباً ومسلخ الشبكات الاجتماعية، وملك بريطانيا المستقبلي وشقيقه، جميعهم تكتلوا ضد بي بي سي".
وهذه ليست الفضيحة الأولى التي تهز "بي بي سي"، بعد أن حاولت المؤسسة قبل سنوات إخماد فضيحة تحرش جنسي بأطفال طاولت نجمها السابق جيمي سافيل، كما واجهت انتقادات بسبب اتهامها زوراً سياسياً محافظاً بارتكاب انتهاكات جنسية.
وتأتي هذه الزوبعة في مرحلة حساسة لـ"بي بي سي" التي تسعى إلى التحديث لمواجهة التحديات المترتبة عن العادات الجديدة للجمهور ونجاح منصات المشاهدة المدفوعة، مثل "نتفليكس".
كذلك قررت "بي بي سي" المنخرطة في خطة عصر نفقات واسعة تلحظ الاستغناء عن مئات الوظائف، نقل جزء من إنتاجها إلى خارج لندن بهدف "تحسين تمثيل" التنوع المناطقي.
كما تعهدت اتخاذ إجراءات مسلكية تصل إلى الطرد في حق الموظفين الذين يخلون بواجب الحيادية المفروض عليهم في منشوراتهم على "تويتر". وتواجه المجموعة أيضاً انتقادات داخلية من موظفين على خلفية المساواة في الرواتب.
وكان مراسل الشؤون الملكية روبرت جونسون من القلائل الذين هبوا لنجدة "بي بي سي"، إذ قال عبر قناة "سكاي نيوز"، إن المقابلة وعلى الرغم من الأسلوب "المحزن" الذي اعتمدته، سمحت للأميرة ديانا بقول الحقيقة كما كانت تريد.