يمثل أمام القضاء في فرانكفورت ضابط ألماني ادعى أنه لاجئ سوري وأعد على ما يبدو هجوماً، في قضية أقرب إلى الخيال هزت الجيش الألماني وكشفت تجاوزات لليمين القومي في البلاد.
ويواجه فرانكو ألبريخت (32 عاماً) المدفوع بأيديولوجية "قومية اشتراكية" بحسب لائحة الاتهام ويقف وراء قضية غريبة لطخت سمعة الجيش وأجهزة الهجرة في 2017، خصوصاً تهمة "التحضير لعمل عنف خطير يمس بأمن الدولة".
وهذا الضابط الذي يحمل رتبة ملازم ويعمل في قاعدة إيلكيرش الفرنسية الألمانية قرب ستراسبورغ في فرنسا بنى ترسانة حقيقية: أربعة أسلحة نارية وأكثر من ألف ذخيرة و50 عبوة ناسفة مسروقة من القوات المسلحة الألمانية (بوندسفير).
وكان يعيش حياة مزدوجة زاعماً أنه طالب لجوء سوري. وتمكن من دون أن يتحدث اللغة العربية من تقديم طلب لجوء منتحلاً اسم ديفيد بنيمين للحصول على حق الإقامة والإعانة الذي يتمتع به اللاجئون، من أجل اختبار النظام، على حد قوله، وكشف عيوبه.
بدأت محاكمته في فرانكفورت ومن المقرر أن تستمر حتى أغسطس (آب). وهو يواجه عقوبة تصل إلى السجن عشر سنوات.
وبعد وصوله طليقاً، نفى الجندي السابق مجدداً التهم الموجهة إليه وقال للصحافيين "لم أخطط لأي عمل يضر بأحد"، مضيفاً أنه ليس من اليمين المتطرف.
ومع ذلك، فإن فرانكو ألبريخت، وهو ابن عامل إيطالي، لم يخف أبداً آراءه المتطرفة أو معارضته للهجرة. وكان "ماين كامف" الكتاب العنصري والمعادي للسامية الذي ألفه أدولف هتلر، من بين الأعمال الموضوعة على أرفف مكتبته. كما عثر أيضاً على رسائل معادية للأجانب على هاتفه الخلوي.
وفي محاولة لإثبات أن مفهوم اللجوء قد تحول عن مساره، بحسب قوله، ادعى أنه لاجئ بعد وصول مئات الآلاف من المهاجرين إلى ألمانيا في عامَي 2015 و2016، ومعظمهم فروا من الحرب في سوريا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونجح في عام 2015 في تقديم طلب لجوء باسم مستعار هو ديفيد بنيمين. وبلغة إنجليزية بدائية، أوضح لخدمات الهجرة أنه لم يتعلم اللغة العربية لأنه كان ملتحقاً بمعهد فرنسي قرب دمشق.
حتى أنه تلقى نحو 400 يورو كمساعدة شهرية وحصل على مكان في نزل للاجئين. لكنه واصل حياته كجندي في ثكنات إيلكيرش بهويته الحقيقية.
قال الجندي السابق لصحيفة "لو فيغارو" في مارس (آذار) "أردت أن أستوضح شخصياً ذلك الأمر وأن أتحقق إلى أي مدى حصل انحراف من السلطات الألمانية عن مفهوم اللجوء على حساب الأمن".
وتابع "علمت أن ما كنت أقوم به ليس قانونياً"، رافضاً أن تكون لديه أي نية عنيفة، ومدعياً أنه استعد "لحماية أسرته في حالة الطوارئ". وهذه آراء تتصدى لصحتها النيابة العامة.
وقالت محكمة كارلسروهه الفيدرالية المختصة في قضايا الإرهاب، إن المتهم كان "يخطط لهجوم يستهدف مسؤولين سياسيين وشخصيات عامة" متظاهراً بأنه لاجئ.
ووفقاً لهذه المحكمة، لقد أراد أن يجعل المهاجرين مسؤولين عن أفعاله ليزيد الشرخ في المجتمع الألماني الذي كان منقسماً بشدة إزاء استقبال اللاجئين الذي نظمته حكومة أنغيلا ميركل.
ومن المرجح أنه كان ينوي استهداف وزير الخارجية الحالي هايكو ماس الذي كان يومها وزيراً للعدل ونائبة رئيس البرلمان الألماني كلوديا روث، إضافة إلى ناشطة في مجال حقوق الإنسان.
وأوقف فرانكو ألبريخت أوائل عام 2017 عندما حاول استعادة مسدس كان قد أخفاه في مرحاض بمطار فيينا. وكشفت بصماته تشابهاً مع بصمات اللاجئ السوري ديفيد بنيمين.
وسلطت الفضيحة الضوء على الخلل الحاصل في معالجة أكثر من مليون طلب لجوء منذ تدفق اللاجئين في 2015 و2016، فيما أكدت السلطات الألمانية مراراً أنها تدقق في الملفات تدقيقاً صارماً.
كذلك، اتهم الجيش الألماني بعدم محاربة الانجرافات الأيديولوجية بين قواته بشكل كاف.
وكان فرانكو ألبريخت جزءاً من مجموعة سرية من الجنود والشرطة من اليمين المتطرف.
ودفعت هذه القضية وزيرة الدفاع آنذاك، أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية الآن، إلى تشديد القبضة على الجيش الألماني، الأمر الذي أثار ضدها انتقادات في صفوف العسكريين.
وفي يونيو (حزيران) 2020، تم حل قيادة القوات الخاصة (كيه إس كيه) جزئياً بسبب الاشتباه في انتماء حوالى 20 من أعضائها إلى حركة النازيين الجدد.