تبدو ملامح الانتخابات البرلمانية العراقية التي من المقرر أجراؤها في 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، مختلفة عن سابقتها، لناحية القوى المتنافسة الساعية للوصول إلى قبة البرلمان، فالأحزاب التقليدية التي استأثرت بالسلطة طيلة السنوات الماضية تجد نفسها في مجابهة مع القوى التي أفرزها حراك "تشرين"، والتي تعوّل على دعم الشارع العراقي لها بعد أن ضاق ذرعاً بالطبقة السياسية التي أوغلت في الفساد وعززت من سطوة المليشيات.
264، هو عدد الأحزاب المسجلة في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات منها 55 حزباً قيد التأسيس، و122 حزباً شاركت في الانتخابات الماضية وقدمت طلبات لإبداء الرغبة إلى دائرة شؤون الأحزاب للسماح لها بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
المال السياسي
وتدرك قوى "تشرين" أن عدم تكافؤ الفرص بين مرشحيها ومرشحي الأحزاب التقليدية يعود إلى المال السياسي الذي توظفه هذه الأحزاب لصالحها مع كل انتخابات تجرى في العراق، ويرى الأكاديمي والباحث السياسي علي رسول الربيعي أن المال السياسي هو المرتكز الرئيس في تحريك العملية السياسية في العراق وتحديداً الانتخابات، وأوضح أن غياب التشريعات التي تحاسب الأحزاب حول مصادر التمويل مكّنت هذه الأحزاب من تأسيس إمبراطوريات ماليه تؤثر في سير الانتخابات، "من جهتين، الأولى عن طريق شراء الذمم والسيطرة على الدعاية الإعلامية، والثانية، السلاح المنفلت، وهو سلاح يموّل بالمال السياسي لتأثيره في العملية السياسية والانتخابية".
أفضل من لا شيء
وأوضح المحلل السياسي جبار المشهداني، بدوره، أن المال السياسي هو من أبرز عوامل اجتذاب الناخبين، لا سيما في الأوساط الشعبية الفقيرة التي فقدت الأمل في التغيير، لذلك تقنع نفسها بأن الحصول على مبلغ مالي أو هدية بسيطة، من أكثر ما يمكن الحصول عليه من السياسيين المترشحين للانتخابات، بالتالي أفضل من لا شيء، بحسب قناعاتهم.
بين الانسحاب والممانعة والاشتراك بشروط
واتخذت بعض قوى "تشرين" قراراً بالانسحاب من الانتخابات مرجعة الأسباب الى استمرار الاغتيالات التي تطاول الناشطين، وكان آخرها اغتيال الناشط إيهاب الوزني في كربلاء، فضلاً عن هيمنة المال السياسي وعدم نزاهة الانتخابات.
وأوضح منتظر عبد الكريم، ناشط في حراك "تشرين"، أن أحزاب الإسلام السياسي تمتلك مالاً سياسياً طائلاً مصدره عمليات الفساد، معتبراً في الوقت نفسه أن المنافسة غير متكافئة بين الأحزاب التقليدية وقوى "تشرين" والنتيجة محسومة مسبقاً لصاحب المال، وتابع أن "المال السياسي له دور في عمليات الاغتيال، وفي شراء البطاقات الانتخابية، وشراء ذمم جزء من المجتمع، وهذا السبب الذي دفع بعض قوى تشرين لإعلان انسحابها من الانتخابات"؟
السلاح ونزاهة الانتخابات
وأوضح المشرف السياسي لمجلس "تشرين" المركزي فارس المالكي أن المجلس، وكما هي حال قوى "نازل آخذ حقي"، و"البيت العراقي"، لن يشارك في العملية السياسية، ولن يمنحها الشرعية للتسلط على رقاب الشعب، أربع سنوات مقبلة، "لسنا مقاطعين ولكن ممانعون لحين تصويب الانتخابات ".
ورأى المالكي أن السلاح المتفلّت لا يعطي ثقة بنتائج الانتخابات، مشدداً في الوقت نفسه على ضرورة اعتماد البطاقة البايومترية، في موازاة قانون انتخابي عادل، وتطبيق قانون الأحزاب (36) لعام 2015 فضلاً عن تجميد تصويت الخارج وإلغاء التصويت الخاص.
الانسحاب ليس خياراً
ورأى المحلل السياسي جبار المشهداني أن انسحاب قوى "تشرين" من الانتخابات ليس خياراً، وإنما اضطرار، فبعد استمرار عمليات القتل والاستهداف، وشعور "التشرينيين" بجدية القوى المنافسة في العزم على تصفيتها، وعدم وجود فرصة حقيقية للتنافس في أجواء ديمقراطية ونزيهة وشفافة وعادلة، كلها عوامل أقنعت قوى "تشرين" بالانسحاب من الانتخابات، ورأى المشهداني أن هذه القوى ستتحمل جزءاً من الفشل السياسي في حال قررت المشاركة في الانتخابات، "لا يمكن أن يكون للقاتل والقتيل خط واحد للتنافس حول أي شيء".
وشدد المشهداني على ضرورة عدم المشاركة في الانتخابات مع تنظيم دعوة مجتمعية وإيصال هذه المقاطعة إلى المجتمع الدولي لسحب شرعية هذه الانتخابات التي يراد لها أن تكرر تجربة انتخابات 2018.
المقاطعة خيار قسري
وفي سياق متصل، أوضح منتظر عبد الكريم أن الاغتيالات السياسية والإفلات من العقاب، والمال السياسي، وانعدام نزاهة الانتخابات، كلها عوامل أجبرت كيانات "تشرين" على مقاطعة الانتخابات، ورأى عبد الكريم أن المقاطعة أصبحت "خياراً قسرياً، وعليه ستنفرد الأحزاب التقليدية بالسلطة، لكن، في المقابل، فإن قوى تشرين ستنفرد بالشارع، وسيكون الصراع محتدماً"، وقال إن خيار المقاطعة قد يدفع قوى "تشرين" إلى خطوة مثل إغلاق المراكز الانتخابية، "هذا الخيار لم تفكر به الحكومة والأحزاب ذات الأجنحة المسلحة التي أوغلت باغتيال قيادات تشرين".
شروط المشاركة في الانتخابات
ولجأت بعض قوى "تشرين" إلى خيار البقاء ضمن حلبة المنافسة في الانتخابات، لكنها تصرّ على تحقيق شروطها التي تضمن، بحسب رأيها، سلامة الانتخابات، وأوضح حسن الحلفي، من تجمع "حراكات تشرين"، أن التجمع الذي يضم قوى عدة يطالب أن يكون العدّ والفرز داخل الدائرة الواحدة بدلاً من المركز الوطني الموحد الذي من المقرر أن يكون في العاصمة بغداد، وقال إن "الترشيح هو بدوائر متعددة، إذ إن المرشح على سبيل المثال بالدائرة (س) لن يتنافس مع المرشح بالدائرة (ب)، وبهذا، لا بدّ أن يكون العدّ والفرز داخل الدائرة الواحدة لضمان سلامة النتائج من التزوير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانتقد الحلفي المبلغ الذي حددته المفوضية، كرسوم للتسجيل في المفوضية تمهيداً للاشتراك في الانتخابات، والمتمثل بمليوني دينار عراقي (نحو 1368 دولاراً)، مشيراً إلى أن الاشخاص المستقلين من قوى "تشرين" لا يملكون أمولاً طائلة، وليست لديهم مكاتب اقتصادية كما هي الحال بالنسبة للأحزاب التقليدية، ورأى أن وضع هذا الشرط أجبر البعض من قوى "تشرين" على التخلي عن المشاركة في الترشح للانتخابات المقبلة، وشدد على ضرورة تمديد فترة الترشح لغاية شهر يوليو (تموز)، معتبراً أن إغلاق باب الترشح "سيتيح الفرصة للميليشيات للتعرف إلى المرشحين المستقلين، وقد يتعرضون للتصفية".
الرقابة الدولية
وأوضح الحلفي أن تجمع "حراكات تشرين" الذي يضم 30 تشكيلاً طالب بسنّ قانون والتصويت عليه من قبل البرلمان بالإشراف والرقابة الدولية على الانتخابات، على أن تكون اللجنة المشرفة على الانتخابات مكونه من قبل أعضاء الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن لضمان نزاهة الانتخابات، ويكون للجنة الدور الفاعل في نقض نتيجة الانتخابات إذا ما شعرت أن هنالك تزويراً أو تلاعباً طال العملية الانتخابية.
رأي المفوضية
وأوضحت جمانة الغلاي، الناطقة الرسمية للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات أنه لا يمكن للمفوضية أن تمدد مدة طلبات الترشيح مجدداً بعد أن انتهت بداية هذا الشهر، وتحديداً في الأول من مايو (أيار)، وأشارت إلى أن المفوضية بحاجة للمزيد من الوقت لتدقيق بيانات المرشحين، وكذلك الداعمين للمرشحين المستقلين، إذ يتوجب على كل مرشح مستقل تقديم 500 شخص داعمين له، مضيفة أيضاً أن المفوضية أمامها مهمة إرسال بيانات المرشحين لهيئة المساءلة والعدالة والنزاهة، وكذلك الأدلة الجنائية، ولا بدّ من تدقيق شهادات المرشحين من قبل وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية، وهذه عملية تحتاج إلى الوقت، ولا بدّ من وجود سقف زمني لإنهاء عمليات التدقيق.
وفي ما يتعلّق بمبلغ رسوم التسجيل الذي انتقدته بعض قوى "تشرين"، أوضحت الغلاي أن مجلس المفوضين، وبهدف السماح للشباب بالمشاركة، خفّض رسوم التسجيل، لتكون مليوني دينار عراقي بعد أن كانت خمسة ملايين (نحو 3421 دولاراً أميركياً).
فرصة قوى "تشرين"
ورأى أستاذ علم الاجتماع في جامعة بغداد علي طاهر الحمود أن أسباب المقاطعة غير المعلنة في انتخابات عام 2018 تعود إلى عدم توافر خيارات متعددة أمام الجمهور، فالأحزاب المشاركة هي ذاتها، لذلك عزف الناس عن المشاركة، لتأتي نسبة المشاركة في انتخابات عام 2018، 39 في المئة.
وأوضح الحمود أن المشاركة السياسية تكون فاعلة بوجود خيار بديل، وهو ما يوصف بـ "الطريق الثالث"، ورأى أن "الطريق الثالث" يمكن أن تمثله حالياً أحزاب "تشرين"، موضحاً أن نسبة المشاركة في الانتخابات من الممكن أن تصل إلى أكثر من 50 في المئة في حال تمكنت أحزاب "تشرين" من تحقيق تنسيق أكبر في تحديد الأهداف في موازاة وضوح في برامجها الانتخابية، واستبعد الحمود أن تكون نسبة المشاركة بالانتخابات المقبلة أكثر من 60 في المئة، وقال، "رص الصفوف للقضاء على الدولة العميقة وأذرعها وإسقاط المنظومة السياسية الفاسدة"، هذا ما أعلنته قوى "تشرين" في بيان لها بعد إعلانها النفير العام واتخاذ خطوات تصعيدية، ويبدو أن هذه القوى سيكون لها موقف معلن أكثر وضوحاً حول الانتخابات في التظاهرة المقرر لها أن تنطلق في 25 مايو 2021 .