تبين أن أفريقيا تشهد المعدل الأعلى عالمياً من الوفيات بين صفوف البالغين الذين يكابدون مضاعفات شديدة جراء الإصابة بـ"كوفيد- 19"، وفق بيانات صدرت أخيراً.
"الدراسة الأفريقية لنتائج الرعاية الصحية الخاصة بالحالات الحرجة من "كوفيد- 19" (اختصاراً "أي سي سي سي أو أس" ACCCOS) كما عُنونت، المنشورة في مجلة "ذا لانسيت" The Lancet العلمية، تتبعت 64 مستشفى تتوزع على 10 دول أفريقية، بين مايو (أيار) وديسمبر (كانون الأول) من عام 2020، وسجلت وفاة ألف و483 مريضاً نتيجة الإصابة بالمرض التنفسي الحاد، من أصل ثلاثة آلاف و77 حالة، ليبلغ معدل وفيات "كورونا" في القارة النامية 48.2 في المئة، وهو أعلى كثيراً من المتوسط العالمي البالغ 31.5 في المئة.
يُعزى التفاوت المثير للقلق بين أفريقيا والأجزاء الأخرى من العالم، حسبما قال الباحثون الذين اضطلعوا بالدراسة، إلى نقص في موارد وحدات العناية المركزة واستخدام منخفض للموارد المتاحة، مشيرين إلى أن نصف المرضى قد فارقوا الحياة من دون مدهم بجرعات الأوكسجين المنقذة للأرواح، وأنه في حين أن غسيل الكلى كان متوفراً لدى 68 في المئة من المستشفيات، لم يخضع له سوى 10 في المئة فقط من مرضى الحالات الشديدة (330 من ضمن ثلاثة آلاف و73 مريضاً) من "كورونا" الذين احتاجوا إليه.
البروفسور بروس بيكارد من "مستشفى غروت شور" و"جامعة كيب تاون"، الذي شارك في رئاسة البحث، تحدث في هذا الشأن فقال، "تعد دراستنا الأولى من نوعها التي تعطي صورة مفصلة وشاملة عما يحل بسكان أفريقيا المصابين بمضاعفات "كوفيد- 19" الشديدة، وذلك عبر الاستعانة ببيانات مستقاة من بلدان أفريقية ومستشفيات عدة".
للأسف، وفق بيكارد، "يبين ذلك أن النقص في الأسرة المخصصة للحالات الحرجة وقلة الموارد داخل وحدات العناية المركزة، يُقوضان قدرتنا على توفير رعاية كافية"، للمرضى.
وأضاف البروفيسور بيكارد أن "صعوبة الحصول على التدخلات الطبية المحتملة المنقذة للحياة من قبيل غسيل الكلى، ووضعية الرقود (prone بمعنى وضع المرضى على بطونهم بغية تسهيل عملية التنفس)، ومراقبة نسبة الأوكسجين في الدم، قد تمثل عوامل أسهمت في وفاة هؤلاء المرضى، وربما تفسر أيضاً إلى حد ما السبب الكامن وراء وقف العلاج (على اعتبار أنه أصبح غير مجد ويطيل فقط عملية الاحتضار) شخص واحد من بين ثمانية مرضى أو إعطائه علاجاً قصير المدى. نأمل في أن تساعد نتائج (الدراسة) في تحديد أولويات الموارد وفي توجيه معالجة المرضى المصابين بأمراض خطيرة (وفي نهاية المطاف إنقاذ الأرواح) في المناطق ذات الموارد الطبية المحدودة حول العالم".
قبل دارسة "أي سي سي سي أو أس"، لم يكن يتوفر قدر كاف من المعلومات بشأن كيفية تأثير فيروس كورونا في المرضى ذوي الحالات الصحية الحرجة في أفريقيا.
بغية رأب الفجوة في الأدلة، سعى الباحثون إلى تحديد أي من الموارد البشرية والاستشفائية، والحالات الصحية الموجودة مسبقاً وتدخلات الرعاية الحرجة ربما تكون مرتبطة بالوفاة أو النجاة بين المرضى الذين تخطوا الـ18 عاماً واستدعت حالاتهم الدخول إلى وحدات العناية المركزة في مستشفيات القارة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دراسة الباحثين التي استندت إلى الملاحظة صبت تركيزها على مستشفيات تتمركز في مصر، وإثيوبيا، وغانا، وكينيا، وليبيا، وملاوي، وموزمبيق، والنيجر، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا، حيث تلقى جميع المشمولين في البحث رعاية صحية معيارية، وخضعوا للمتابعة طوال 30 يوماً في أقل تقدير، إلا في حال وفاتهم أو السماح بخروجهم من المستشفى.
استخدم الباحثون النمذجة الحاسوبية بغية تعيين عوامل الخطر المرتبطة بالوفاة. وتفيد تقديرات الدراسة بأن توفير الرعاية الكافية للمصابين بأمراض خطيرة يستلزم زيادة جلسات غسيل الكلى بمقدار سبعة أضعاف تقريباً، و"الأكسجة الغشائية خارج الجسم" ("إي سي أم أو" المعروفة أيضاً باسم "دعم الحياة خارج الجسم") بنحو 14 ضعفاً.
اتضح أن مرضى كورونا الذين يعانون حالات صحية أصلاً واجهوا خطراً أكبر مقارنة مع غيرهم. مثلاً، الإصابة بمرض الكلى المزمن أو فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) ضاعفت تقريباً احتمال الوفاة، بينما ازداد الأخير ثلاثة أضعاف بوجود مرض الكبد المزمن. كذلك هدد داء السكري فرصة البقاء على قيد الحياة. ولكن، على النقيض من الدراسات السابقة، لم يرتبط الذكور بزيادة معدل الوفيات.
في الواقع، "من غير المتوقع اكتشاف أن الرجال لم يحصلوا على نتائج متصلة بالصحة أسوأ مقارنة مع النساء"، حسبما قال الرئيس المشارك لفريق البحاثة، البروفسور دين غوبالان من "جامعة كوازولو ناتال" في جنوب أفريقيا".
ولم يستبعد البروفسور غوبالان أن "خطر الوفاة كان أكبر لدى النساء الأفريقيات في هذه الدراسة بسبب وجود معوقات تحول دون حصولهن على خدمات الرعاية الصحية، أو أوجه قصور أو تحيزات في الرعاية عند مواجهة حالة صحية حرجة."
مقارنة مع الناجين من كورونا، كان المرضى الذين فارقوا الحياة أكثر عرضة كذلك للإصابة بخلل أشد وطأة في وظائف الأعضاء، واحتاجوا إلى قدر أكبر من دعم الجهاز التنفسي (بالأوكسجين) والقلب والأوعية الدموية عند إدخالهم إلى قسم العناية المركزة.
وقالت الدكتورة فانيسا مسوسا من "مستشفى كاموزو المركزي" في ملاوي، إن "التعاون عبر القارة وفر بيانات ضرورية جداً حول المتطلبات الخاصة من الرعاية التي يحتاج إليها مرضى كوفيد -19"، في أفريقيا.
"على الرغم من أن التعداد السكاني الأصغر سناً في بلدان أفريقيا، يعني أن معظمها قد تفادى الوفيات الواسعة التي شوهدت في أجزاء كثيرة من العالم، يتكبد معدل الوفيات داخل المستشفيات ثمن النقص في الموارد، إذ أُدخل نصف الحالات فقط إلى أقسام الرعاية المركزة بسبب عدم توفر الأسرة. وما لم يُعالج الشح في موارد الرعاية الحرجة ستبقى نتائج المرضى الصحية بليغة جداً"، ختمت الدكتورة مسوسا.
© The Independent