لم تفلح تغريدة الملياردير الأميركي إيلون ماسك يوم السبت في تعويض خسائر "بيتكوين" والعملات المشفرة التي تشهد انهياراً في قيمتها أدى إلى تبخر ما يصل إلى تريليون دولار من سوق المشفرات. وعلى الرغم من الارتفاع الطفيف في سعرها، ظلت "بيتكوين" السبت دون حاجز الـ 40 ألف دولار. وكانت العملة الافتراضية فقدت في تعاملات الجمعة 12 في المئة من قيمتها، بينما فقدت العملة التالية "إيثيريوم" 19 في المئة من قيمتها. ورداً على استفسار من أحد متابعيه على موقع "تويتر"، كتب ماسك السبت إنه يدعم العملات المشفرة في مقابل العملات الوطنية العادية، لكن ذلك لم يكن له التأثير الذي سبق أن أدت إليه تغريدات سابقة له قبل نحو أسبوع، انتقد فيها "بيتكوين" بسبب أضرارها على البيئة نتيجة استهلاك كميات هائلة من الطاقة في معاملاتها. وكانت الحكومة الصينية جددت مرة أخرى يوم الجمعة عزمها التشديد على عمليات "تنجيم" العملات المشفرة لما تستهلكه من كميات هائلة من الطاقة، تزيد من الانبعاثات الكربونية في الجو وتضر بجهود مكافحة التغير المناخي وتلويث البيئة. وسبق ذلك بأيام تحذير السلطات الصينية الشركات والمؤسسات المالية من استخدام العملات الافتراضية في معاملات الدفع والتحويل، وذكرت بإجراءات سابقة لبنك الشعب (المركزي) الصيني وهيئات الرقابة وتنظيم القطاع المالي تستهدف تقييد استخدام العملات المشفرة. وكانت الصين بدأت حملتها تلك في عام 2017 بعدما انتشرت شركات تداول العملات المشفرة فيها، مما جعل تلك الشركات تهجر الصين تماماً.
خلاصة التوقعات
وكثرت خلال الأيام الماضية المقالات والتعليقات والتحليلات حول مستقبل العملات الافتراضية المشفرة بعد أسبوع الانهيار الذي جعل العملة الرئيسية بينها "بيتكوين"، تفقد نحو نصف قيمتها حين هبطت إلى نحو 30 ألف دولار، بينما كان سعرها الشهر الماضي يتجاوز 60 ألف دولار. ويمكن ايجاز خلاصة تلك التحليلات والتوقعات في ما يلي:ما زال من الممكن أن يرتفع سعر "بيتكوين" إلى ما فوق 100 ألف دولار، كما توقع بنك "جيه بي مورغان" الاستثماري في يناير (كانون الثاني) أن يصل سعرها إلى 146 ألف دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتوقعت مؤسسات استثمارية أخرى ارتفاع سعر "بيتكوين" إلى ضعف أو ضعفي هذا المبلغ. ومن الصعب حسم ما إذا كان ما حدث الأسبوع الماضي هو انفجار فقاعة العملات المشفرة أم تصحيح في قيمتها المبالغ فيها، فالتذبذب الحاد في قيمة تلك المشفرات يحدث منذ انطلاقها قبل عقد من الزمن وبحدة مماثلة تقريباً.على الرغم من الانهيار الأخير، تظل قيمة العملات المشفرة في ارتفاع، بخاصة "بيتكوين"، وهي الوحيدة بين العملات المشفرة التي لها سقف في عددها النهائي عند 21 مليون عملة، وبالتالي يمكن أن يرتفع سعرها أكثر بسبب محدودية المطروح منها. زيادة الاهتمام بالأضرار البيئية للعملات المشفرة سيحد من إغرائها المستثمرين، بخاصة مع توجه العالم نحو سياسات للحد من الانبعاثات الكربونية ومواجهة التغيرات المناخية، كما أن المستثمرين والبنوك والمؤسسات التي أبدت اهتمام بها قد لا تحافظ على معدلات الاهتمام بما يجعلها مقبولة أكثر ضمن النظام المالي العالمي، فالتذبذب الشديد في قيمتها والمضاربات الهائلة عليها يجعلها أصلاً استثماراً هشاً إلى حد ما.اتجاه الدول الرئيسة إلى إصدار عملات رقمية وطنية مضمونة من بنوكها المركزية ربما يقضي على مستقبل تلك المشفرات كعملة تداول لمعاملات الدفع والتحويل، ويظل استخدامها مقتصراً على من يرغبون في التعامل بسرية وبعيداً من النظام المالي الرسمي.تراجع الحماسة لاستخدام تلك المشفرات كتحوط تجاه التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، كما هو الحال مع الذهب وملاذات آمنة أخرى للحفاظ على قيمة الثروة.
مضاربة بلا عائد
في القرن الـ 16 قال التاجر البريطاني ومستشار التاج الملكي وقتها توماس غريشام عبارته الشهيرة التي ما زالت تستخدم حتى اليوم، "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق". ذلك أنه منذ صكت العملات يتداول الناس في البيع والشراء والمعاملات النقدية كافة بالنقد من النحاس وغيره، لكنهم يحتفظون بعملات الذهب كمخزن للقيمة، وهكذا الحال مع العملات المشفرة، يتم الاحتفاظ بها كمخزن للثروة وليس للتداول في المعاملات.لذا تراجعت شركة "تيسلا" مثلاً عن قرار استخدام "بيتكوين" للدفع لشراء سياراتها، ليس لأنها ضد "بيتكوين"، ولكن لأن المسؤولين الماليين في الشركة لن يستطيعوا ضبط الحسابات، وبالتالي البيانات المالية ربع السنوية للمساهمين، بعملة يرتفع سعرها أو يهبط بنسب تصل إلى 30 أو 50 في المئة.
المغاامرات في الشراء
وكما هو الحال منذ قديم الزمن، كلما احتفظ من يملكون العملة بها ولم يتداولوها في المعاملات تظل قيمتها عالية، ومن يملك "بيتكوين" أو أي عملة مشفرة، ينتظر أن ترتفع قيمتها أضعافاً لتزيد ثروته، فكيف سيغامر ويدفع بها ليشتري سلعة أو خدمة؟الأرجح إذاً أن تظل تلك المشفرات أصولاً رقمية للتداول عليها في الأسواق، مثل بقية الأوراق المالية من أسهم وسندات ومشتقات ديون وغيرها، لكن تظل هناك مشكلة أيضاً، فتلك المشفرات ليست مثل الأسهم والسندات مثلاً التي تدر عائداً على من يستثمر فيها، كما أن المضاربات على العملات المشفرة لا توفر عائداً لمن يملكها، وإن زادت ثروته بأضعاف أضعاف عمن يملك أسهماً أو سندات.في النهاية، لا يتوقع أحد أن ينهار سوق العملات المشفرة تماماً، لكن فرص استخدامها كعملة بديلة للعملات الوطنية المنظمة والمضمونة من البنوك المركزية تتضاءل بشدة، كما أن الاستثمار فيها كأصول رقمية للمضاربة السوقية ربما يظل محصوراً في نطاق ضيق لفترة ما لم تشهد شبكة تنظيم تلك المشفرات على الإنترنت تعديلات جذرية، والأرجح أن طرح عملات رقمية وطنية، كما تستعد الصين لطرح "اليوان" الرقمي وتعمل أوروبا على طرح "اليورو" الرقمي، وبدأت بريطانيا العمل على طرح الجنيه الاسترليني الرقمي، سيزيح العملات المشفرة إلى ركن خاص في القطاع المالي، مثل أركان السلع الفارهة في الأسواق.