إنه فارق كبير صنعه مجرد مرور سنتين. في الانتخابات العامة لعام 2017، وضع المحافظون والعمال حداً لانخفاضٍ دام فترة طويلة في حصتهم المشتركة من الأصوات، وفازوا بنسبة لافتة بلغت 82 في المائة.
ظَنَنَّا أن هيمنة الحزبين قد عادت، لكن كنا مخطئين. إذ أظهرت نتائج انتخابات السلطة المحليّة التي أجريت في الثالث من مايو (آيار) الجاري في إنكلترا أن الناخبين هجروا الحزبين الرئيسيّين كليهما بعد عامين من الجمود الذي طاول عملية بريكست. لقد كسر بريكست احتكار الثنائيّة الحزبيّة للمشهد السياسي. وعلِقت أرجوحة السياسة لدينا، المتمثلة في صعود أحد الحزبين مقابل نزول الآخر، تماماً مثلما علِقت واقعياً عملية بريكست.
تعرّض حزب المحافظين لخسائر فادحة، لكن ذلك كان حتميّاً لأنهم حقّقوا مكاسب ساحقة عندما جرى التنافس على المقاعد نفسها آخر مرّة، عندما حقق ديفيد كاميرون فوزاً مفاجئاً في الانتخابات العامة في اليوم نفسه. ليس لدى تيريزا ماي ما يدعوها للاحتفال، لكنها ستشعر بالارتياح لأن حزب العمال شارك بعضاً من آلام حزبها بفقدانه مقاعد كانت له، لا سيما في معاقله الشمالية.
لم يكن أداء حزب العمال هو أداء حزب في طريقه إلى الفوز في الانتخابات العامة، كما كان يتوق جيريمي كوربين، وهو ما قد يحدث على الرغم من ذلك في وقت لاحق من هذا العام ،إذا لم يتحقّق بريكست من جهة، وسعى خليفة ماي في رئاسة حزب المحافظين إلى ولاية جديدة في رئاسة الوزراء، من الجهة الثانية.
كان يمكن أن يكون رفض الحزبين الكبيرين أكبرَ لو تقدّم مرشحين من "حزب بركسيت" لنايجل فاراج وحزب "تغيير المملكة المتحدة" ("المجموعة المستقلة" سابقاً). لكن الحزبان الكبيران لن يفلتا من تهديد الحزبين الجديدين في المعترك السياسي، خلال انتخابات البرلمان الأوروبي في 23 مايو (آيار). حينها، سيخشى الحزبان الرئيسيان ليلة أسوأ من ليلة إعلان نتائج الانتخابات المحليّة.
سيُنظر إلى نتائج المجالس المحليّة بوصفها دليل على غضب الناخبين من الفشل في تحقيق الخروج من الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد في شهر مارس (آذار) 2019. وبعبارة أخرى سينظر إليها بوصفها رسالة بضرورة المضي قدماً حتى إتمام الخروج. وبشكل متوقع، يجدد محافظون مشككون في الاتحاد الأوروبي دعواتهم تيريزا ماي إلى التنحي الفوري. وأخبرني أحد كبار مؤيّدي بريكست: "إنها تدمر حزبنا".
ومع ذلك، لم تكن تلك النتائج مجرد احتجاج على الفشل في الخروج من الاتحاد الأوروبي. لقد كان الفائزون الكبار هم حزب "الديمقراطيّين الأحرار" الذين استعادوا نشاطهم، ولم تعوق مواقفهم الواضحة في الدعوة إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي مع إجراء استفتاء القول الفصل، من تحقيق مكاسب في المناطق التي يسيطر عليها حزب المحافظين في الجنوب.
سيثير ذلك قلق حزب العمال، وهو إشارة على أنّ استراتيجية كوربين المتمثلة في مناشدة دعاة البقاء والخروج سويّة، والتي نجحت في انتخابات عام 2017، قد بدأت في الانحراف عن طريقها. إن الغموض البنّاء، والإشارات المتضاربة بشأن دعم حزب العمال استفتاءً آخر بشأن بريكست، هي أمور لها حدودها. بالتالي، يبدو ضعيفاً ادّعاء العمال بأنه الحزب الوحيد الذي يستطيع مرّة أخرى لمّ شمل بلد منقسم.
في العادة، يحقّق حزب المعارضة مكاسب في الانتخابات المحليّة؛ وكان ينبغي على حزب العمال أن يفعل ذلك هذه المرة لأن أداءه كان سيئاً عندما جرى التنافس على المقاعد نفسها في المرّة الاخيرة. وبدلاً من ذلك، تلقّى الحزب ضربة من ردة الفعل على تأخر تنفيذ بريكست، سدّدتها له المناطق المؤيدة للخروج في الشمال، في حين أن حزب "الديمقراطيّين الأحرار" حصدوا أصوات مؤيدي البقاء في الجنوب.
إن مبعث الارتياح الوحيد لدى كوربين هو أن صحوة الديمقراطيين الأحرار يمكن أن تعزز احتمالات فوز حزب العمال في الانتخابات العامة، عن طريق سحب الأصوات من حزب المحافظين.
سيكون فينس كيبل الذي يعتزم الاستقالة بعد الانتخابات الأوروبيّة، قادراً على القول بأنه أعاد الديمقراطيين الأحرار إلى المنافسة مرة أخرى. صحيح أن الطريق الوحيد أمام الحزب كان نحو الأعلى، لأنه عانى من أسوأ أداء في الانتخابات المحليّة في المرّة الأخيرة من التنافس على مقاعد المجلس نفسها، عند نهاية الائتلاف. نتائج الأمس ستثير آمال "الديمقراطيين الأحرار" بأن كابوس ائتلافهم قد ينتهي أخيراً.
في الانتخابات الأوروبية المقبلة، سيتسلح "الديمقراطيون الأحرار" بالثقة للبناء على ما حقّقوه من نجاح والتفوق على حزب "تغيير المملكة المتحدة" في أول اختبار له.
الآن، وُضِعَت قيد المساءلة وجهة نظر الحزب الجديد القائلة أن "الديمقراطيّين الأحرار" لن يذهبوا، بعيداً، لأن أولئك الاخيرين يبدون بصحة جيدة.
كما تعتبر انتخابات المجالس المحليّة تذكيراً بأن حزب كيبل لديه جنود على الأرض و100 ألف عضو. قد يحتاج حزب "تغيير المملكة المتحدة" الذي رفض التحالف مع الأحزاب الأخرى المؤيدة للاتحاد الأوروبي في الانتخابات الأوروبية، إلى إيجاد وسيلة لتعبئة صفوف "الديمقراطيّين الأحرار"، ربما في حزب وسطي موحد.
وجد الناخبون، وهم يعلمون أنهم ليسوا بصدد اختيار الحكومة، طريقة لركل الحزبين الرئيسيّين حيث أمكنهم ذلك. هكذا، حقّق "حزب الخضر" مكاسب عدة، وهو أيضاً مؤيد للبقاء وإجراء استفتاء ثانٍ، كما انتُخِبَ منهم أكثر من 200 مستشار مستقل جديد، بعدما كانوا مهدّدين بالانقراض.
قد يكون للانتخابات المحليّة تأثير غير متوقع على عملية بريكست، وذلك بزيادة الضغط على الحزبين الرئيسيّين للتوصّل إلى اتفاق تسوية عندما تصل مفاوضاتهما إلى مرحلة حرجة الأسبوع المقبل.
لا يرجح حصول توافق بين ماي وكوربين، وقليل من النواب يرون في محادثاتهما فرصة كبيرة للنجاح. لكن، في الأسبوع الماضي كانت هناك أجواء تبعث على التفاؤل، ومؤشرات تدل على أن الطرفين قد يبرمان صفقة قوامها الخروج مع البقاء في اتفاق جمركي مع الاتحاد الأوروبي. من غير المؤكد أن تمر صفقة كتلك من قبل مجلس العموم. فقد يجد ماي وكوربين نوابهما في حالة مزاجيّة لا تقبل المساومة. ولكن عِبْرَ المحاولة، سيكون لدى الزعيمين على الأقل فرصة للاستجابة لرغبة الناخبين الظاهرة في إنزال اللعنة على كلا الحزبين.
© The Independent