بعد توقف القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، بقي عدد كبير من الأطفال من دون منزل يؤويهم، وبعضهم أصبح من دون أسرة بعد أحد عشر يوماً فقط من القصف المتبادل، كما أن جزءاً ممن عادوا إلى منازلهم التي سلمت من القصف أو تضررت بشكل جزئي، ربما افتقدوا للبنية التحتية في منطقتهم، ولكن الأهم من ذلك كله، أن بعض الأطفال وبحسب مختصين نفسيين ومتطوعين في الميدان، أصيبوا بصدمات نفسية أو تفاقمت أمراضهم، أو تراجعت قدرات النطق والتعلم لمن كان يخضع لعلاج خاص أو يعاني من هذه المشكلات مسبقاً، وهؤلاء يحتاجون تدخلات سريعة وآنية لئلا يزداد الوضع سوءاً.
ومن أجل مساعدة هؤلاء الأطفال، بدأ ناشطون واختصاصيون نفسيون من مختلف مدن الضفة الغربية بحملات مساعدة، فمنهم من خرج في مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يشرح فيها طرق التحدث عن الحرب والأوضاع الحالية مع صغار السن، الذين قد لا يدركون ماهية كل ما تمر به المنطقة، سواء أكانوا يعيشون في منطقة تتوتر فيها الحالة ميدانياً أو يشاهدونها على التلفاز ويسمعون عنها من أحاديث الأسرة، التي بات موضوعها الرئيس ما يجري في القطاع والقدس. ومن المتخصصين من أطلق مجموعة من الوسوم الإلكترونية والمنشورات، ليعلن استعداده لتقديم المساعدة الإلكترونية عبر مختلف التقنيات للأطفال الذين أصيبوا بالصدمة النفسية، أو يعانون من مشكلات في النطق سواء نتيجة الحرب أو من قبل وتفاقمت حالتهم الصحية.
جلسات بالصوت والصورة مع الأهل والطفل
تقول اختصاصية النطق أمل تكروري إن تطوعها لعقد جلسات افتراضية بالصوت والصورة مع الأطفال جاء من منطلق أن كل شخص يقدم ما لديه في الأزمات، ولهذا قررت التواصل مع الأطفال الذين تأثرت قدراتهم الكلامية وأصيبوا بالتأتأة أو تأخر النطق، وتقديم التحفيز اللغوي والإرشاد لهم بشكل مبكر تجنباً لتفاقم حالتهم، إضافة إلى تقديم التوعية للأهل من أجل زيادة معرفتهم بآليات التعامل مع الأطفال ومشكلاتهم.
وتوضح تكروري أنها ستبدأ بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولة الوصول إلى أكبر عدد من الأسر في القطاع لعرض العلاج عليهم، ومن ثم البدء بجلسات نطق عن بعد بمساعدة عائلات الأطفال، مشيرة إلى أن الظروف السياسية تجبرها على استخدام الوسائل الإلكترونية عن بعد على الرغم من أن اللقاءات المباشرة تعطي نتائج أفضل وبوقت أقل.
بالنسبة لأمل سيكون هناك العديد من الصعوبات، منها ضعف الإنترنت وانقطاع الكهرباء المتكرر ولساعات طويلة عن غزة، ووجود الكثير من الأسر المتضررة من دون مأوى، ما سيؤثر في عملية العلاج لأن للاستقرار والشعور بالأمان دور مهم في الشفاء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"الحرب تسبب مشكلات دائمة"
أما اختصاصية السمع والنطق أنهار فاتوني فترى أن كل الأطفال في القطاع بحاجة لتأهيل نفسي حتى لا تتراكم الذكريات السيئة داخل اللاوعي وتتفاقم، لتصبح نوبات غضب أو قلق ومن ثم أمراض ومشكلات نفسية طويلة الأمد كاضطراب ما بعد الصدمة، خصوصاً أنّ الغزيين كانوا معرضين لأصوات الطائرات والصواريخ العالية ولفكرة الموت والتشرد وفقدان المنزل أو العائلة خلال الفترة الماضية، مشيرة إلى أن صوت القصف والصواريخ والطائرات وغيرها من الأصوات العالية جداً والمستمرة التي تعرّض لها بعض الأطفال، قد تؤدي إلى تراجع السمع الحسي العصبي الذي يؤثر في قدرتهم على تمييز الأصوات.
أما عن آليات الوصول، فتعمل فاتوني على التواصل مع المؤسسات المعنية بالأطفال وحقوقهم، من أجل البدء بتقييمهم نفسياً وعلى مستوى النطق والطلاقة الكلامية والتعبير وقدرتهم على التركيز، ومن ثم إعطاء جلسة إرشاد لذويه لتدريبهم على بعض المهارات للتعامل مع أطفالهم ومتابعتهم، لأن التواصل الوجاهي من قبل الأهل أفضل من الإلكتروني، وأنه قد يتبع هذه اللقاءات جلسات مع الأطفال لمدة نصف ساعة مرتين في الأسبوع بالمتوسط، بحسب إمكانيات الأهل من أجل بدء العلاج.
المشاهد المصورة قد تسبب الصدمات
طوال فترة القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، واندلاع المواجهات بين الشبان الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في مناطق عدة بالضفة الغربية والقدس، كانت قنوات الأخبار والتغطيات المباشرة حاضرة على الكثير من الشاشات التلفزيونية، ما جعل العديد من الأطفال يشاهدون عنف المواجهات وقنابل الغاز والدماء، وهو ما يرفضه الاختصاصيون النفسيون والمهتمون بحقوق الطفل بشدة.
إذ ترى اختصاصية الأطفال النفسية حنان وليد أن معظم المشاهد التي يتعرض لها الطفل تمثل العنف والدم، بمثابة تعرضه لحادث صادم غير مباشر يترك آثاراً سلبية عليه وعلى حياته اليومية، قد تتطور لتصل للخوف والالتصاق بالوالدين، والكوابيس والتبول اللاإرادي، وغيرها. موضحة أن هذا لا يعني الكذب على الطفل وعدم إخباره بالواقع، لأن الأحداث تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في حياته اليومية، إضافة إلى ضرورة اكتساب الطفل مهارات نفسية للتعامل مع المواقف الحياتية المختلفة، وعدم لجوئه للخيال والتفسيرات غير الواقعية لفهم ما يحصل، في حال غياب أي تفسير منطقي من الأهل والمحيط.
أما فاتوني فترى أن أفضل طريقة لإخبار الطفل عن الحرب، هي استخدام مصطلحات قريبة منه وتحويل المواقف إلى قصص تشبه عالم الطفل، والاستماع لوجهة نظره في هذه القضايا، وعدم اللجوء لإغلاق النقاش بحجة أنه صغير أو أن الموضوع لا يجب أن يعرفه وغيرها من الذرائع التي تستخدم للتهرب من خوض النقاشات.
كل طفل له طريقة مختلفة للعلاج
وتوضح وليد أنه لا توجد طريقة واحدة للتعامل مع الأطفال الذين تعرضوا لصدمات مختلفة سواء في القطاع أو الضفة، لأن الحوادث مختلفة. ففي غزة كان القصف وهدم البيوت والتشرد والموت، وفي الضفة كانت اعتداءات المستوطنين والتظاهرات والمواجهات وإغلاق الطرق بالسواتر الترابية وغيرها، وهذا يتطلب اختيار الكلمات المناسبة للتحدث عما حصل والمشاعر الناتجة منه، وتقييم حالة الطفل لمعرفة آلية علاجه في حال استدعى الأمر.