"كن بخير"، هو عنوان المعرض الذي استضافه أخيراً مركز تشكيل في دبي لأعمال الفنان الإماراتي حمدان الشامسي، وقد ضم تشكيلة متعددة من الوسائط الفنية تراوحت بين الفوتوغرافيا والفيديو والأعمال المركبة والنصوص المكتوبة.
يلخص المعرض الحال الذهنية التي اعتدناها في ظل جائحة كورونا، ألا وهي طمأنة أنفسنا وبعضنا بعضاً بأن كل شىء سيكون على ما يرام بالتأكيد، وأن التعافي آت لا محالة، والأوقات الجميلة ستعود حتماً. ويطرح الشامسي نفسه من خلال هذا المعرض كموضوع لعمله عبر سلسلة من الكتابات والتركيبات الفنية، ويستعرض صوراً ذاتية متعلقة بحياته الخاصة ومحيطه القريب. وذلك باستخدام أدواته الإبداعية التي اعتاد التعامل معها في تشكيل أعماله، والتي يحب تسميتها "عتاد التعبير" وهي الورق والمقص والصمغ.
يجسد الورق كما يقول الفنان، الحالة التي نولد بها، أنقياء على حالتنا الأولى لم يمسسنا شيء بعد. بينما يرمز المقص إلى تطوّر وعينا، والأوضاع والظروف التي نعيشها ونواجهها، وتتغلغل داخلنا، وتحث تطورنا، أما الصمغ فيشير إلى إعادة صقل أوبلورة نموذج متطور من شخصيتنا. وتتواصل دورة حياتنا لتتطور معها ذواتنا، إذ نداوم على القص والتحسين والتعديل والتركيب لنسخ من حقيقتنا فيما ننضج.
من طريق هذه الأدوات يشكل الشامسي أعماله عبر تقنية "الكولاج"، سواء في الأعمال التي تعتمد على الصورة الفوتوغرافية أو تلك التي تجمع بين مقاطع فيديو مختلفة. لا يبدو استخدام الشامسي للكولاج هنا أمراً مستغرباً، إذ اعتاد الفنان في أعماله السابقة استخدام الأسلوب نفسه مع مواد غير شائعة الاستخدام، ولا سيما صور المجلات. وكان ينتزع أجزاءً منها ويجمعها ويلصقها معاً لإنتاج قطعة فنية جديدة ومكتملة. الجديد هنا أن الفنان جعل نفسه مادة لأعماله الفنية، مستخدماً وجهه وصوره الشخصية لبناء هذه الأعمال. فكك الشامسي شخصيته بمراحلها وتجلياتها المختلفة، من صبي إلى رجل وابن وأخ وأب وصديق وفنان، وباح لنا بمكنوناته جسدياً ونفسياً وشاركنا ما كان يفكر به وما يجول في خاطره في وقت بناء العمل.
الكولاج أو التأمل الحديث
لا يمثل "الكولاج" جوهر ممارسات الشامسي فحسب كما تقول الفنانة الإماراتية هند بنت دميثان، "بل هو يمثل عمله الرئيس وروتينه المعتاد، والذي أعطى لكل واحد منا في مرحلة ما أو أكثر من حياته الإجابات الشافية لاستيعاب الزخم البصري الذي نخضع له طوال حياتنا". وترى دميثان التي واكبت تجربة الشامسي في بداياتها أن "الكولاج" يعبر عن "التأمل الحديث" وفق وصف الفنان والكاتب الأميركي مارك فاغنر؛ فنحن نمارس "الكولاج" باستمرار سواء بشكل مقصود أم لا واع، أثناء التنقل بين صفحات الإنترنت، ومنصات التواصل الاجتماعي أو عبر الموسيقى وقنوات التلفاز والمجلات، وقائمة أخرى لا تنتهي من الممارسات اليومية. وتمثل المنصات الرقمية اليوم مصدراً هائلاً للمعلومات، حتى باتت حياتنا خريطةً لا متناهية من الصور والأصوات والروائح والأحاسيس التي تتدفق وتتصارع وتختلط وتندمج. ولم يكن بيدنا حيلة سوى عقولنا التي تساعدنا في عقلنة الأمور وفرض النظام، حتى بات "الكولاج" قاموس حياتنا. يفكك الفنان كل هذه التفاصيل المرتبطة بحياته الواقعية ويعيد صوغها من جديد باحثاً عن وجهها الآخر، أو ربما عن الصورة الأمثل التي يحلم بها.
لم يكن للعنوان أي علاقة بالجائحة في البداية، بل كان وليد كتابات الفنان وملاحظاته التي لا يكف عن توجيهها لذاته كما يقول، فهو يكتب ليتجاوز أمراً ما عندما يشغل تفكيره ولا يقدر على التملص منه، غير أن العنوان صار أقرب إلى عقول الناس بعد هذا الانتشار الواسع للوباء كما يقول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف الفنان، "إن العنوان وفكرة المعرض تبلورتا في ذهني لأسباب شخصية بحتة، فقد خذلني الناس مراراً وتكراراً إلى أن أدركت أنه يتعين عليّ أن أكون الصديق الحقيقي لذاتي. لأننا لا نستطيع البوح بكل ما يزعجنا، فنحن لا نفكر بالطريقة ذاتها ولا يمكننا طرح أي سؤال يخطر في بالنا. لذلك تعلمت أن أحب ذاتي وأتفهمها أكثر من ذي قبل. نحن نحتاج أحياناً إلى أن نخصص وقتاً لأنفسنا، ومن هنا انبثق هذا المعرض".
حمدان الشامسي فنان وكاتب متعدد التخصصات، برز اسمه منذ مشاركته كمتدرب في العام 2015 في الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة في بينالي البندقية. ينصب بحث الشامسي على التقنيات الجديدة لتعزيز ممارسته الإبداعية، سواء من طريق الوسائط المستخدمة أم المفاهيم. شارك الفنان بأعماله في العديد من المعارض الجماعية داخل الإمارات وخارجها، وكان واحداً من بين 21 فناناً تم تكليفهم بحملة إكسبو 2020 "للجميع". وفي العام 2019، تم اختياره كواحد من 49 مبدعاً إماراتياً لتصميم شعار دولة الإمارات العربية المتحدة.