بعد مثوله على نحو صريح بشكل لافت للنظر أمام لجنتي الصحة والعلوم التابعتين لمجلس العموم، ليس ثمة شك بأن سمعة دومينيك كامينغز ستتعرض للتشويه وسيوصف بأنه شخص هدام مصمم على إسقاط رئيس وزراء طرده في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي من منصبه ككبير مستشاريه. وسيتهمه منتقدوه بإعادة صياغة الماضي في محاولة تحسين صورته لدى الجمهور بعد ما شوهتها في عيون الناس رحلته المشؤومة إلى مقاطعة "دورهام" في شمال إنجلترا خلال الإغلاق الأول.
واستطراداً، يبدو مدهشاً أن كامينغز برز في أعقاب إدلائه بشهادته على امتداد سبع ساعات، كشخص مختلف عن كامينغز الذي نعرفه. إذ لم يكن المستشار النافذ الذي لا حدود لسطوته على غرار راسبوتين (كاهن تمتع بنفوذ معنوي قوي في بلاط آخر ملوك روسيا القيصرية)، بل مجرد شخص خرج خاسراً من مناقشات كثيرة حول فيروس كورونا التي شهدها مقر رئاسة الحكومة في "داونينغ ستريت". وكذلك تدهورت علاقته بالزعيم الذي "نفذ البريكست" معه إلى درجة باتت معها غير قابلة للإصلاح، وذلك قبل أشهر عدة من مغادرة كامينغز منصبه السابق.
وأثناء مثوله الأخير أمام اللجنتين البرلمانيتين، بدا كامينغز أكثر تواضعاً، وشعوراً بالندم، بل حتى منتقداً نفسه ومقللاً من أهميته بشكل ساخر، وفقق ما ظهر في كلماته "من الجنون تماماً أن أكون في هذا المنصب الرفيع، في رأيي الشخصي، فأنا لست ذكياً". وقد توقع وزراء منه أن يقول "لقد قلت لكم ذلك"، غير أن كامينغز اعترف بتحمله قسطاً من المسؤولية، واللوم بسبب الاستجابة الأولية للجائحة على نحو يشكو من الخلل، التي يجادل (الاستجابة) بأنها كلفت عشرات آلاف الأرواح.
وحتى لو دفع بشكل جزئي برغبته في الانتقام، فإن السردية التي قدمها كامينغز تمثل رواية موثوقة ومقنعة. إذ تظهر رئيساً للوزراء اعتبر بشكل يثير القلق، أن التكلفة الاقتصادية الباهظة للإغلاقات مؤذية أكثر من الأثر الذي سيحدثه المرض. وقد استعمل كامينغز مراراً وتكراراً الاستعارة المعبرة في وصف جونسون كـ"عربة تسوق" تتقافز على غير هدى من أحد جوانب الممرات الرئيسة في مخزن كبير إلى آخر، إضافة إلى كونه شخصاً يغير رأيه عشر مرات في اليوم الواحد، كما تقاذفته آراء المشككين بالإغلاق من أعضاء مجلس العموم وصحيفة "دايلي تلغراف" التي عمل فيها سابقاً.
في صورة عامة، تتناسب رواية كامينغز مع ما شهدناه في الأشهر الـ15 الأخيرة. وكذلك يلفت تلك الصورة المقلقة التي رسمها كامينغز للفوضى والتداعي داخل مقر رئاسة الحكومة العاجزة عن أداء وظيفتها، حين عصفت جائحة كورونا بالبلاد.
ولعل تهمة كبير المستشارين السابق الأكثر إيلاماً، تمثلت في أن جونسون لم يتعلم شيئاً من تأخير الإغلاق الأول، بل كرر غلطته في الخريف الماضي، الأمر الذي أدى إلى موجة ثانية في الشتاء التالي، والتي يجدر التذكير بأنه قد تسببت في عدد من الوفيات أكبر مما تمخضت عنه الموجة الأولى. ومن الممكن جداً أن ينتقل التحقيق المستقل في نهاية المطاف إلى معاينة الأحداث التي شهدها سبتمبر (أيلول) الماضي حين رفض جونسون توصيات قدمها مستشاروه العلميون لتطبيق إغلاق من نوع "قطع حلقات انتقال الوباء".
وعلى نحو مشابه، بدا كامينغز محقاً في الجدال بأن التحقيق الرسمي الذي لن يبدأ حتى الربيع المقبل، أجل وقتاً طويلاً. وكذلك سلطت شهادته الضوء على الحاجة إلى تعلم الدروس بشكل أسرع من ذلك. واستطراداً، من شأن ذلك تذكيرنا بأن جونسون قد يرتكب أخطاءه نفسها من جديد حالياً بخصوص قضايا كالضوابط الحدودية الصارمة واللازمة من أجل ضمان عدم استيراد أنواع متحورة جديدة إلى المملكة المتحدة. ففي هذه الحالة، يجب تحقيق التوازن نفسه أيضاً بين الاقتصاد والصحة العامة بشكل صحيح فيما تقرر الحكومة إمكانية رفع القيود في الموعد المقرر في 21 يونيو (حزيران).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في سياق متصل، أقر كامينغز أنه من غير الممكن تحميل رئيس الوزراء وحده مسؤولية ارتكاب الأخطاء كلها. وجادل بأن "التفكير الجماعي" وأسلوب "الربط بين أجزاء النظام" ربما يكونا قد أديا إلى 500 ألف حالة وفاة قبل أن يعمد هو وآخرون إلى حمل جونسون على الانتقال من خطته "أ" إلى خطته "ب"، وتطبيق الإغلاق الأول. وسيحاول آخرون تفنيد هذه النسخة التي قدمها عن تلك الحوادث، بيد أن ادعاءاته يجب أن توضع على المحك وتختبر.
واستطراداً، سيركز عدد من العناوين الرئيسة على مات هانكوك الذي ينبغي أن يكون موقعه كوزير للصحة عرضة للخطر في أعقاب انتقادات كامينغز اللاذعة عن سجله (هانكوك) في ما يتعلق بوضع الخطط الخاصة بالجائحة، ومعدات الحماية الشخصية، والاختبارات الجماعية ودور رعاية المسنين. ومجدداً، يبدو ذلك صحيحاً؛ فـ"الحلقة الوقائية" التي أقامها هانكوك حول دور الرعاية لم تكن موجودة أو أنها لم تمنع وفاة ما يزيد 30 ألفاً من نزلاء دور الرعاية. وينبغي بكامينغز الآن أن يزود اللجنتين البرلمانتين الأدلة اللازمة للبرهنة على صحة ادعاءاته بأن وزير الصحة قد كذب على زملائه في مناسبات عدة، وذلك كي يتمكن أعضاء مجلس العموم من الحكم بصورة مناسبة على ذلك الزعم الفائق الخطورة.
يجب ألا يحجب ضباب التشاؤم والسلبية الذي يلف هانكوك الأسئلة الخطيرة جداً التي يتوجب على جونسون الإجابة عليها. إذ بات رئيس الوزراء يتحمل وحده المسؤولية. الآن، بعد ما رفع دومينيك كامينغز الغطاء، يبدو من الواضح أن جونسون شخصياً قد اتخذ قرارات رئيسة، في الغالب ضد النصيحة التي قدمها له مستشاروه العلميون، على الرغم من الادعاءات التي تفيد بأنه "يتبع العلم"، ومن دون استشارة مجلس وزراء بالكاد يؤدي وظائفه.
لن يكون من الجيد أن يجادل جونسون بأن هذه القضايا المهمة ستعالج من خلال تحقيق من المرجح ألا تعلن نتائجه قبل موعد الانتخابات العامة المقبلة. وقد وصفه حليف سابق يعرفه بشكل أفضل من معظم الناس بأنه "غير لائق" كي يتقلد منصب رئيس الوزراء. وكخلاصة، يحتاج جونسون إلى إقناع البلاد بعكس ذلك، من خلال الرد على اتهامات كامينغز في وقت قريب.
© The Independent