أثار مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مينيابوليس حركة ليس في الولايات المتحدة فحسب ولكن في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى إدراك عالمي لمسألة العرق.
في بريطانيا، تجمهر المتظاهرون وخرجوا إلى الشوارع ليس فقط تعبيراً عن التضامن ولكن احتجاجاً على الإحباط من العنصرية والشرطة في المملكة المتحدة. ورفعوا لافتات تحمل رسائل من قبيل "المملكة المتحدة ليست بريئة"، واستهدفوا التماثيل التي تعود إلى فترة العبودية والآثار الاستعمارية. وحثت مئات العرائض المؤسسات على معالجة اللا مساواة المنهجية، انطلاقاً من المناهج الدراسية الوطنية ووصولاً إلى معدل الوفيات بين الأمهات السود.
الآن، وبعد مرور عام، ما هو حجم التقدم الذي تم إحرازه؟
في أعقاب وفاة فلويد، سارعت المنظمات العامة للتحدث دعماً لحركة "حياة السود تهم"، من هيئة خدمات الصحة الوطنية إلى الدوري الممتاز لكرة القدم، حيث كان اللاعبون ينحنون في بداية كل مباراة.
كما قام الناس بالتبرع بأموالهم أيضاً: حيث تلقت حملة حياة السود تهم في المملكة المتحدة أكثر من مليون جنيه استرليني من التبرعات، يتم حالياً توجيه نصفها نحو منظمات بقيادات سوداء تعمل على تفكيك اللامساواة المنهجية.
لكن كانت هناك مخاوف أيضاً بشأن ما إذا كانت التزامات السلطات والصناعة بنّاءة - من الاستجابة لوباء كورونا إلى المناقشات في العنصرية في وسائل الإعلام وحتى ضمن العائلة المالكة.
وجد استطلاع حصري أجراه موقع يوغوف أن 42 في المئة من البالغين السود والآسيويين والأقليات العرقية يعتقدون أن العلاقات العرقية في بريطانيا اليوم ليست أفضل مما كانت عليه قبل 12 شهراً، بينما يعتقد 33 في المئة أنها باتت أسوأ. وقال 11 في المئة فقط إن الأمور تتغير نحو الأفضل.
قالت حركة حياة السود تهم في المملكة المتحدة إنها كانت "مدفوعة بالمقاومة والتنظيم" خلال العام الماضي، حيث ربط المتظاهرون بين مقتل رجل أميركي أسود في وضح النهار والعنصرية التي تميز المؤسسات في المملكة المتحدة. لكن الكثير مما حدث كان تضامناً "شفهياً من الشركات والمؤسسات". وأضاف متحدث باسم الحركة: "نحن لا نعتقد أن التشدق بالكلام عن مشكلة ما أو "إدراكها" يساويان التحرر منها".
"تحريف قضية العبودية"
في رد الحكومة على احتجاجات "حياة السود تهم"، أعلن بوريس جونسون تشكيل لجنة تحقق في موضوع العرق من شأنها "تغيير ما يُروى".
لكن أثيرت مخاوف من أن توني سيويل، رئيس إحدى المؤسسات الخيرية، والذي كان يرأس اللجنة، ومنيرة ميرزا، مستشارة رئيس الحكومة، كانا قد أنكرا سابقاً أن مشكلة العنصرية المؤسساتية موجودة في المملكة المتحدة.
وعندما نُشر التقرير أخيراً في مارس (آذار)، قال نشطاء إن تلك المخاوف قد تأكدت. والخلاصة هي أن العنصرية كانت "قوة حقيقية" في بريطانيا، لكن المملكة المتحدة لم تعد بلداً "يتم فيه التلاعب بالنظام عن عمد ضد الأقليات العرقية".
وأشار التقرير كذلك إلى أن الجغرافيا وتأثير الأسرة والخلفية الاجتماعية والاقتصادية والثقافة والدين جميعها عوامل تؤثر في فرص الحياة أكثر من العنصرية.
كما اتُهم السيد سيويل "بتحريف موضوع العبودية والإمبراطورية البريطانية" بعدما اقترح شرح توصية التقرير بشأن تدريس التاريخ في المدرسة ووصف تلك المرحلة بـ"التجربة الكاريبية".
ودعا النشطاء رئيس الوزراء إلى سحب التقرير، ضمن رسالة مفتوحة موقعة من حركة حياة السود تهم في المملكة المتحدة، ومؤسسة رانيميد ترست البحثية للمساواة بين الأعراق ومجموعة ليبرتي المدافعة عن الحقوق المدنية، مشيرة إلى أن التقرير "يطمس" التحديات اليومية التي يواجهها الكثيرون.
وأثيرت أسئلة أيضاً عن الأدلة المستخدمة - حيث كشف أكاديميون تم تسجيل أسمائهم كمساهمين أنهم لم يشاركوا في التقرير. كما وصفت منظمة مزودي خدمات هيئة الصحة الوطنية التي تمثل المستشفيات استنتاجات التقرير المتعلقة بالنتائج الصحية للأقليات، والتي تشير إلى أنها كانت أفضل من السكان البيض في بعض المناطق، بأنها "ضارة".
بعد شهور من مناهضة العنصرية، قال نشطاء لـ"اندبندنت" إن المراجعة قوضت الكثير من التقدم الذي أحرز منذ وفاة جورج فلويد.
قال ويمان بينيت، أحد منظمي حملة "قفوا في وجه العنصرية": "يُظهر مقتل جورج فلويد أننا تحركنا خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الوراء... من ناحية، كانت حركة حياة السود تهم والاعتراف بالعنصرية والظلم تعني أننا خطونا إلى الأمام، لكن بعد ذلك، تواصل حكومة المملكة المتحدة إنكار العنصرية المؤسساتية في هذا البلد، وترفض تقبل أن المملكة المتحدة ليست بريئة من العنصرية والتمييز... السلطة لا تمنح شيئاً ما لم يُطلب، ونحن نطالب بالعدالة".
وباء غير متكافئ
أظهر فيروس كورونا بدوره انقسامات في بريطانيا. ففي بداية الوباء، كانت الوفيات أعلى بين الأقليات، وقامت هيئة الصحة العامة في إنجلترا بالتكليف بإجراء تحقيق لمعرفة السبب.
وفي يونيو (حزيران)، وجد التحقيق أن مجموعة واسعة من العوامل هي المسؤولة، وخلص إلى أنه: "يمكن تفسير التأثير غير المتكافئ لفيروس كورونا على مجتمعات السود والآسيويين والأقليات الإثنية بعدد من العوامل التي تتراوح بين عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية، والعنصرية، والتمييز والوصم، والمخاطر المهنية، وعدم المساواة في الحالات الصحية التي تزيد من شدة المرض بما في ذلك السمنة والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والربو... يعد تحديد نسبة مساهمة كل من العوامل المختلفة أمراً صعباً لأنها جميعاً ليست عوامل تؤثر بشكل مستقل".
وفي حين أن معدل انتقال فيروس كورونا والحاجة إلى العلاج في المستشفى والوفيات كان مرتفعاً بين مجتمعات الأقليات العرقية، كان الإقبال على اللقاح بين هذه المجموعات أقل مقارنة مع بقية السكان حيث تواصل الحكومة توزيع اللقاح الذي طال انتظاره.
أدى عدم الثقة في الحكومة ونظام الرعاية الصحية بسبب اللامساواة الهيكلية والمخاوف المتعلقة بسلامة اللقاح بالإضافة إلى حملات المعلومات الموجهة إلى خلق موجة هائلة من التردد في أخذ اللقاح.
وفقاً للمكتب الوطني للإحصاء، قُدّر أن أدنى معدلات للإقبال على اللقاح كانت بين أولئك الذين تبلغ أعمارهم 50 سنة أو أكثر والذين يعرفون عن أنفسهم بأنهم سود من منطقة الكاريبي وسود أفارقة، حيث تقدر النسب بينهم بـ 66.8 في المئة و 71.2 في المئة على التوالي.
بالمقارنة، بلغت نسبة الإقبال 93.7 في المئة بين البريطانيين البالغين البيض، بينما يقدر أن النسبة كانت أقل من ذلك بين جميع الأقليات العرقية.
كما تشير التقديرات إلى أن المعدلات أقل بين متبعي الديانات الإسلامية أو البوذية، وأولئك الذين لا يتحدثون الإنجليزية، والذين يعيشون في مناطق أكثر حرماناً وذوي الإعاقات.
بصرف النظر عن التأثير المباشر لعام من الإغلاق، فقد شهدت البلاد زيادة في العنصرية أيضاً خلال تلك الفترة. أثناء فصل الصيف، كانت هناك زيادة بنسبة 62 في المئة في الإحالات المتعلقة في الغالب بإساءات مرتبطة بالعرق ورهاب المثلية التي يتم الإبلاغ عنها لمؤسسة "فيكتم سابورت" الخيرية لدعم الضحايا.
وقالت المؤسسة إن تأثير هذه الهجمات كان كبيراً لدرجة أن بعض الناس كانوا يخافون حتى من الجلوس في حدائق منازلهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قال أحد الأشخاص إن جاره بصق في المدخل المشترك لمسكنهما وصاح بعبارات عنصرية، بينما قام جار أحد العاملين في القطاعات الحيوية، وهو من أقلية عرقية، بإلقاء اللوم عليه في نشر فيروس كورونا.
وقالت ضحية أخرى إن المشكلات مع جيرانهم ساءت منذ الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة جورج فلويد، حيث كان الجيران يطلقون نوبات من السعال ويصيحون "جورج جورج جورج".
وقد توفيت بيلي موجينغا، العاملة في السكك الحديدية عن عمر 47 سنة بسبب فيروس كورونا، بعد تقارير عن قيام أحد العملاء الذي ادعى أنه كان مصاباً بالفيروس بالسعال في وجهها في محطة فيكتوريا بلندن.
أطلق نشطاء وأفراد من عائلة السيدة موجينغا حملة للمطالبة بالعدالة في قضيتها، بعدما حققت شرطة النقل البريطانية في وفاتها لكنها قررت عدم وجود أدلة كافية لاتهام أي شخص بارتكاب جريمة.
ووقع حوالى 2.1 مليون شخص على العريضة التي تطالب بإنصافها، حيث تبين أن السيدة اللندنية قد تلقت في يوم الاعتداء عليها توجيهات بالعمل خارج مكتب التذاكر من قبل مشرف كانت قد رفعت ضده شكوى على أساس التمييز العنصري، ولم يتم إعطاؤها معدات الوقاية الشخصية المناسبة للعمل في الخارج.
هذا الشهر، قرر الطبيب الشرعي فتح تحقيق في قضيتها، قائلاً إن هناك سبباً للاشتباه في أن وفاتها ربما كانت "غير طبيعية".
في حديثه إلى "اندبندنت"، قال لورانس ديفيز من مكتب العدالة المتساوية للمحاماة، الذي يمثل عائلة موجينغا في القضية: "المساواة العرقية ليست شيئاً ينبغي ألا نحصل عليه إلا بعد الموت، بل يجب أن يكون موجوداً منذ الولادة. قد تحصل عائلة جورج فلويد، مثل عائلة بيلي، على قدر من العدالة بعد الموت، لكن ينبغي على المجتمع تحقيق المساواة العرقية منذ الولادة. وما لم يحدث ذلك، فنحن نفتقر إلى المساواة العرقية ولا ينبغي لنا أن نقبل بالنصر بعد الموت باعتباره إنصافاً... في الوقت الحالي، تضاعف التحرش العنصري في مكان العمل منذ عام 2017. ونشهد المزيد والمزيد من حالات العنصرية السافرة. على كل حال، وعلى رغم ظهور حركة حياة السود تهم، فإن 1 في المئة فقط من العاملين المتحدرين من خلفيات سوداء أو آسيوية أو أقليات عرقية يقدمون شكاوى رسمية ضد العنصرية في العمل، بينما يبقى 99 في المئة منهم صامتين إلى حد كبير خوفاً من الإيذاء والمشكلات الهيكلية مع نظام العدالة. وهذا يعني أن 99 في المئة من العنصريين لا يُواجَهون بسبب سلوكهم المضايق في العمل وأن لا شيء يتغير".
سلط "مركز المساواة" التابع لمكتب مجلس الوزراء الضوء على العمل الذي تم تنفيذه في أعقاب تقرير هيئة الصحة العامة في إنجلترا بهدف "حماية ودعم الجميع" بما في ذلك الأقليات، مثل ترجمة النصائح إلى لغات عدة.
كما أشارت الأبحاث الدولية إلى أن عدم المساواة العرقية في بريطانيا لعب دوراً فاعلاً في الوباء الذي أودى بحياة أكثر من 150 ألف شخص في المملكة المتحدة.
وقالت وزيرة المساواة في حكومة الظل، مارشا دي كوردوفا: "كانت أحداث عام 2020، بما في ذلك التأثير غير المتكافئ لفيروس كورونا على السود والآسيويين والأقليات العرقية، ومقتل جورج فلويد وحركة حياة السود تهم، نقطة تحول تهم. يتخذ الأفراد والشركات والمجتمع المدني، في جميع أنحاء البلاد، إجراءات لمعالجة الظلم العنصري... من المثير للقلق أن رد فعل الحكومة قد زرع الانقسام بينما نشرت تقريراً مثيراً للانقسام ومهيناً قلل من تأثير العنصرية المؤسساتية والهيكلية".
"تحمل اللوم"
في مارس (آذار)، زعم دوق ودوقة سَسِكس في مقابلة مع الإعلامية أوبرا وينفري أن عضواً كبيراً في العائلة المالكة - ليس الملكة أو الراحل دوق إدنبرة - قد أدلى بملاحظة عنصرية في ابنهما آرشي.
قال هاري وميغان إن قريبهما أثار مخاوف قبل ولادة ابنهما من درجة لون بشرته الداكنة.
أشار الزوجان أيضاً إلى أن أطرافاً في الصحافة البريطانية كانت عنصرية واستهدفت ميغان بسبب عرقها.
وقال قصر باكنغهام رداً على المزاعم التي أثارها هاري وميغان خلال المقابلة، بخاصة تلك المتعلقة بالعرق، كانت "مقلقة" على الرغم من أن "بعض الاستذكار قد يختلف"، وأن الأسرة ستناقشها بعيداً من الإعلام.
أدى هذا إلى طفو المحادثات في العرق على السطح مرة أخرى، ما أدى إلى تأجيج المحادثات الدولية في اللامساواة المنهجية. وقال مصدر في قصر باكنغهام إنه يفكر في تعيين رئيس للتنوع حيث "هناك حاجة للقيام بالمزيد من العمل" لمعالجة هذه القضية.
جاء ذلك في الوقت الذي ذكرت "اندبندنت" أن نشطاء في مجال المساواة العرقية طالبوا بتعريف الأسرة المالكة بالتشريعات المتعلقة بالمساواة استجابةً لمزاعم ميغان بأن المؤسسة تجاهلت طلباتها للحصول على دعم في مشكلات الصحة العقلية.
كما أن وسائل الإعلام ردت بقوة على تلميحات بالعنصرية في صفوفها. حيث قام إيان موراي، رئيس جمعية الصحافيين، وهي هيئة تجارية في مجال الصحافة، بالرد على ادعاءات هاري وميغان ببيان قال فيه إن وسائل الإعلام البريطانية "ليست متعصبة وإن دورها الحيوي في محاسبة الأثرياء والأقوياء لن يتأثر".
أثارت تعليقاته احتجاجاً، إلى جانب انسحاب عدد من وسائل الإعلام والإعلامية شارلين وايت مقدمة البرامج في قناة "آي تي في نيوز" من حفل توزيع جوائز جمعية الصحافة، بينما استقال موراي لاحقاً من منصبه كمحرر تنفيذي، قائلاً إن "اللوم يجب أن يلقى عليه".
كما حذر محاضرون وناشطون من أن هذا الإنكار قد يثبط عزيمة الشبان الملونين على دخول الصناعة، التي تضم 94 في المئة من البيض و0.2 في المئة فقط من السود وفقاً للدراسات.
"يبدو أن المد يتغير بشكل نهائي"
في الولايات المتحدة، أُثِّم ضابط الشرطة ديريك شوفين بقتل فلويد ومن المقرر أن يُحكم عليه الشهر المقبل. في المملكة المتحدة، قال نشطاء وخبراء ومدافعون لـ"اندبندنت" إن هذه المأساة أحدثت تغييراً حقيقياً في المحادثات في العرق لأن القضية تغلغلت في الوعي الوطني.
ووجد استطلاع موقع يو غوف أن 90 في المئة من المشاركين يعرفون من هو فلويد، وأن حوالى ثلاثة أرباعهم الآن يتابعون باهتمام الأخبار المتعلقة بالعرق في البلاد.
قالت الدكتورة حليمة بيغوم، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة رانيميد البحثية، إن قضية المساواة بين الأعراق أصبحت الآن موضع نقاش في الفصول الدراسية وقاعات الاجتماعات وغرف المعيشة.
وقالت لـ"اندبندنت": "نتيجة لوفاة رجل أسود في أميركا، اتخذت أمتنا فرصة غير مسبوقة وغير متوقعة لتأمل التقدم الكبير الذي أحرزته المملكة المتحدة على طريق المساواة العرقية، والتفكير في التحديات التي لا يزال يتعين حلها من أجل أن نصبح مجتمعاً تجاوز العنصرية... في حين لا يمكن تجاهل الظلم العنصري، ربما، وللمرة الأولى في التاريخ، يبدو أن المد يتحول بشكل نهائي لصالح المساواة العرقية الراسخة. نحن نرحب بهذا التحول، ونشجع على التفكير في المكان الذي قد نصل إليه خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة".
© The Independent