قبل ليلة من انتقالي أنا وأقرب صديقاتي إلى مدينتين مختلفين لإتمام دراستنا الجامعية، اختارت كل منا حلقة من مسلسل "فريندز" Friends لمشاهدتها معاً كنوع من المهدئ لقلقنا حيال النقلة الوشيكة. كان هذا في عام 2005، أي بعد عام من وصول المسلسل إلى نهاية ساعات بثه الذي استمر فترة طويلة جداً امتدت على 10 مواسم، ولم نكن شخصياً مستعدتين لوداعه مثلما لم نكن جاهزتين لوداع حياتنا في منزلينا. أدت المشاهدة بهدف الاسترخاء الغرض منها، وكنا نعلم ذلك تماماً، لأن هذه كانت دائماً وظيفة المسلسل بالنسبة لملايين الأشخاص الذين نشأوا برفقة أبطاله: روس، ريتشل، مونيكا، جوي، شاندلر وفيبي.
بين أبناء الأجيال الكثيرة التي استمتعت بـ"فريندز" على مدى تلك السنوات العشر بين عامي 1994 و2004 - والسنوات التي تلت ذلك - سيكون لدى العديد منهم قصة مماثلة يروونها مرتبطة بحكاية شخصية. يتباين المعنى الذي يحمله مسلسل "فريندز" ويعتمد على عمرك وما الذي كان يحدث في حياتك عندما اكتشفته لأول مرة.
بالنسبة لأجيال الستينيات وحتى الثمانينيات، الذين كانوا في عز شبابهم عندما ظهر المسلسل لأول مرة، يتابعون الآن أطفالهم المراهقين يتسابقون لمشاهدة اللحظات الطريفة التي شهدها مقهى "سنترال بيرك" الشهير في السلسلة على مر عقود من الزمن، وذلك بفضل توفر مواسم المسلسل عبر خدمة "نتفليكس".
حتى إن والدتي، التي كان المسلسل يحتل مكاناً أساسياً في برنامجها الترفيهي ليلة الجمعة عندما كان يبث أسبوعياً على "تشانل 4" في التسعينيات، تشغل الآن حلقات العمل واحدة تلو الأخرى خلال عطلة نهاية الأسبوع ليكون أنيساً لها يعوض عن وجود رفيق.
يعد سر الجاذبية الدائمة للمسلسل بسيطاً. تمكن "فريندز" بمهارة من الجمع بين قربه من المشاهدين وجودته الطموحة (مع أنها كانت غير واقعية في بعض الأحيان - مثل تلك الشقة الشاسعة) التي كانت تخاطب الكثير من الشبان. لم يكن الأسلوب الكوميدي للمسلسل أبداً غير مهذب أو سوداوياً بشكل خاص، ولكنه كان ممتعاً لشريحة واسعة من الجمهور وذا إيقاع رشيق. اكتسبت جميع الشخصيات الرئيسة الست حيوية فريدة من اللحظة التي تظهر فيها ريتشل المرتبكة مرتدية فستان زفافها في الحلقة الأولى، لاهثة وتبحث عن ملجأ من العاصفة لدى مونيكا، أقرب صديقة لها أيام المدرسة الثانوية، والتي فقدت الاتصال بها عندما اتخذت حياتهما مسارين مختلفين.
عزز هذا التقريب في الشخصيات ميلاً طبيعياً للتعلق بالصديق الذي نشعر بأنه يشبهنا أكثر - لقد اعتبرت نفسي مثل مونيكا (المتعلقة بـشاندلر)، قبل وقت طويل من وجود اختبارات على الإنترنت على غرار تلك الموجودة في موقع بازفيد وتظهر لك الشخصية الدرامية التي تشبهك. ومن ناحية القصة، كان هناك تطور مستمر لاستكشاف العلاقات بين المجموعة، مما يضمن تعلق المعجبين عاطفياً على المدى الطويل - على سبيل المثال، لم يكن من المفترض في الأصل أن يرتبط مونيكا وشاندلر بزواج رسمي إلى أن ارتأى مؤلفا العمل مارتا كوفمان وديفيد كرين مدى رد الفعل الإيجابي بين محبي الشخصيتين على علاقتهما الحميمية العابرة خلال الحلقات التي جرت أحداثها في لندن خلال الموسم الرابع.
ندرك أخيراً، أن كل هذا يبدو وكأنه صيغة واضحة يصعب تخيلها في وقت كانت الخيارات التلفزيونية الموجهة نحو الشباب قليلة إلى هذا الحد.
عندما عرض "فريندز" لأول مرة في عام 1994، كانت هناك خمسة مواسم قد بثت للتو من مسلسل "سينفيلد" Seinfeld، وهو أحد أقرب الأعمال المشابهة من هذا النوع (والذي أصبح مع الوقت "المنافس" التاريخي لـ"فريندز" عندما يتعلق الأمر بالتقييمات).
لكن، وعلى الرغم من أن "سينفيلد" كان يدور أيضاً حول مجموعة متقاربة جداً من الأصدقاء مكونة من رجال ونساء في العشرينيات من العمر يعيشون في نيويورك، كانت حدود أوجه التشابه بين العالمين الخياليين تقف هنا. كان "سينفيلد" يتمتع بحدة تم ترسيخها من خلال النمو الضعيف المتعمد للشخصيات ضمن الدائرة المكونة من أربعة أصدقاء، إلى جانب افتقارهم المرح للبوصلة الأخلاقية والطبيعة التي تخدم الشخصية. كان "فريندز" يدور حول أشخاص لطيفين يهتمون بالفعل ببعضهم البعض. وفي حين أن صناع "سينفيلد" أعلنوا أنه كان مسلسلاً "دون محور محدد"، بدا "فريندز" بالمقارنة وكأنه يتناول كل المحاور. كل القضايا التي كانت تتعلق بتلك المجموعة من الأشخاص البيض في العشرينيات من العمر الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة ويعيشون في شقق ضخمة في مانهاتن.
لم يزعم فيرندز أبداً أنه كان في طليعة الأعمال الظريفة، ولم يكن بحاجة لأن يكون كذلك. على الرغم من أنه يبدو البديل الأكثر إشراقاً - وخفة كما قال البعض - من "سينفيلد"، كان "فريندز" دائماً مؤثراً بسبب الطريقة التي غطى بها العديد من الموضوعات التي كانت سائدة ومنتشرة دائماً بين الشبان.
كان العمل مدعوماً بحس فكاهي مناسب لروح العصر، تم تكثيفه في هيئة مسلسل كوميدي يعرض في وقت الذروة. كانت قائمة الموضوعات التي تناولها "فريندز" لا حصر لها: من العلاقات الأسرية المتأزمة (والدة مونيكا تكرهها! تخلت أخت فيبي التوأم عنها!) والوظائف المتذبذبة (وظيفة جراح الأعصاب دريك راموراي التي يحصل عليها جوي) إلى الخيانة الزوجية (المعروف أنها محل نزاع بالطبع) والحمل غير المخطط له (ذكروني، ما الذي حدث لإيما ابنة روس وريتشل؟!).
كان "فريندز" معروفاً أيضاً، في بعض الأحيان، بالتجرؤ على اختبار قضايا أكبر، مثل السياسات المتعلقة بالهوية الجنسية (كان قرار مونيكا ممارسة الجنس مع رجل بعد لقائهما الأول اختياراً جريئاً في عام 1994 ودفع أحد المسؤولين التنفيذيين في "أن بي سي" إلى حد وصف شخصيتها بـ"العاهرة")، وإدمان الكحول (هل تتذكرون الحلقة التي كانت بعنوان "فن بوبي"؟)، الحالة الاجتماعية والاقتصادية (تم تسليط الضوء على الفروق في الرواتب داخل مجموعة الأصدقاء في بدايات العمل، حيث كان روس وشاندلر ومونيكا من ذوي الدخل المرتفع، في حين لم تكن بقية المجموعة كذلك). حتى أول إعلان ترويجي للمسلسل، وهو إعلان على غرار إعلانات ماركة كالفن كلاين، بدا أنه متأثر بالمواضيع الساخنة في ذلك العصر، حيث تقاطع مونيكا المقطع الترويجي للإشارة إلى افتقارهم إلى الملابس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن يمكنكم دائماً أن تجدوا لمسة عاطفية حقيقية بين المواقف الكوميدية السريعة. كانت حلقات عيد الشكر من أبرز المحطات في كل موسم - حيث كانت احتفالية مرحة، ولكن مؤثرة لأفراد عائلتكم التي اخترتموها. لا تزال الحلقة الشهيرة التي شهدت انفصال روس وريتشيل في الموسم الثالث مؤلمة بشكل مفجع، حيث شهدت أداءً متميزاً لـجينيفر أنيستون وديفيد شويمر.
كانت الدقائق الاثنتان والعشرون بأكملها عبارة عن نموذج يدرس في كيفية عرض انهيار علاقة جدية بشكل واقعي، حيث تتكشف الأحداث، مثل مسرحية، في الوقت الفعلي. تمكن "فريندز" بسرعة كذلك من إتقان قوة العبارات سهلة الحفظ، حيث حفر جملاً مثلياً إلهي التي تقولها جانيس في ذاكرتنا إلى الأبد. في عام 2019، تم التصويت على جملة كيف حالك التي يقولها جوي لتحتل المرتبة الثانية عشرة بين أكثر خمسين جملة مفضلة يحفظها الجمهور في استطلاع للرأي أجري في المملكة المتحدة.
بحلول الموسم الثاني، قفز متوسط تقييمات العمل في الولايات المتحدة من 24.8 مليون مشاهد إلى 31.7 مليون، لكن في نهاية الموسم الثاني، أصبحت ظاهرة "فريندز" ضحية لنجاحه، واقترب المسلسل بشكل خطير، إن لم نقل كان على شفا حفرة، من التلميع الزائد.
وبدا أن طاقم الممثلين كان موجوداً في كل مكان، من الممثلات اللاتي أصبحن وجوهاً تظهر بشكل منتظم على صفحات المجلات التي تهتم بالمرأة والتي استنكرت موضة "ريتشل" (وهي قصة الشعر التي وصفتها جينيفر أنيستون في حديث لمجلة "ألور" في عام 2011 بأنها "أقبح" ما رأت عيناها أبداً)، وصولاً إلى مشاركة الأصدقاء الستة مجتمعين في عديد من الاتفاقيات مع علامات تجارية، مثل الشراكة الغريبة مع علامة "دايت كوك"، وحملة هل لديكم حليب؟ في عام 1996. شبه النقاد الحالة بالدعارة - ففي نهاية المطاف، لم تكن الارتباطات بين العلامات التجارية والمشاهير شائعة في ذلك الوقت كما هي اليوم.
نجح العرض في استعادة ولاء المشاهدين خلال الموسم الثالث، الذي دفعته على كل حال قصة انفصال روس وريتشل. ثم جاءت الجدة التي حملتها حلقات الموسم الرابع التي تدور في لندن. يقال إن كاتبي العمل أرادا تحدي نفسيهما من خلال نقل الإنتاج من المسرح المجهز في لوس أنجليس إلى التصوير في المواقع في هذا الجانب من المحيط، لكن ما لم يكن في حسبانهما هو مدى غنى القصص التي أثارتها هذا النقلة في حلقتين. بالإضافة إلى قوة العلاقة الخاصة بسبب المكان: كان العرض رائجاً للغاية في المملكة المتحدة، حيث تم بث الحلقة الأخيرة على قناة "تشانل 4" في عام 2004، وجذبت رقماً قياسياً من المشاهدين بلغ 8.6 مليون مشاهد.
لكن ربما كنا نحن البريطانيين مقتنعين ببساطة بالخيال. ورد في مقالة نشرت في مجلة "فايس" عام 2016 عن انشغال المملكة المتحدة بالمسلسل: "يظهر لنا "فريندز" رؤية مترفة جداً للحياة الأميركية - حيث تدور الحياة بأكملها حول التوافق بين الأشخاص، ومساعدة بعضنا البعض، وبشكل أساسي أننا نعيش في نفس الوضع... لا يزال بعض البريطانيين يصدقون أن هذه هي أميركا، في حين أنها خرافة تماماً". ربما يكون هذا صحيحاً إذا تحدثنا بشكل عام أكثر. بالتأكيد لم تكن مصادفة أن تقييمات العمل ارتفعت بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). كان "فريندز" العرض الأكثر مشاهدة في أميركا خلال الفترة بين عامي 2001 و2002، حيث يحتمل أن المشاهدين كانوا يسعون وراء خلاص لطيف من خلال نقل أنفسهم إلى نسخة خيالية من نيويورك (وأميركا ككل) لم يتسلل إليها الإرهاب والمأساة.
لكن بالنسبة للمعجبين الجدد الذين تعرفوا على "فريندز" في السنوات الأخيرة - من بينهم البريطانيون أبناء الألفية الحالية - يقال إن مزايا العمل تكمن في الكوميديا والشخصيات المحببة. وبالتحديد أكثر، الجاذبية المضحكة لفيبي بافي وكمية الردود الساخرة اللامتناهية التي تصدر عن شاندلر.
في استطلاع أجراه موقع يوغوف عام 2018، جاء شاندلر في المرتبة الأولى كأكثر الأصدقاء "إضحاكاً"، بينما كانت فيبي "الألطف" برأي الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 عاماً. وفي حين أن "فريندز" يشتمل على عناصر لم تكن موفقة مع مرور الزمن، بدءاً من الافتقار الملطف للتنوع الثقافي إلى الصور النمطية عن المثليين وتعيير الحرية الجنسية للمرأة، والجانب الذي كتب عنه عدد لا يحصى من المقالات الفكرية منذ ذلك الحين، تشير استطلاعات الرأي إلى أن شعبية العمل لم تتضاءل. ففي نفس الاستطلاع، قال 35 في المئة من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً إنهم "يحبون" المسلسل. وقال 36 في المئة إنهم معجبون به - أي إن العمل حظي بردود فعل إيجابية بين ما مجموعه 71 في المئة من المشتركين في الاستطلاع.
بحلول الوقت الذي وصل المسلسل إلى نهايته، ظل "فريندز" يتمتع بشعبية بين الجماهير في كل مكان، لكن كان هناك تباين في طريقة تلقي النقاد للعمل. شاهد 52.5 مليون شخص في الولايات المتحدة الحلقة الأخيرة التي كانت تغص بالنهايات السعيدة، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" أشارت إلى أن شبكة "أن بي سي" قد "جردت الأحداث من المتعة"، وخلصت إلى أن الحلقة الوداعية لـ"فريندز" لم تكن بأصالة العمل.
ومع ذلك، فإن "فريندز" لا يدور حقاً حول منتقديه أو السؤال ما إذا كان بإمكان العمل الحفاظ على هذا النوع من الوفاء المتوقع عادة من الفن غير السائد. يدور "فريندز"، كما كان دائماً، حول ستة أصدقاء جيدين يخوضون غمار الحياة في مرحلة الشباب - وهذا سبب حب المعجبين لهم. يعد إرثه الطويل واحداً من عناصر الجذب التي لا يمكن إنكارها في الثقافة الشعبية.
وبكل الأحوال، ما عليكم سوى إلقاء نظرة على التفاعل والتواصل بين الممثلين خلال الحلقة الخاصة التي تلم شملهم، حيث جاء ذلك ملموساً ومقنعاً كما كان خلال العرض الأصلي للسلسلة، ليذكركم بكيفية حدوث ذلك وبأسبابه. أثناء قراءة للنص عندما كان قيد الإعداد، كانت ليزا كودرو التي تلعب دور فيبي - والتي بدت وكأنها في حالة سبات مهني منذ عام 2004 - مستعدة للعمل عند طلبها - ما أثار بهجة تامة حتى بين أكثر الجماهير اعتدالاً. ودعونا نتكلم بصراحة، تعد البهجة نوعاً من المكافأة بعد أن عشنا 14 شهراً في حالة إغلاق.
عرضت الحلقة الخاصة التي تحمل عنوان "فريندز": لم الشمل على قناة "سكاي 1" يوم الخميس 27 مايو (أيار) عند الساعة الثامنة مساءً وتتوفر عند الطلب عبر خدمتي "سكاي" و"ناو".
© The Independent