تشهد خطوات إعادة تكوين الجيش السوداني، من خلال دمج واستيعاب قوات الحركات المسلحة التي أوصى بها اتفاق السلام في جوبا الموقع في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، تحديات عديدة من ناحية قلة الموارد المتاحة ووجود إشكاليات فنية، فضلاً عن أمور أخرى لم يتم الإفصاح عنها، ما أدى إلى تأخير حسم هذا الموضوع، الأمر الذي قد يقود إلى انهيار العملية السلمية برمتها.
فماذا يجري في جانب تنفيذ البند الخاص بالترتيبات الأمنية لاتفاق السلام، وصولاً إلى تكوين جيش سوداني متعدد الأعراق والمناطق والإثنيات، وفقاً للمعايير والضوابط التي تتوافق مع مواثيق وأعراف المؤسسة العسكرية في البلاد؟
تجارب سابقة
يوضح الباحث السوداني في الشؤون العسكرية اللواء مهندس ركن أمين إسماعيل مجذوب، أن "إعادة تكوين جيش قومي هي أحد مطالب ثورة ديسمبر (كانون الأول)، التي أطاحت بالنظام السابق، وكذلك تضمنتها بنود اتفاقية السلام في جوبا، ومطلب كل القوى السياسية والشعبية أيضاً".
ويشير مجذوب إلى تجربة دمج أو استيعاب قوات من حركات مسلحة عام 1972 استمرت لعشر سنوات، في ضوء مفاوضات جرت مع حركة "أنانيا 1"، التي عادت مرة أخرى للتمرد عام 1983، بقيادة الزعيم الجنوبي رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق.
وأضاف أن "اتفاقية نيفاشا للسلام عام 2005 كان لها نتائج سلبية بالاعتراف بوجود جيشين وقوات مشتركة ثالثة في الوسط، تحت مسمى القوات المدمجة المشتركة، ورئاسة أركان مشتركة، حيث استمر هذا الوضع لست سنوات، لكنه لم يحظ بالنجاح، وتم انفصال جنوب السودان عام 2011".
وأوضح "فقد سبق أن تمت ترتيبات في العاصمة النيجيرية أبوجا، وأخرى في الدوحة، كما قامت حركات مسلحة بعمل ترتيبات أمنية منفصلة منذ عام 2003 وحتى اتفاقية سلام جوبا، وكانت تنص على استيعاب قوات في المنظومة العسكرية على أن تعمل في مناطق التمرد نفسها، لكن نتج عن ذلك خلل كبير في الانضباط، وعدم الالتزام في تنفيذ المهام، لأن القوات الموجودة في الطرف الآخر هي قوات موالية لها، وتربطها بها علاقات أسرية، ومن ذات الإثنية، بالتالي كانت تسمى كتائب ترتيبات أمنية، حيث توكل لها مهام إدارية من دون الانخراط في القتال ضد القوات التي كانت تتبع لها في السابق".
نقل للأزمات
وأضاف مجذوب "بعد اتفاق جوبا، برز صوت ينادي باستيعاب جميع القوات في المنظومة العسكرية، بما في ذلك قوات الدعم السريع، التي يقول قادتها إنها تتبع للقوات المسلحة ولديها قانون، في حين أنها تعمل بشكل منفصل عنها بنسبة 80 في المئة، ولديها أجهزة خاصة بها تشمل الاستخبارات وشؤون الضباط".
وأوضح "عموماً هناك مناداة بدمج كل القوات العسكرية أو شبه العسكرية، في حين تتفاوض الحكومة الانتقالية حالياً مع مجموعة الحركة الشعبية التابعة للقائد عبد العزيز الحلو في جوبا، حيث ستكون هناك ترتيبات أمنية خاصة بها، لن تدخل في البروتوكول السابق، وهي حقيقة لا بد من وضعها في الحسبان، وكذلك الحال بالنسبة إلى حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور التي قد تنضم لركب السلام لاحقاً، بالتالي ستكون لها ترتيبات أمنية خاصة، وهي إشكاليات تتعلق بنقل للأزمات إلى الأمام، وهو خطأ حدث منذ بداية المفاوضات، حيث كان الأجدر أن يكون هناك اتفاق سلام شامل لكافة الحركات المسلحة يصحبه اتفاق واحد للترتيبات الأمنية".
وقال المجذوب، إن الوضع الحالي لا يرضي المؤسسة العسكرية، "بخاصة لناحية وجود قوات الحركات المسلحة داخل الخرطوم، وما تقوم به من أفعال استفزازية واستقطاب للشباب، ما يحتاج إلى إرادة قوية وتنازلات من جميع الأطراف لإخراج البلاد إلى بر الأمان، وحتى لا تصبح هذه الميليشيات سبباً من أسباب تشظي الوطن".
تبشير بالسلام
في المقابل، قال الأمين السياسي ورئيس لجنة الترتيبات الأمنية في حركة العدل والمساواة السودانية الدكتور سليمان صندل، إنه "عقب توقيع اتفاق السلام في جوبا جئنا إلى الخرطوم وثقتنا كبيرة في الحكومة بأن يتم تنفيذ الإتفاق بالسرعة المطلوبة بخاصة الترتيبات الأمنية، وسجلنا زيارات متبادلة وعملاً مكثفاً مع الأجهزة العسكرية، وكنا حريصين وما زلنا على أهمية استتباب الأمن في ظل انتشار السلاح، لكن تسارع الوقت من دون تنفيذ أي خطوة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح أن "هذا التأخير سببه المكون العسكري في الحكومة الانتقالية، فقد طلبنا أن يتم استيعاب قوات الحركات المسلحة تدريجياً وتمثيلها في المنظومة العسكرية، وهذا يؤكد حسن النوايا والجدية في التنفيذ، ما يمنح في الوقت نفسه الاطمئنان للشراكة السياسية والعسكرية بين الجانبين. وبحسب الاتفاق، هناك آليات يجب أن تتبع في تنفيذ مسألة الترتيبات الأمنية منها تشكيل المجلس الأعلى المشترك برئاسة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، يعقبه إصدار مرسوم بتشكيل اللجنة الأمنية المشتركة تضم فريقاً من الأمم المتحدة والوسطاء الدوليين، وهي مسؤولة عن تنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية، فضلاً عن تشكيل لجنة دائمة لوقف إطلاق النار وقوة مشتركة لحماية دارفور، لكن للأسف الحكومة السودانية تعمل ببطء وبشكل مختلف، ومن دون تشكيل تلك الآليات لن يكون هناك معنى للإتفاق".
وأضاف صندل، "نتمنى أن نرى جهداً مضاعفاً في تنفيذ هذا البروتوكول، وإلا سنمضي في كشف الحقيقة للشعب السوداني من خلال المنابر المتاحة والآليات المتبعة، لأن تنفيذ الترتيبات الأمنية مرتبط بمسألة التحول الديمقراطي والأمن والإصلاح الشامل، فضلاً عن أنها جزء أساسي من العملية السياسية، فإذا انهار هذا الاتفاق فالمسؤول هو الطرف العسكري في الحكومة".
ونوه إلى أن الحديث عن أن قوات الحركات المسلحة عبارة عن ميليشيات وتجمع قبلي ليس صحيحاً، فهي قوات منظمة وتخضع للمعايير العسكرية المعروفة، من حيث التدريب والتأهيل والانضباط، وتقاتل منذ 20 عاماً وخاضت معارك ضارية، وظلت نداً قوياً طيلة سنوات نظام عمر البشير، كما أن هناك ضوابط ومساءلة في حالة حدوث أي نوع من التجاوزات من قبل أفرادها.
وأشار إلى أن الطرف الثاني (الحكومي) هو الذي كان يتجاوز الأعراف والتقاليد العسكرية، حيث ارتكب جرائم إبادة جماعية في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وتوقع أن يشكل دمج قوات الكفاح المسلح في الجيش السوداني إضافة نوعية للمنظومة العسكرية من حيث التنوع العرقي، فضلاً عن تعضيد قومية المؤسسة العسكرية التي نفتقدها حالياً، مبيناً أن اتفاق سلام جوبا حدد معايير الانضمام للقوات المسلحة السودانية سواء من ناحية العمر والتعليم والتدريب واللياقة الرياضية.