على الرغم من أهمية وغرابة القصة، إلا انها غُيبت في كتب التاريخ، إذ دخلت بلاد المالديف الإسلام على يد داعية مغربي في إطار حكاية أقرب للأسطورة، ويبقى المصدر التاريخي الوحيد الذي أورد تلك الحكاية هو أحد كتب الرحالة المغربي ابن بطوطة.
إذ جاء ما يأتي "ثم إنهم قدم عليهم مغربي يسمى بأبي البركات البربري، وكان حافظاً للقرآن العظيم، فنزل بدار عجوز منهم بجزيرة المهل، فدخل عليها يوماً، وقد جمعت أهلها، وهن يبكين كأنهن في مأتم، فسأل عن شأنهن، فلم يفهمنه، فأتى ترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها، وليس لها إلا بنت وحيدة، يقتلها العفريت.
فقال لها أبو البركات "أنا أتوجه عوضاً من ابنتك بالليل" وكان سناطاً (لا لحية له)، فحملوه تلك الليلة، وأدخلوه إلى بدخانة، وهو متوضئ، وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريت، فداوم التلاوة، فلما كان منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر، وأصبح المغربي، وهو يتلو على حاله، فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة، ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها، فوجدوا المغربي يتلو".
انصرف عنا ولم يضرنا
وما يضفي على تلك الحكاية جانباً واقعياً هي رواية ابن بطوطة انه رأى ما يشبه ذلك المركب الذي كان يظهر كل شهر ويقول "وبسبب هذا العفريت خرب من هذه الجزائر كثير قبل الإسلام، ولما دخلناها لم يكن لي علم بشأنه. فبيمنا أنا ذات ليلة في بعض شأني، إذ سمعت الناس يجهرون بالتهليل والتكبير، ورأيت الأولاد وعلى رؤوسهم المصاحف، والنساء يضربن في أواني النحاس. فعجبت من فعلهم، وقلت: ما شأنكم؟ فقالوا: ألا تنظر إلى البحر؟ فنظرت فإذا مثل المركب الكبير، وكأنه مملوء سرجاً ومشاعل، فقالوا: ذلك العفريت، وعادته أن يظهر مرة في الشهر، فإذا فعلنا ما رأيت انصرف عنا ولم يضرنا".
إسلام الملك
بعد أن رأى بعض الأفراد ما قام به أبو العباس ذهبوا به إلى ملكهم، يقول بن بطوطة "وكان يسمى شَنُورازة، وأعلموه بخبره، فعجب، وعرض المغربي عليه الإسلام، ورغبه فيه، فقال له أقم عندنا إلى الشهر الآخر، فإن فعلت كفعلك، ونجوت من العفريت أسلمت، فأقام عندهم.
وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته، ثم حمل المغربي لما دخل الشهر إلى بدخانة، ولم يأت العفريت، فجعل يتلو حتى الصباح، وجاء السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة، فكسروا الأصنام، وهدموا بدخانة، وأسلم أهل الجزيرة، وبعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلها.
وأقام المغربي عندهم معظماً، وتمذهبوا بمذهبه مذهب الإمام مالك رضي الله عنه، وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبنى مسجداً هو معروف باسمه، وقرأت على مقصورة الجامع منقوشاً في الخشب "أسلم السلطان أحمد شنورازة على يد أبي البركات البربري المغربي"، وجعل ذلك السلطان ثلث مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل، إذ كان إسلامه بسببهم".
يقول المؤرخ المغربي الدكتور عبد الهادي التازي الذي زار المالديف عام 1990 "إن اللوحة توكد مصداقية المعلومات التي قدمها ابن بطوطة الذي زار تلك الأقاليم بعيد نصبها، إن الفضل في كتابة "عقد ازدياد" المالديف يعود لمغربيين اثنين، كما أن النقش الموجود فيها يعتبر أقدم خط عربي في المالديف ان لم يكن الأقدم في إقليم المحيط الهندي كله، ومن المفيد جداً أن نقف مع بعض المعلومات التاريخية التي قدمتها لنا هذه اللوحة او "الكايزة" كما نسميها في المغرب التي تعتبر مصدراً مهماً في التاريخ الاسلامي لتلك الجزر".
تقدير أبو البركات
يحظى أبو البركات بالتقدير حتى بعد وفاته، وشيدت السلطات ضريحاً له عام 1956عرفاناً له بما قدمه للبلاد، ويعتبر ضريحه أكثر مبنى يحظى باحترام شعب المالديف، يدعو له بالرحمة كل من مر من أمام مرقده الذي شيد في أفخم أحياء العاصمة ماليه، وكان الزوار يصلون داخل الضريح الا ان السلطات المالديفية منعت ذلك في قانون أصدرته عام 1957 للحد من تقديس المقابر والأضرحة.
اكتشاف جزر المالديف
لا تعرف الطريقة التي جرى بها اكتشاف هذه الجزر ولا كيفية استيطانها، إلا أن بعض المؤرخين يرجحون أن الرواية الصائبة تكمن في أن جماعة من الهنود قد يكونون من القراصنة اكتشفوا الجزر صدفة وهم يتجولون في عرض البحر منذ أكثر من 2000 عام، فاستقروا بها، ويقول الدكتور سفيان ياسين إبراهيم أستاذ التاريخ في جامعة الموصل "سكن الآريون الديبجات (المالديف) قديماً بعد نزوحهم الى الهند في ما يقرب من عام 1500 قبل الميلاد، ومن ثم زحف بعضهم نحو جزر الديبجات واستوطن في عدد من تلك الجزر لا سيما الكبيرة منها.
وفي عهد الملك الهندي أشوكا (236-274 ق.م) أصبحت الديانة البوذية الديانة الرسمية في الهند، وقد عمل الملك على نشرها خارج الهند ومن بينها جزيرة سرنديب (سري لانكا الحالية وجزر الديبجات، وبذلك بدأت طائفة السنياليين الهنود زحفها في الهند ومنهم من قدم إلى سرنديب والديبجات حاملين معهم الديانة البوذية، وعُد سكان الديبجات خليطاً من الآريين والسنياليين بعد امتزاج الطائفتين على الرغم من وجود اللغة السنسكريتية الخاصة بالآريين إلى جانب اللغة السنيالية، ومن ثم انتشر عدد من اللغات المحلية الهندية لا سيما لغات جنوب الهند".