حض وزير التجارة الدولية السابق ليام فوكس حكومة المملكة المتحدة على فرض ضريبة كربونية جديدة على الواردات.
وجاء ذلك على الرغم من انضواء السيد فوكس ضمن الجناح المناصر لخفض الرسوم الجمركية والتجارة الحرة في الحركة المؤيدة لبريكست، بدلاً من الجناح الذي سعى إلى مزيد من الحماية للشركات البريطانية والإنتاج المحلي.
وعلى الرغم من ذلك، أوضح السيد فوكس الخميس الماضي، أن ضرائب الاستيراد الجديدة أصبحت ضرورية نتيجة للجهود التي تبذلها حكومة المملكة المتحدة في إزالة الكربون من الصناعة المحلية في بلادها.
"لا جدوى من الإضرار بالقدرة التنافسية لاقتصادات كاقتصاد المملكة المتحدة في حين تسعى بلدان أخرى إلى المحافظة على قدرتها التنافسية، مع تكاليف يتحملها المناخ العالمي"، وفق خطاب ألقاه أمام "مركز دراسات السياسات".
لكن، هل هذا صحيح؟ هل تشكل ما تُسمى بضرائب التعديل الحدودي على الكربون، أدوات مشروعة أو حتى مفيدة تستخدمها البلدان كجزء من السعي إلى تحقيق الصفر الصافي للانبعاثات على مستوى العالم؟ أم أنها تدابير حمائية تجارية عتيقة الطراز ومتخفية؟
في المقام الأول، يستحق الأمر دراسة عن طبيعة التكاليف المفروضة على الصناعة المحلية من تنظيم إزالة الكربون. وحينما كانت المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، كنا خاضعين لنظام مقايضة الانبعاثات التابع للكتلة. وقد حمّل ذلك النظام الشركات، كتلك التي تعمل في التصنيع والطاقة، المسؤولية عن كل طن من ثاني أوكسيد الكربون كانت مسؤولة عن انبعاثه كجزء من عمليات إنتاجها. واستطراداً، يتلخص الهدف (من تلك الإجراءات) في إنشاء حافز مالي يدفع الشركات إلى الحد من انبعاثاتها، ربما من خلال الانتقال إلى مصادر للطاقة خالية من الكربون.
الآن، وقد غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي، وأطلقت حكومة المملكة المتحدة بديلاً بريطانياً عن النظام الأوروبي في مقايضة الانبعاثات. يُفرَض سعر فاعل للكربون على صناعة المملكة المتحدة يبلغ 50 جنيهاً استرلينياً (71 دولاراً) عن كل طن من الانبعاثات. وفوق هذا كله، هناك ضريبة مباشرة تبلغ 18 جنيهاً عن كل طن من الانبعاثات مفروضة على مولدات الطاقة (تسمى "دعم أسعار الكربون")، الأمر الذي يجعل المملكة المتحدة البلد صاحب السعر الأعلى للكربون الصناعي على مستوى العالم. واستكمالاً، ينعكس ذلك في شكل جيد على جدية الحكومة في ما يتعلق بتحقيق الوصول إلى هدف الصفر الصافي من الانبعاثات محلياً.
وعلى الرغم من ذلك، يصح أيضاً الإشارة إلى أن المملكة المتحدة تستورد قدراً كبيراً من البضائع والخدمات من بلدان أصبحت تتكبد صناعاتها الآن أقل كثيراً، على صعيد تكاليف الكربون المحلية. ووفق تقديرات "اللجنة البريطانية المستقلة عن تغير المناخ"، يُعَد حوالى 46 في المئة من "الانبعاثات الاستهلاكية" في المملكة المتحدة مستورداً، ويعني ذلك أن الانبعاثات تحدث في عمليات الإنتاج في الخارج التي تهدف إلى تسليم البضائع والخدمات التي تلبي الطلب الاقتصادي النهائي البريطاني.
استناداً إلى ذلك، ومع تساوي الأمور الأخرى، يكون صحيحاً أيضاً أن القدرة التنافسية للصناعات في المملكة المتحدة ستتآكل بفعل الضرائب المرتفعة نسبياً المفروضة على الكربون في البلاد.
ومن جهة أخرى، يبرز خطر متمثل في المبالغة بتقدير حجم كل تقدم من جانب المملكة المتحدة نحو تحقيق هدف الصفر الصافي من الانبعاثات، إذا ارتفعت واردات بريطانيا الكربونية نتيجة لذلك التفاوت في التكاليف.
ونستطيع القول، إن هذا يحدث بالفعل. وانخفضت المقاييس الرسمية لانبعاثات الكربون في المملكة المتحدة بنحو 40 في المئة منذ عام 1990، ما يشكل أحد أفضل الأداءات الوطنية في العالم.
في المقابل، إذا أضفتم الكربون الذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من البضائع والخدمات المستهلكة في المملكة المتحدة، يكون خفض الانبعاثات أقل أثراً إلى حد كبير، إذ لا ينخفض إلا بحوالى 15 في المئة.
ولا تقتصر الحجة لمصلحة فرض ضريبة على الكربون عند الحدود، على تحقيق تكافؤ الفرص أمام المنتجين الأكثر نظافة في المملكة المتحدة فحسب، بل ستكون الضريبة وسيلة لحض المملكة المتحدة، إذ تعمل من جانب واحد، على تحفيز بلدان أخرى كي تبذل جهوداً مماثلة في إزالة الكربون من صناعاتها.
وإذا كانت هذه البلدان راغبة في الحفاظ على قدرتها في الوصول إلى سوق المملكة المتحدة الكبيرة والمربحة نسبياً وفق الشروط الحالية (من دون مواجهة رسوم حدودية كربونية)، فسيكون لزاماً عليها أن تفرض ضريبة مماثلة على الكربون.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سياق مواز، ليس الانتقال إلى فرض ضرائب حدودية على الكربون من دون مخاطر.
إذ يكمن الخطر في أن بلداناً أخرى قد تنظر إلى ضريبة التعديل الحدودي على الكربون في المملكة المتحدة، باعتبارها محاولة ليس لخفض الانبعاثات الكربونية، بل حماية الصناعة المحلية. وقد ترد تلك البلدان بفرض ضرائب انتقامية على الصادرات البريطانية. فمن جهة، أشارت الصين، وهي أكبر شركة مصنعة على مستوى العالم، بقوة إلى أنها لا تعتبر فرض رسوم حدودية على الكربون أمراً مشروعاً بموجب قواعد النظام التجاري العالمي.
واستكمالاً، ثمة خطر يتمثل في أن تكون ضرائب كهذه مفتوحة أمام طعون في منظمة التجارة العالمية.
في ذلك الصدد، يبدو أن المد السياسي العالمي يتحرك في هذا الاتجاه. إذ تفرض البلدان تكاليف جديدة على المنتجين المحليين، وتتعاظم المخاوف في شأن القدرة التنافسية الوطنية. وكذلك يسعى الاتحاد الأوروبي إلى وضع خططه الخاصة بفرض ضريبة حدودية على الكربون. وتفعل الشيء نفسه إدارة بايدن في الولايات المتحدة. وقد أشار الباحث التجاري سام لاو في تقرير حديث وُضِعَ لمصلحة "حملة صفر من انبعاثات الكربون"، إلى ميزة كامنة في تحرك عدد من البلدان والكتل التجارية في هذا الاتجاه في الوقت نفسه. وتتمثل تلك الميزة في أنها تقلل مخاطر الطعون القانونية والنزاعات الثنائية، وكذلك تؤسس قاعدة دولية جديدة في تسعير الكربون، فضلاً عن وضع أرضية عالمية لتسعير الكربون. وآنذاك، لن تنطبق هذه الضريبة في الممارسة العملية إلا على البلدان التي رفضت بذل جهود جادة في إزالة الكربون من قطاعاتها الصناعية.
وسيشكل مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب 26" COP26 الذي تستضيفه غلاسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، فرصة طيبة أمام البلدان كي تُنسق جهودها على هذه الجبهة.
ووفقق سام لاو أيضاً، ثمة ضرورة حتمية في أن تستخدم البلدان الضرائب الحدودية على الكربون، في شكل شفاف، لمصلحة أغراض بيئية بصورة حصرية.
واستطراداً، فإذا بدا الأمر وكأن الحكومات تطبقها (ضريبة الكربون الحدودية) ليس بهدف الحد من الانبعاثات في المقام الأول، بل من أجل إفادة الشركات المحلية المفضلة، فسيظهر خطر متمثل في مزيد من تفتت نظام التجارة العالمي، ما من شأنه أن يجعلنا جميعاً في حال أسوأ.
© The Independent