كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن واشنطن قررت تعزيز قواتها في الخليج في ضوء معلومات استخبارية تفيد بأن إيران تخطط لاستهداف مصالح أميركية في دول عدة في المنطقة، عبر هجمات متنوعة تشمل غارات بطائرات مسيرة وتفجيرات واغتيالات.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين أن المعلومات التي جمعتها الاستخبارات الأميركية، تفيد بأن الخطط الإيرانية تشمل شن هجمات منسقة في مضيق باب المندب (جنوب غرب اليمن)، عبر جماعات مسلحة موالية لها، في إشارة على الأرجح إلى الحوثيين.
ووفق مصادر الصحيفة، فإن الإيرانيين خططوا لاستهداف القوات المنتشرة في الخليج والعراق وسوريا بواسطة طائرات مسيرة تملكها القوات الإيرانية.
وفي مقال منفصل لهيئة تحريرها، قالت وول ستريت جورنال إن الميليشيات المدعومة من إيران قد تستهدف القوات الأميركية في العراق، كما توقع مقال آخر في الصحيفة أن يشن الحرس الثوري الإيراني غارات مباشرة على السفن أو الدبلوماسيين الأميركيين، ولا يستبعد أن تلجأ إيران إلى محاولات اغتيال وعمليات تفجير في الغرب.
ويقول مسؤول أميركي إنه ليس من الواضح إذا ما كانت الخطط التي وضعها الإيرانيون لضرب مصالح أميركية في المنطقة على وشك التنفيذ أم أنها كانت استعدادات أولية تحسباً لمواجهة بين الطرفين.
"تهديد جدي"
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون قد حذّر إيران"بكلام شديد الوضوح والحزم" من أنّ قيامها بأي هجوم ضدّ مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائها سيقابل "بقوة لا تلين"، مؤكّداً إرسال الولايات المتحدة مجموعة حاملة طائرات وقوة من القاذفات إلى منطقة الشرق الأوسط.
واعتبر وزير الدفاع الأميركي بالوكالة باتريك شاناهان أن نشر حاملة طائرات أميركية في منطقة الشرق الاوسط هو "رد على مؤشرات حول وجود تهديد جدي من قبل قوات النظام الإيراني".
وغرّد الوزير الأميركي على "تويتر" "ندعو النظام الايراني إلى وقف أي استفزاز، ونحمّله مسؤولية أي هجوم على القوات الأميركية أو على مصالحنا"، موضحاً أنه سمح الأحد بتوجه حاملة الطائرات "يو أس أس ابراهام لنكولن" إلى الشرق الأوسط مع مجموعة من المقاتلات.
في حين وصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الإيراني كيوان خسروي تصريحات بولتون بأنها "جزء من الحرب النفسية" الأميركية ضد بلاده.
رسالة لا لبس فيها
بولتون، وفي بيان الأحد في الخامس من مايو (أيار)، أكّد أن الولايات المتحدة "أرسلت مجموعة حاملة الطائرات الهجومية "أبراهام لنكولن" وقوة قاذفات إلى منطقة القيادة المركزية الأميركية لبعث رسالة واضحة لا لبس فيها إلى النظام الإيراني، مفادها بأنّ أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو على مصالح حلفائنا سيقابل بقوة لا تلين".
أضاف البيان أن القرار الأميركي جاء بناءً على "مؤشرات وتحذيرات" مقلقة من إيران، موضحاً أن "الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب مع النظام الإيراني، ولكننا مستعدّون تماماً للردّ على أي هجوم سواء بالوكالة أو من الحرس الثوري الإيراني أو القوات النظامية الإيرانية".
التهديد بإغلاق هرمز
وتأتي الرسالة الأميركية على وقع تصاعد التوتّر بين واشنطن وطهران، جرّاء تهديد إيران بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمرّ عبره حوالي خمس النفط المستهلك على مستوى العالم، وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة إلغائها الإعفاءات للدول المستوردة للنفط الإيراني بحلول الأول من مايو (أيار) الحالي، في محاولة لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى مستوى الصفر.
بومبيو: سنحمّل إيران المسؤولية
وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إنّ إرسال التعزيزات العسكرية إلى الشرق الأوسط غير مرتبط بالتطوّرات الحاصلة في قطاع غزة، حيث تبادلت في اليومين الأخيرين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية إطلاق الصواريخ بتصعيد حاد للمواجهات بينهما.
وأوضح بومبيو قبيل ختام زيارته إلى فنلندا، أن الأمر مرتبط بـ "إجراءات تصعيدية" لمستها واشنطن من جانب طهران، من دون أن يحدّد طبيعة هذه الإجراءات.
وأكّد أنّ الولايات المتحدة ستحمّل إيران المسؤولية المباشرة عن أي هجمات إيرانية أو هجمات صادرة عن "مجموعات أخرى بالوكالة أو ميليشيات، كحزب الله" ضدّ المصالح الأميركية.
كذلك قال مسؤول أميركي إن أوامر إرسال العتاد العسكري إلى منطقة الشرق الأوسط صدرت "كرادع لما يُنظر لها على أنها استعدادات محتملة للقوات الإيرانية ووكلائها تشير إلى هجمات محتملة على القوات الأميركية في المنطقة"، موضحاً أنّ الولايات المتحدة لا تتوقّع أي هجوم إيراني وشيك.
زيادة الضغط على إيران
ويعدّ هذا الإجراء الأحدث في سلسلة تحرّكات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الهادفة إلى زيادة الضغط على إيران، والتي شملت تصنيف قوات الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية أجنبية، الأمر الذي اعتبرته إيران بمثابة استفزاز أميركي، فضلاً عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته وقوى عالمية أخرى مع إيران عام 2015، معيدة فرض العقوبات الاقتصادية عليها.
إلا أن التأزّم بين الولايات المتحدة وإيران في ما يخصّ مضيق هرمز، ليس أمراً جديداً بين الطرفين، إذ بدأت فصول هذه المواجهة منذ حرب الخليج، حين كان الأميركيون يواكبون حاملات النفط الخليجية لحمايتها من أي اعتداء إيراني. وشهدت تلك المرحلة تصعيداً للتوتّر بلغ حدّ إسقاط واشنطن طائرة إيرانية.
ميزان القوى لمصلحة أميركا ودول الخليج
ويشكّل مضيق هرمز اليوم معبراً لنحو 18 مليون برميل نفط يومياً، أي بنسبة 18 في المئة تقريباً من الاستهلاك العالمي للنفط، البالغ نحو 99 مليون برميل يومياً، وأي اعتداء عليه يؤدّي إلى أزمة عالمية. لذلك يرى الخبير العسكري، الجنرال المتقاعد في الجيش اللبناني الياس حنا في حديث لـ "اندبندنت عربية" أن "إيران تلجأ إلى التلويح بإغلاق المضيق، كلما شدّت العقوبات الخناق على اقتصادها، وعرقلت تمويل مشروعها الإقليمي الممتدّ من طهران إلى العراق فسوريا ولبنان واليمن".
وفي قراءة تحليلية لتطوّرات العلاقة الأميركية - الإيرانية، استبعد حنا حرباً مباشرة بين الطرفين في الخليج العربي. وأوضح أن ميزان القوى العسكرية التقليدية في المنطقة هو لمصلحة واشنطن والدول الخليجية، إذ تمتلك السعودية والإمارات تحديداً، قوات جوية وصواريخ تُعدّ الأحدث في العالم، فضلاً عن انتشار القوات الأميركية في المنطقة.
توجيه رسائل
ورأى حنا أن "إيران عمدت إلى توجيه رسائل إلى أميركا والدول الخليجية عبر تنفيذ مناورات بحرية، الأولى انطلاقاً من مضيق هرمز باتجاه بحر العرب والبحر الأحمر، والثانية باتجاه داخل الخليج، إضافة إلى تلويحها بالخروج من الاتفاق النووي وتجاربها الصاروخية، وذلك بغية تحذير واشنطن من قدرتها على ضرب قواتها في الشرق الأوسط أينما كانوا". في هذا السياق، ذكّر حنا بتصريح سابق لبولتون حذّر فيه إيران من تحميلها المسؤولية المباشرة لأي اعتداء تتعرّض له القوات الأميركية في العراق.
تدخّل روسيا مستبعد
لا يرى حنا بالتالي مصلحةً لأي طرف في حصول مواجهة عسكرية مباشرة، موضحاً أن "إيران دخلت مرحلة الاستفادة من المكاسب التي حققتها في المنطقة، إلا أنه على الرغم من تحالفها مع روسيا، المنافس الأساسي للولايات المتحدة، يبقى تدخّل موسكو لدعمها في مواجهة واشنطن أمراً مستبعداً".
في المقابل، اعتبر حنا أن "مواجهةً إيرانية- أميركية خارج الخليج أمر وارد"، مشيراً إلى "إمكانية استبدال النفط الإيراني بالنفط الليبي في سد النقص في الأسواق العالمية". ووضع الخبير العسكري خطوة إرسال حاملة الطائرات الأميركية "أبراهام لنكولن" إلى الشرق الأوسط، في إطار "الوسائل العسكرية الهادفة إلى تحقيق مكاسب دبلوماسية تمنع الحرب وتردع الإيرانيين".