أقر البرلمان المصري تعديلاً تشريعياً يسمح بفصل أي موظف في المؤسسات الحكومية يثبت تناوله المخدرات، بشكل نهائي ومن دون الرجوع إلى القضاء، في خطوة تهدف لحماية المرافق العامة بحسب تقرير برلماني. وجاء التعديل التشريعي بعد حوادث عدة للقطارات، ثبت أن السائقين المتسببين فيها يتعاطون المخدرات.
التعديل التشريعي جاء بناء على مقترح من الحكومة بمشروع قانون يعدّل قانون شغل الوظيفة العامة، وحظي بموافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب، الغرفة التشريعية الرئيسة في البرلمان المصري.
طرح رئاسي
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد طرح فكرة فصل الموظفين متعاطي المخدرات خلال كلمة ألقاها في مارس (آذار) عام 2019، عقب الكشف عن تعاطي 27 سائق أتوبيس مدارس للمخدرات.
وكشفت النيابة العامة المصرية في وقت سابق أن سبب حادثة تصادم القطارين التي وقعت في محافظة سوهاج (جنوب القاهرة) في مارس الماضي، كان نتيجة تناول مساعد سائق أحد القطارين للمخدرات، وكذلك مراقب برج محطة القطارات، وأسفرت عن مصرع 20 شخصاً وإصابة 199 آخرين.
ويهدف القانون إلى الحد من استمرار العاملين على الرغم من تعاطيهم المواد المخدرة، وحماية المرافق العامة والمواطنين من الخطر الذي يمثله بقاء الموظف متعاطي المخدرات في الوظيفة العامة، بحسب تقرير للجنة برلمانية ناقشت القانون قبل إقراره.
وأشارت المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون إلى العديد من الحوادث التي أدت إلى خسائر بشرية ومادية، نتيجة "استمرار بعض العاملين في شغل وظائفهم على الرغم من ثبوت تعاطيهم المواد المخدرة، لعدم وجود نصوص صريحة توقفهم عن العمل".
وأضافت المذكرة أن تلك الحوادث أظهرت الحاجة إلى سن تشريع جديد يقضي على ما وصفته بالفراغ التشريعي، ويحمي المرافق العامة من استمرار عناصر تؤثر في عملها وتعرض حياة المواطنين للخطر.
الكشف عن التعاطي
ينص التعديل التشريعي على "إجراء التحليل المثبت لعدم تعاطى المخدرات قبل الالتحاق بالعمل بأي من الجهات المشار إليها بالفقرتين السابقتين، وعند الترقية إلى الوظائف الأعلى، أو تجديد التعاقد أو الاستعانة، أو شغل الوظائف القيادية أو الإشرافية، أو تجديد التعيين عليها".
ويوضح النص أنه يجب إجراء تحليل المخدرات بصورة مفاجئة على جميع العاملين في الجهات التي يشملها القانون، إذ يتم الحصول على عينة التحليل من العامل وإجرائه في حضوره، وإذا كانت العينة إيجابية فيوقف العامل عن العمل مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر، أو ورود نتيجة تحليل آخر للعينة نفسها للتأكد من تعاطيه المخدرات، مع منحه نصف الأجر المستحق طوال فترة الإيقاف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويمنح القانون للعامل الحق في طلب الاحتكام إلى الطب الشرعي لفحص العينة، أو توقيع الكشف الطبي عليه خلال 24 ساعة من تاريخ إخطاره بنتيجة التحليل بمقر عمله، ويقدم شهادة تفيد بخلوه من تعاطي المخدرات، أما إذا تأكدت جهة العمل من تعاطي الموظف للمواد المخدرة، فيكون عليها إنهاء خدمته فوراً.
الامتناع من التحليل
وألزم القانون العاملين كافة بالإفصاح عن العقاقير الطبية التي يتلقونها قبيل إجراء تحليل المخدرات، للتفرقة بين من يتعاطى مواد مخدرة لغرض طبي ومدمني المخدرات.
وحدّد القانون الجهات التي تسري عليها أحكامه، وهي وحدات الجهاز الإداري للدولة من وزارات ووحدات إدارة محلية ومصالح عامة، وأجهزة لها موازنات خاصة، وهيئات عامة خدمية أو اقتصادية، إضافة إلى شركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، والشركات القائمة على إدارة المرافق العامة، ودور الرعاية وأماكن الإيواء والملاجئ، ودور الإيداع والتأهيل، ودور الحضانة والمدارس والمستشفيات الخاصة.
واعتبر القانون امتناع العامل من تحليل المخدرات أو التهرب منه بعذر غير مقبول، سبباً لإنهاء خدمته، ويتم إثبات التهرب من خلال لجنة تضم ممثلين عن أمانة الصحة النفسية بوزارة الصحة وصندوق مكافحة الإدمان التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، والطب الشرعي التابع لوزارة العدل، إضافة لممثل من جهة العمل، وذلك لاستبعاد شبهة قصد الإضرار بالعامل.
مهلة 6 أشهر
في المقابل، اقترحت عضو مجلس النواب، سناء السعيد، خلال المناقشات فصل من يصدر بحقه حكم قضائي في قضايا تعاطي المخدرات، بدلاً من حملات التحليل المفاجئ على العاملين، لكن في النهاية توافق الأعضاء على خروج القانون بصيغة هدفها ردع كل من تسول له نفسه تعاطي المخدرات، للحد من الظواهر السلبية بخاصة في المرافق العامة ذات الطبيعة الحساسة، وبعد حوادث القطارات التي ثبت في التحقيقات تعاطي سائقين للمخدرات، مما تسبب في تلك الحوادث. وأوضحت السعيد لـ "اندبندنت عربية" أن العواقب الوخيمة على أسر العاملين المفصولين بعد تطبيق القانون قد تكون رادعاً للجميع ليتقدموا إلى العلاج، ويتوقفوا عن تعاطي المخدرات، مشيرة إلى أن القانون يتيح للعامل التظلم وإعادة التحليل مرة أخرى.
ويدخل القانون حيز التنفيذ بعد مرور ستة أشهر على نشره في الجريدة الرسمية، وهو ما فسرته وزيرة التضامن الاجتماعي، نيفين القباج، بالفرصة لمن يتعاطى المخدرات بأن يتقدم إلى العلاج. وأضافت خلال مناقشة القانون بمجلس النواب أن تلك الفترة تستخدم لتوعية الجميع بالقانون، ووصفه رئيس مجلس النواب التعديل التشريعي حنفي جبالي بـ "المتمهل ويراعي الرأفة"، لأنه يعطي مهلة ستة أشهر قبل تطبيقه، ويمكن خلالها علاج المدمن.
وبحسب وزير شئون المجالس النيابية، علاء الدين فؤاد، فيمكن للموظف اللجوء إلى القضاء للتظلم في حال فصله بموجب التعديل التشريعي الجديد.
العلاج متاح مجاناً
وتتيح الحكومة المصرية علاج الإدمان مجاناً وفي سرية تامة، بحسب مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، عمرو عثمان. وأضاف في تصريحات صحافية محلية أن فترة الستة أشهر التي أقرها القانون تعد كافية لعلاج المدمن وإعادة تأهيله، موضحاً أن الصندوق قام بحملات للكشف على موظفي هيئات ووزارات الدولة، شملت حتى الآن 340 ألف شخص، أظهرت تعاطي اثنين في المئة منهم المخدرات، بعدما كانت النسبة ثمانية في المئة مع بداية الحملات، مؤكداً أن ذلك يثبت ردع حملات الكشف لمتعاطي المخدرات.
وأشار إلى تزايد عدد المتقدمين لطلب العلاج من العاملين في الجهاز الإداري للدولة خلال الفترة الأخيرة، إذ تقدم 20 ألف موظف حكومي للعلاج ضمن خدمات الصندوق، من بين 130 ألف مواطن استفادوا من خدمات الصندوق عام 2020، بحسب تصريحات تلفزيونية محلية للمستشار القانوني لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان حسن حرك.
وتبلغ نسبة متعاطي المخدرات في مصر 5.6 في المئة. وأظهر تقرير لوزارة التضامن الاجتماعي أن أبرز المواد المخدرة التي يقبل عليها المواطنون هي الحشيش والترامادول والمورفين.