تداول رواد وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة ورقة امتحان قيل إنها امتحان اللغة التركية للسنة الرابعة الثانوية، ارتكب فيها الأستاذ خطأ باللغة الفرنسية على رأس الورقة عند تقديمه الامتحان، ويقال بحسب الرواد ذاتهم، إن هذا الأستاذ من أصل تركي ولا يتقن لا العربية ولا الفرنسية، اللغة الثانية في البلاد، مما جعله يرتكب خطأ رأوه "جسيماً".
هذه الحادثة أعادت الجدل الحاصل في تونس حول مدى جدوى تدريس اللغة التركية وأهميتها في سوق العمل وثقلها العالمي، مقارنة بلغات أخرى أكثر تداولاً.
وانطلق منذ سنة 2013 تدريس اللغة التركية في المعاهد التونسية، بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في سياق تقارب وجهات النظر و"ترويكا" الحاكمة آنذاك. وتعتبر اللغة التركية واحدة من اللغات الاختيارية لطلاب السنوات الثانوية الثالثة والرابعة، إلى جانب لغات أجنبية أخرى مثل الألمانية والإيطالية والصينية والروسية.
خاب ظنهن
ومن التعليقات الطريفة التي نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول تعلم اللغة التركية في تونس، أنها "لا تصلح لشيء إلا لمتابعة المسلسلات التركية قبل ترجمتها للعربية".
وفي السياق نفسه، الذي غلب عليه التهكم، تقول أستاذة التعليم الثانوي بلقيس خليفة، إن "تعلم اللغة التركية صفقة تمت بعد الثورة، في إطار توطيد العلاقة مع المحور الإخواني في المنطقة".
وتذكر بلقيس حادثة وقعت في معهدهم "في تلك الفترة، حين جلبت وزارة التربية أستاذاً تركياً لتدريس اللغة، فتهافت الطلاب على التسجيل وخصوصاً الفتيات، ظناً منهن بأنه وسيم كنجوم مسلسلاتهم التي ملأت القنوات، لكن خاب ظنهن لأن الأستاذ رجل مسنّ، ولا يشبه النجوم اللاتي يعرفونها"، وتواصل وهي تضحك، "بقي الأستاذ بعد ذلك شهراً كاملاً يدخل إلى قاعة الدرس ليجدها فارغة إلى أن عاد إلى بلده خائباً".
وتضيف بلقيس، "ربما الحادثة مضحكة، لكن المغزى منها أن اللغة التركية ليس لها أي وزن اقتصادي أو ثقافي كاف لتكون من اللغات التي يجب تدرسيها".
يدسون السم في العسل
ويقول مترجم المؤتمرات منذر القلاعي، إنه تابع زيارة الرئيس التركي إلى تونس سنة 2012 عندما كان مترجماً معتمداً بين الوفدين التركي والتونسي باللغة الإنجليزية، ويقول إنه تابع "سياق فرض تعلم اللغة التركية في تونس، والتي كانت قراراً سياسياً حينها من خلال "ترويكا" آنذاك، المقربة من النظام التركي"، بحسب قوله.
ويضيف، "بحسب تجربتي منذ سنوات في عالم الترجمة بين المؤتمرات السياسية والاقتصادية الكبرى، فإن تعلم اللغة التركية ليس فيه أية فائدة، لأنها لغة ميتة وليس لها أي وزن اقتصادي، وحتى الأتراك لا يستعملونها خلال المؤتمرات العالمية، بل يستخدمون اللغة الإنجليزية".
وعرّج القلاعي على أهمية لغات أخرى يجب على السلطات التونسية إيلاؤها الأهمية اللازمة، فإلى جانب الإنجليزية والفرنسية، هناك اللغة الصينية التي يجب التشجيع على تعلمها، معتبراً أن "الصين خلال السنوات المقبلة ستكون القوة العالمية الأولى، ومن يعرف الصينية ويتقنها جيداً فستفتح أمامه آفاق واسعة في حياته المهنية".
كما تساءل القلاعي على المنهج التعليمي الذي يدرس به الأتراك في تونس، هل هو مراقب من وزارة التربية، أم "أنهم يدسون السم في العسل؟"، بحسب تعبيره.
إلا أن المدير العام للبرامج في وزارة التربية التونسية، رياض بن بوبكر، يؤكد أن "انطلاق تعلم اللغة التركية كمادة اختيارية لصفوف الثالث والرابع الثانوي، جاء في سياق سياسي سنة 2012 بعد زيارة أردوغان إلى تونس إثر حكم "ترويكا"، مضيفاً أن "الإقبال على هذه اللغة ضعيف جداً في تونس، وأن تعليمها محدود في معاهد قليلة بالعاصمة، حتى إن الأساتذة تقوم تركيا بتأمينهم والتكفل بهم مادياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المناهج التعليمية "مراقبة"
كما أكد بن بوبكر أن "المناهج التعليمية التي يقدمها الأساتذة الأترك مراقبة من قبل وزارة التربية التونسية، لتتماشى ودستور البلاد وقيمها المجتمعية".
من جهة أخرى، يقول المسؤول في وزارة التربية التونسية إن "اللغات التي يُقبل عليها الطلبة التونسيون كلغة اختيارية هي الألمانية في المرتبة الأولى، لأسباب تتعلق بالدراسة في ألمانيا، ثم تأتي اللغة الإيطالية لقرب إيطاليا الجغرافي والثقافي من تونس، وأخيراً برزت اللغة الصينية وأيضاً الروسية".
ويذكر أن التعليم الرسمي في تونس يعتمد اللغة العربية والفرنسية والإنجليزية كلغات إلزامية يتم تدريسها منذ سنوات الدراسة الأولى، إلى جانب لغات اختيارية أخرى تُدرس في الثالث والرابع الثانوي، على غرار الألمانية والإيطالية والصينية والروسية والإسبانية، وأخيراً التركية.
وفي ما يخص حرص السلطات التونسية على إدخال اللغات الأجنبية في المنظومة التربوية التونسية، يفيد بن بوبكر أنه يتم اختيارها لفتح أكثر ما يمكن من الآفاق التشغيلية بالنسبة لخريجي المدرسة التونسية"، مبيناً أن "كل لغة من اللغات يتم إدراجها لإعطاء فرص أكبر للاندماج في المجتمع العالمي"، مشيراً إلى أنه هناك رغبة جامحة بالنسبة للطلبة في تونس من أجل تعلم أكثر من لغة، وهذا معطى جيد يفتح لهم آفاقاً أكبر في حياتهم المهنية.
صراع أيديولوجي
من جانب آخر، يؤكد القيادي في "حركة النهضة" فتحي العيادي أنه ليس لدى حزبهم أية مشكلة مع أية لغة أجنبية، موضحاً أن "اللغة هي أداة للتعارف بين الشعوب"، وأنهم يؤمنون بفكرة الانفتاح على الآخر.
كما يعتقد العيادي أن "تعلم أي لغة فيه فائدة، وأن ثقل اللغة عالمياً ليس المحدد الوحيد لتعلمها، بل يجب وضع العلاقات الخارجية لتونس في الاعتبار"، مفسراً "علاقة تونس مع تركيا جيدة، وهذا ما جعلنا ندرسها في تونس بشكل محدود". مواصلاً، "أيضاً علاقتنا بالصين مثلاً في تطور، وبالتالي فلابد من دعم تدريس اللغة الصينية في تونس".
كما يرى أن "الموضوع يحتوي على بعد إنساني حضاري وعلمي، وأيضاً اقتصادي"، لذا يرى أنه "من الضروري أن نتناول هذه القضايا بعيداً من الأفكار الأيديولوجية التي تقسم الدول عبر المحاور"، بحسب تعبيره، موضحاً أن "الموضوع أكبر بكثير من مجرد صراع أيديولوجي".
ويستدرك العيادي قائلاً، "تبقى اللغة الإنجليزية هي الأهم الآن على مستوى العالم، ويجب على الطالب التونسي التمكن منها، لأنها باب لكل البحوث العلمية، وتفتح آفاقاً تشغيلية واسعة".