على الرغم من أن قلة التصدير يجب أن تنعكس انخفاضاً في الأسعار المحلية، يكتوي اللبنانيون بسبب "الارتفاع غير المسبوق في أسعار الخضار والفاكهة" فأسعار المنتجات لم تتراجع، وشكل ثمن ثمرة البطيخ مادة للتهكم بسبب دخول هذه الفاكهة إلى دنيا الطبقة البرجوازية، وهي جاءت لتلحق بكل من البطاطا والكرز والجنارك التي باتت "سلعاً خاصة بالمتوحمين".
لماذا البطيخ؟
يبلغ متوسط ثمن كيلو البطيخ الأحمر في متاجر لبنان العشرة آلاف ليرة لبنانية (نحو 0.76 دولار أميركي وفق سعر الصرف في السوق الموازية)، وهو مستوى تاريخي لم يسبق أن بلغته الثمرة الموسمية المفضلة لدى اللبنانيين. فالصيف في لبنان، يرتبط مباشرة بالبطيخ الأحمر والجبنة البيضاء، وحرمانهم منها من شأنه المساس بمتعة من متع الحياة. في السنوات الماضية، كان يتراوح ثمن الكيلو بين 450 و1500 ليرة (بين 30 سنتاً ودولار أميركي، وفق السعر الرسمي المعتمد في حينها).
يرفض مزارعو البطيخ تحميلهم مسؤولية ارتفاع الأسعار في السوق المحلية. ويعزو المهندس سليم مراد (خبير زراعي ومزارع بطيخ)، سببه إلى "غلاء بذار البطيخ والمبيدات والمستلزمات الزراعية من شبكات ري وأدوية، والمواد الأولية التي تحتاجها هذه الزراعة مثل أنابيب الري وأنفاق البلاستيك التي تستورد من الخارج بالدولار".
يلفت مراد إلى أن الزراعة لم تحصل على الدعم الكافي، وتأثرت إلى حد كبير بالارتفاع غير المسبوق في سعر صرف الدولار الأميركي. ويقول إن سعر جملة البطيخ يتراوح بين 2750 و3000 ليرة لبنانية، وهو مبلغ زهيد (نحو 20 سنتاً، إذا كان سعر صرف الدولار الواحد 13 ألف ليرة)، فيما كان يباع بنصف دولار (750 ليرة) قبل الأزمة وانهيار العملة اللبنانية.
ويوضح مراد أن العنصر الوحيد الذي لم ترتفع كلفته هو اليد العاملة، مقارنة بالعناصر الأخرى التي تدخل في الإنتاج الزراعي. يُشكل كلام مراد إقراراً بأن تصحيح أجور العمالة يبقى متأخراً مقارنة بغلاء وارتفاع كلفة باقي العناصر الاقتصادية، ناهيك عن أن أكثرية العمال الزراعيين هم من غير اللبنانيين الذين لا يحظون بحماية قانونية كافية.
ويشير مراد إلى مسألة أخرى تؤثر في ارتفاع أكلاف الإنتاج، ألا وهي الأجرة العالية للأراضي الزراعية في المناطق الساحلية، إضافة إلى "جشع التجار بين المزارع وبائع المفرق".
الأسعار مرتفعة
لا تتوقف حدود الصدمة عند البطيخ، فقد سبق أن عاينها اللبناني في موسم الحمضيات والبطاطا، بخاصة أن أسعار المنتجات المحلية حافظت على مستويات قياسية.
ويفسر حسين رفاعي، ممثل تجمع مزارعي البطاطا في محافظة عكار، أسباب غلاء أسعار البطاطا بـ"هروب المزارعين من زراعتها بسبب الكلفة المرتفعة من البذور إلى الحصاد"، لافتاً إلى أن الكمية المنتجة محلياً كانت قليلة نسبياً هذا العام، وانطلاقاً من قوانين السوق والعرض والطلب، حافظت البطاطا على سعرها المرتفع، في وقت تراجعت أسعار الخيار والبندورة والملفوف.
ويوضح رفاعي أن عائد طن من بذور البطاطا هو 30 طناً في المبدأ، لكنه انخفض هذا العام إلى 10 أطنان بسبب "برودة الطقس".
ويكشف رفاعي أن التصدير لم يتوقف، بل استمر بحراً نحو أسواق قطر والإمارات.
يتمسك رفاعي على غرار سائر التجار بمعادلة الغلاء والدولار، فهو يرى أن "ثمن السلع مقارنة بالدولار يبقى رخيصاً"، وعليه فإن "التاجر والمزارع ليسا جمعية خيرية، بل يريدان تحقيق الأرباح"، وهذا ما يمكن تحقيقه باللجوء إلى التصدير، "فمهما تجمع لدى التاجر من ليرات لبنانية، سيكون خاسراً في النتيجة".
أسوأ الأزمات
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أشار البنك الدولي في تقريره الأخير حول الوضع في لبنان إلى أن البلاد تعيش واحدة من ثلاث أزمات تعد الأسوأ عالمياً في الحقبة الممتدة بين 1857 و2013، حيث تراجع إجمالي الناتج المحلي من نحو 55 مليار دولار أميركي عام 2018 إلى 33 مليار دولار في 2020 مع تراجع إجمالي الناتج المحلي للفرد بالدولار الأميركي بنسبة نحو 20 في المئة.
ووفق مؤشرات البنك الدولي، ارتفعت أسعار السلع الزراعية بسرعة صاروخية، فسعر الموز زاد بنسبة 106.8 في المئة، والبندورة 97.6 في المئة، وهي النسبة الأعلى في دول المنطقة. أما سعر الخس فقد ارتفع بنسبة 76 في المئة خلال الفترة الممتدة بين 14 فبراير (شباط) 2020 و10 مايو (أيار) 2021.
وارتفع سعر البيض بنسبة 117.8 في المئة، ولحوم الأبقار الطازجة أو المجمدة بنسبة 121.4 في المئة، والحليب السائل 69.6 في المئة خلال الفترة نفسها، وهي الأعلى بالنسبة إلى بلاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وحل لبنان في المرتبة الثانية بعد جيبوتي في ارتفاع سعر الدجاج بزيادة بلغت 81 في المئة.
في المحصلة، يزداد يوماً بعد يوم الخناق الاقتصادي على المواطن اللبناني، الذي أصبح يضيق صدره بأسعار المنتجات الزراعية المحلية، بعد أن أعلن عجزه واستسلامه أمام البضائع المستوردة.