بعدما تعرّضت "لتشويه في جسدها" وأصيبت بأضرار صحية غيَّرت حياتها إثر خضوعها لعملية جراحية فاشلة في أحد المستشفيات، تتحدّث مريضة عن ممرضين تركوا ملاءات سريرها غارقة في البول طيلة أيام، ووصفوها بالـ"كسولة" عندما كانت عاجزة عن النهوض من الفراش.
تعتقد لوسي ويلسون، بحسب ما أسرّت إلى "اندبندنت"، أنها لو تلقت الرعاية الطبية في عيادة بيطرية لكانت أفضل حالاً مقارنةً بمستوى الاهتمام الذي لاقته من فريق الممرضين في "مستشفى نورفولك ونوريتش ترست" Norfolk and Norwich Hospital Trust في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي.
كانت لوسي واحدة من بين ثلاثة مرضى ترك لديهم الجراح كاميلو فاليرو تشوهات جسدية في الأسبوع نفسه، وكادت أن تفارق الحياة بعدما أخفق الدكتور وموظفون طبيون آخرون في اكتشاف إصاباتها شديدة الخطورة عقب خضوعها لجراحة استئصال المرارة (الحويصلة الصفراوية).
"المجلس الطبي العام" General Medical Council في المملكة المتحدة يتولى التحقيق مع الدكتور فاليرو، ولكن الأخير ما زال يمارس عمله كجراح تحت مراقبة المستشفى عينه، الذي رفض الكشف عما إذا كان المريض الثالث قد نجا من أزمته الصحية الخطيرة.
بعد طلبات عدة تقدمت بها "اندبندنت"، التزم الرؤساء في المرفق الصحي التابع لـ"هيئة خدمات الصحة الوطنية" ("أن أتش أس"NHS ) الآن بنشر تفاصيل المراجعة السرية التي نهضت بها "الكلية الملكية للجراحين" Royal College of Surgeons بشأن عمل الدكتور فاليرو وموظفين في خدمات جراحية أوسع في المستشفى.
في أبريل (نيسان) الماضي، تحدثت "اندبندنت" عن حالة بول توث، أحد قدامى المحاربين في سلاح الجو الملكي البريطاني، الذي خضع لعملية جراحية على يدي الدكتور فاليرو بعد أيام قليلة من جراحة ويلسون. وفي النتيجة، أصيب بعاهة جسدية مستديمة مع أنابيب تدخل وتخرج من جسده كي تعمل على إعادة تكرير مستمرة للعصارة الصفراوية التي ينتجها الكبد.
بعد الاطلاع على هذا المقال، تواصلت الضحيتان السيدة ويلسون والسيد توث مع بعضهما بعضاً، ويساند واحدهما الآخر الآن فيما يسعيان إلى الحصول على إجابات من "أن أتش أس".
ويلسون، أم لطفلين، تركتها تجربتها في أجنحة "مستشفى نورفولك" مشوَّهة جسدياً وتعاني الأمرين نفسياً وعقلياً. واليوم، تتلقى العلاج من "اضطراب ما بعد الصدمة" Post Traumatic Stress Disorder.
"فقدت الثقة تماماً في المستشفى. لن أقصده مجدداً. كوابيس مريعة كثيرة تقضّ مضجعي، ولا تنفكّ الذكريات السوداء تؤلمني، ويُخيَّل إليّ أنني أرى الدكتور فاليرو أينما ذهبت. إنه هناك دائماً"، تقول ويلسون بأسى.
استقبل المستشفى السيدة ويلسون في يناير (كانون الثاني) من العام الماضي بعدما استدعت حالتها الصحية الخضوع لعملية طارئة لاستئصال المرارة. أثناء الجراحة، ألحق الدكتور فاليرو أضراراً جسيمة بكبد المريضة والأقنية الرفيعة التي تتصل بالأمعاء، إذ لم يكتفِ بإزالة كيس المرارة بل أيضاً القناة الصفراوية برمتها.
على الرغم من أن تضرّر القناة الصفراوية واحدة من المضاعفات التي يُحتمل حدوثها في ما نسبته 1 في المئة فقط من جراحات المرارة، تسبَّب الدكتور فاليرو بإصابات لثلاثة مرضى في غضون أيام، ولم يلجأ أي أحد أو جهة إلى التحذير من خطورة الوضع سوى الأطباء في "مستشفى أدينبروكس" في مدينة كمبريدج، بعدما نُقل المرضى إليه حيث خضعوا لجراحة تنقذ حياتهم.
في غضون أيام من نقلها إلى غرفتها بعد الجراحة، بدأت حالة ويلسون الصحية في التدهور، إذ مرضت بشدة ولم تعد تقوى على الحركة.
"كنت عاجزة عن النهوض من السرير، وكان الممرضون يتوجهون إليّ بالقول "أنتِ كسولة. أنتِ تزيدين حالتك سوءاً". كانت معاملتهم معي مريعة جداً. طوال الوقت شعرت أنني ربما كنت أفضل حالاً لو أنني بين أيادي أطباء بيطريين".
"كنت أبقى غارقة في بولي على سريري، لأيام أحياناً. كذلك كنت أتقيأ باستمرار. لم يساعدوني في الاغتسال أو أيّ شيء آخر، بل أشاروا في الملاحظات بشأن متابعة حالتي إلى أنني كنت أرفض أن يتولوا أمر استحمامي".
"قاموا بأمور بسيطة إنما سخيفة، إذ كانوا يعلمون مثلاً أنني لا أستطيع النهوض من السرير ولكنهم كانوا مع ذلك يطلبون مني أن أغادره، وكانوا يتركون طاولتي بعيدة من متناولي. لم أستطع أن أصل إلى هاتفي، وإلى الماء عندما كنت عطشى".
وتحكي الضحية كيف أن عاملة نظافة ساعدتها في إحدى المرات كي تروي ظمأها بشربة ماء، قائلةً، "كان ذلك التصرف اللطيف الوحيد الذي حظيت به طوال فترة إقامتي في المستشفى. ترفض الأخيرة أن تخبرني اسم تلك العاملة، ولكني أود أن أشكرها".
في إحدى المرات، بعدما امتلأ أنبوب التصريف الجراحي الموضوع للوسي حتى انفجر لأن أحداً لم يفرغه أثناء الليل، أخبرت المريضة الطبيب بذلك فاتهمتها ممرضة تابعة لإحدى الوكالات لاحقاً بأنها "تشي بها". قدمت الضحية وزوجها بول شكوى رسمية ولم يروا الممرضة مرة أخرى.
وأضافت ويلسون: "أُجبرت ممرضة أخرى على أن تقصدني في غرفتي وتقدِّم اعتذارها إليّ بعدما وصفتني "بالكسولة جداً" لأنني لم أكن أنهض من السرير. كان عليها أن تقول لي "أنا آسفة" وهي تقف بجانب سريري، ولكن ليس قبل أن أُنقل إلى "مستشفى أدينبروكس". أعتقد أنه بحلول ذلك الوقت، كانوا قد أدركوا كم أن حالتي الصحية تدهورت، وأنهم لم ينتبهوا لكل ما أمرّ به."
أخيراً، دقّ جرس الإنذار بعدما تلقت ويلسون زيارة من أخت زوجها، وهي ممرضة متخصِّصة بالرعاية المخفِّفة للألم، لتكتشفت مدى خطورة قريبتها. حينها، أصرَّت على استدعاء طبيب، وعلى عجل خضعت الضحية لفحص بالرنين المغناطيسي أظهر أنها تعرَّضت لإصابات خطيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نُقلت ويلسون بوصفها حالة طارئة إلى "مستشفى أدينبروكس" حيث عمل عدد من الجراحين طوال ما يزيد على 11 ساعة على إصلاح الضرر الجسدي وإنقاذ حياتها.
كان عليهم أن يستخدموا 21 ليتراً من المحلول الملحي للتخلّص من 4.5 ليترات من العصارة الصفراوية المسببة للتآكل التي تجمعت في بطنها.
على النقيض من رأيها في "مستشفى نورفولك ونوريتش الجامعي"، أشادت ويلسون بالرعاية التي أحاطها بها الطاقم التمريضي في "مستشفى أدينبروكس"، قائلة: "كل ممرض التقيت به هناك، كل واحد، كأنهم خُلقوا ليكونوا ممرضين."
بعدما أصلح الجراحون إصاباتها صارت ويلسون أفضل حالاً مقارنةً بالضحية الأخرى السيد توث، غير أنها ستخوض جراحة أخرى وأصيبت بسلس البول وباتت ضعيفة، وعليها أن تصارع قواها كي تتمكن من المشي أو رفع أي شيء.
"أنا فعلياً غير قادرة على القيام بأي شيء يمكن للشخص العادي فعله. لا أستطيع أن استحمّ بنفسي من دون مساعدة، اضطر زوجي إلى أن يبني مقعداً خاصاً كي أتمكن من الجلوس والاستحمام. يجب أن يساعدني في غسل شعري. لولا أن لدي طفلين، لكنت قتلت نفسي لأنني بتّ عبئاً على كل من حولي".
"لقد دمّر ذلك حياتي تماماً،" تذكر والحزن يعتري صوتها.
الآن، أطلقت ويلسون عريضة على موقع البرلمان البريطاني تطالب فيها بتغيير القانون الذي يلزم الأطباء إبلاغ (المرضى والطاقم الطبي) عن الحوادث الجراحية الخطيرة غير المقصودة التي ربما تمس المرضى. لم يخبر الدكتور فاليرو أحداً من الجهات المعنية بإصابات الضحايا الثلاث، ولم يكن المستشفى على علم بالحوادث قبل أن يدقّ الأطباء في "مستشفى أدينبروكس" ناقوس الخطر.
"لا يتوافر قانون يقضي بضرورة الإبلاغ عن الحوادث الجراحية. إنه قانون أخلاقي ولكنه ليس كافياً"، توضح ويلسون.
اعترف "مستشفى نورفولك ونوريتش" بمسؤوليته عمّا تقاسيه ويلسون اليوم، واعتذر عن مستوى الرعاية الطبية (السيء) الذي لاقته المريضة أثناء الجراحة وبعدها.
ومنذ المراجعة التي اضطلعت بها "الكلية الملكية للجراحين"، ذكر المستشفى التابع لـ"هيئة خدمات الصحة" أنه عزّز التدريب الخاص بالدكتور فاليرو ويشرف على عمله ويراقبه، وقد كثّف التدقيق الشهري في العمليات الجراحية عبر مراجعة لنتائج جراحات المرارة.
متحدث باسم المستشفى أكد لـ"اندبندنت" أنه سيُصار إلى نشر تفاصيل مراجعة "الكلية الملكية للجراحين" في الوقت المناسب.
كذلك قالت المديرة الطبية في المستشفى إيريكا دينتون: "نقدِّم اعتذارنا المستمر إلى السيدة ويلسون عن الإصابات الخطيرة والمضاعفات التي كابدتها خلال الجراحة العام الماضي. كذلك التقى زملاؤنا في الجراحة والتمريض السيدة ويلسون للاعتذار إليها، ويسعدنا الرد على أي أسئلة أو مخاوف أخرى لديها."
"أجرينا تحقيقاً كاملاً في الحادثة ولجأنا إلى تغييرات وتعزيزات في العمليات الجراحية التي ننجزها لضمان عدم تكرار ذلك مجدداً،" ختمت دينتون.
إذا كنت تكابد مشاعر ضيق وعزلة، أو تكافح من أجل التحمّل، تقدم منظمة Samaritans الدعم لك؛ يمكنك التحدث إلى شخص ما مجاناً عبر الهاتف، وبكل سرية، على الرقم 116123 (المملكة المتحدة وإيرلندا)، أو إرسال رسالة في بريد إلكتروني إلى [email protected]، أو زيارة الموقع الإلكتروني "سَماريتنز" Samaritans حيث تجد التفاصيل بشأن الفرع الأقرب لك من المنظمة.
بالنسبة إلى الخدمات المحلية الخاصة بك، تتيح لك قاعدة البيانات الوطنية للصحة العقلية والنفسية في بريطانيا، Hub of Hope، بإدخال الرمز البريدي الخاص بك للبحث عن المنظمات والجمعيات الخيرية الموجودة في منطقتك، التي تقدم المشورة والدعم في ما يتصل بصحتك العقلية والنفسية.
© The Independent