ناشدت حكومة لبنان، الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية، الجمعة 4 يونيو (حزيران)، الأمم المتحدة إيجاد "وسائل بديلة" لتمويل المحكمة الدولية التي تنظر في جرائم اغتيال عدة شهدتها البلاد، بعد إعلان هذه الأخيرة أنها "تواجه أزمة مالية غير مسبوقة" ستمنعها من مواصلة عملها.
وجاءت مناشدة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وهي أول تعليق رسمي بعد إعلان المحكمة الأربعاء أنها "من دون تمويل فوري، لن تتمكّن من مواصلة عملها بعد يوليو (تموز)" المقبل، في وقت صنّف البنك الدولي أزمة لبنان الاقتصادية والمالية من بين أشد عشر أزمات، وربما من بين الثلاث الأسوأ في العالم، منذ منتصف القرن التاسع العشر.
وينص نظام المحكمة، التي تأسّست بطلب لبناني وبموجب قرار عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع الملزم في مايو (أيار) 2007 للنظر في جرائم اغتيال أبرزها اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005، على أن يسهم لبنان في تمويلها بنسبة 49 في المئة، فيما تؤمن الدول المانحة نسبة 51 في المئة المتبقية بموجب مساهمات طوعية.
التحذير من "عدالة مجتزأة"
وقال دياب في رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، "بالنظر إلى التحديات التي تواجه المحكمة الخاصة بلبنان، ومع الأخذ في الاعتبار الأزمات الحادة المستمرة التي يعاني منها لبنان...، فإن حكومة لبنان ستكون ممتنة لسيادتكم لاستكشاف الوسائل المختلفة والبديلة لتمويل المحكمة، بشكل عاجل مع مجلس الأمن والدول الأعضاء، لمساعدتها في إنجاز مهمتها".
واعتبر رئيس حكومة تصريف الأعمال أن "العواقب الأشد إيلاماً" عن توقف عمل المحكمة "تكمن في انعكاس صورة لعدالة مجتزأة وناقصة لدى جميع المطالبين بالعدالة والأشخاص الذين يثقون بسيادة القانون ومنع الإفلات من العدالة"، مشدداً على أن "الصعوبات المالية يجب ألّا تعرقل إنجاز عملها حتى النهاية".
قرار المحكمة
وغداة إعلانها عن "أزمة مالية غير مسبوقة" قد تمنعها من مواصلة عملها، أفادت المحكمة في بيان الخميس، بأن الغرفة الأولى أصدرت "قراراً ألغت فيه بدء محاكمة" سليم عياش، المدان الوحيد في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، كانت مقررة في 16 يونيو للنظر بقضية تتعلق باعتداءات استهدفت ثلاثة سياسيين لبنانيين بين عامي 2004 و2005.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت إن قرارها يشمل أيضاً تعليق "جميع القرارات المتعلقة بالمستندات المودعة حالياً أمامها، وبأي مستندات تودع مستقبلاً وذلك حتى إشعار آخر".
وبدأت المحكمة ومقرها في لايدسندام قرب لاهاي، العمل مطلع مارس (آذار) 2009. ومدد غوتيريش في فبراير تفويضها لعامين.
وبعد تحقيقات استمرت 15 عاماً وكلفت أكثر من 800 مليون يورو، دانت المحكمة في 18 أغسطس (آب) 2020 سليم عياش، العضو في ميليشيا "حزب الله"، بتهمة "القتل العمد"، في قضية اغتيال الحريري بتفجير استهدف موكبه في وسط بيروت وأسفر عن مقتل 21 شخصاً آخر وإصابة 226 بجروح. وبرّأت ثلاثة متهمين آخرين. وتم استئناف الحكم الصادر في حق الأربعة بعد محاكمة غيابية.
وخفّضت المحكمة، وفق ما أعلنت في وقت سابق، موازنتها لعام 2021 بنسبة 37 في المئة تقريباً بالمقارنة مع السنوات السابقة، نظراً إلى "الظروف الصعبة الناتجة من جائحة كوفيد-19 العالمية والوضع المقلق في لبنان".
الإفلات من العدالة
ويشهد لبنان منذ صيف 2019 انهياراً اقتصادياً متسارعاً هو الأسوأ في تاريخ البلاد، فاقمه انفجار مرفأ بيروت المروّع في الرابع من أغسطس وإجراءات مواجهة فيروس كورونا. ومنذ أشهر، يحول الصراع بين القوى السياسية على الحصص والنفوذ دون تشكيل حكومة.
وأوضحت المحكمة الخميس أنها تواصل "جهودها المكثفة لجمع الأموال اللازمة من أجل إكمال عملها المهم، وتكرّر نداءها العاجل إلى المجتمع الدولي، مناشدةً إياه الاستمرار في دعمها مالياً".
وفي موازاة إبداء المحكمة "أساها الشديد إزاء تأثير هذا الوضع في المتضررين من الاعتداءات"، أعرب متحدثون باسم عائلات ضحايا في بيروت عن خشيتهم من أن يكرّس وقف المحكمة لعملها سياسة "إفلات" المرتكبين من العدالة.
وكان من المقرر أن تنظر جلسة المحاكمة المقبلة التي جرى إلغاؤها في ما يُعرف بـ"قضية عياش"، الملاحق في ثلاث جرائم أخرى تبيّن أنها متصلة بجريمة الحريري، وهي اغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي في 21 يونيو 2005، ومحاولتَي اغتيال الوزير السابق مروان حمادة مطلع أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ووزير الدفاع السابق الياس المر في 12 يوليو (تموز) 2005.
عائلات الضحايا
وعقد ممثلو عائلات ثلاث ضحايا قضوا في الاعتداءات المذكورة مؤتمراً صحافياً الجمعة في مقر نقابة الصحافة في بيروت، ناشدوا خلاله المجتمع الدولي التدخل لتوفير تمويل للمحكمة.
وقالت متحدثة باسم عائلة حاوي، "نحن نُقتل مرتين: المرة الأولى جراء اغتيال الشهداء والمرة الثانية جراء اغتيال المحاكمة عمداً". وأضافت، "إن أقفلت المحكمة أبوابها، فعائلة الشهيد جورج حاوي ستقاضي كل مسؤول في المحكمة أو الأمم المتحدة تسبب بتأخير النظر في قضيتنا".
وأكدت متحدثة باسم عائلة غازي بو كروم، وهو عسكري قتل في الاعتداء على حمادة، "16 عاماً ونحن ننتظر العدالة الدولية بعدما فقدنا الأمل بعدالة الوطن". وحذرت من أن توقّف المحكمة الدولية عن النظر في قضية عياش هو "اغتيال ثانٍ لنا ولشهدائنا... وضرب لآمالنا بالعدالة".