ما زال القصر الأسطوري الذي يزعم المعارض الروسي أليكسي نافالني أنه ملك لفلاديمير بوتين، وأن الرئيس الروسي بناه من أموال حصل عليها بطريقة "غير مشروعة"، يحظى باهتمام وسائل الإعلام الأميركية، بعد نحو ستة أشهر من عرض نافالني شريطاً مصوراً للقصر الفخم الذي يقع في منتجع غليندزيك على ساحل البحر الأسود. وتشير مجلة "فورين بوليسي" إلى القصر باعتباره دليلاً على "فساد" رئيس طالما افتُتن به الغرب، ليس كشخص رياضي يظهر عاري الصدر ويركب الخيل ويمارس الجودو فحسب، إنما كزعيم مكيافيلي واستراتيجي لامع أيضاً.
وتقول المجلة الأميركية في تقريرها الذي استند إلى بعض التوصيفات الحادة للرئيس الروسي، إن الجهود الأخيرة التي بذلها المعارضون الروس أدت إلى تفتت تلك الفكرة الأسطورية عن بوتين. فخلف الأبواب المغلقة، الرئيس الروسي ليس عبقرياً في مصارعة الدببة، إنه "رجل غير ناضج فاسد... فالكشف عن ممتلكاته أثار غضبه ودفعه إلى مزيد من عمليات الاعتقال والاضطهاد، كما أظهر التعفن العميق في قلب النظام بشكل أكثر وضوحاً".
وفي 17 يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد تعافي نافالني من حالة تسمم شبه مميتة يُعتقد أن الحكومة الروسية تقف وراءها، عاد المعارض الروسي إلى وطنه حيث اعتقل في المطار. لكن نافالني كان متقدماً خطوة على خصومه، إذ كان سجل فيديو يزعم فيه الكشف عن فساد الرئيس الروسي، "قصة أكبر رشوة"، يظهر بالتفصيل تاريخ قصر وعقار ضخم على ساحل البحر الأسود. وقد أثار الفيديو- واعتقال نافالني - احتجاجات في جميع أنحاء روسيا، لكن زملاء المعارض البارز في مؤسسة مكافحة الفساد (التي أسسها عام 2011) واصلوا العمل من دونه. ففي 15 أبريل (نيسان)، أصدروا تحقيقاً آخر عن المنزل السري لبوتين لقضاء عطلاته، ويدلي التحقيق بتفاصيل عن المنزل الذي يقع على ضفاف بحيرة في تلال فالداي، بين موسكو وسان بطرسبورغ تحت حراسة مشددة.
غضب بوتين
وتقول المجلة إن أجهزة دولة بوتين ردت في 27 أبريل من خلال تصنيف المؤسسة بأنها جماعة متطرفة غير شرعية. وتقول إنه ليس من الصعب أن نرى سبب غضب بوتين من عمل نافالني وزملائه، فالتقريران يغوصان في "عيوب ذلك الرجل المروّعة كقائد وإنسان".
مع الكشف عن قصر بوتين السري، أعلن نافالني صراحة أنه "صورة نفسية" للرئيس الروسي، الذي وصفه بأنه "رجل مهووس بالثروة والرفاهية". وتضيف المجلة بعبارات أقرب إلى شيطنة رئيس يمثّل خصماً قوياً للولايات المتحدة أن "كلّاً من القصر ومنزل العطلة يكشفان ليس عن زعيم يتمتع بشخصية كاريزماتية، بل عن مجرم مخادع إلى حد ما، ومحظوظ بشكل لا يصدق".
وتتابع أن التفاصيل المختلفة المتعلقة بقصر البحر الأسود والممتلكات القريبة المملوكة لبوتين، جعلت "ديكتاتور روسيا" موضع سخرية. فالبعض قهقه على فرشاة مرحاض بقيمة 850 دولاراً وحامل ورق تواليت سعره قرابة 1300 دولار. وسخر آخرون من وجود نافورة راقصة باهظة الثمن في أحد بارات القصر.
محتويات القصر
وأسهبت المجلة الأميركية في وصف القصر، مشيرة إلى أنه إضافة إلى ثلاثة بارات وغرفتين لتذوق النبيذ، هناك صالة مخصصة للشيشة مجهزة بمقاعد فسيحة، يتوسطها مسرح مع عمود للرقص. ولا يخلو منزل العطلة "داتشا" من الأمور التي تصفها المجلة بغير المنطقية، مشيرة إلى وجود كنيسة، إضافة إلى كازينو مصغر ومجمع "سبا" ضخم.
وتشير إلى أن المجمع يحتوي على كل مرافق التجميل تقريباً باستثناء الجراحة التجميلية، بما في ذلك عيادة الأسنان. وأكثر الأشياء إمتاعاً هي غرفة مبردة لكامل الجسم، وهو خيال علمي زائف، بحسب المجلة، يستخدمه الأثرياء لتجديد شباب بشرتهم عن طريق تعريضها لدرجات حرارة أقل من درجة التجمد، إذ يبدو أن بوتين يشعر بأن الخروج عاري الصدر بلا قميص في درجات حرارة منخفضة ليس أنيقاً بشكل كافٍ.
وبعد أن يجمد نفسه في بحث يائس عن الشباب الأبدي، لدى بوتين خيار لزيارة صالون "التدليك التايلاندي"، الذي يشير سريره المغطى بالكامل من الخارج إلى أن التدليك قد يكون إحدى الخدمات المقدمة، وفق المجلة. وبمجرد أن يشبع من هذه الراحة الخاصة، يوجد مبنيان واسعان للمطعم لتقديم العشاء، أحدهما مخصص للبيرة. وتتعايش هذه المرافق اللطيفة إلى جانب مسرح مرفق بقاعة من طابقين، وغرفة قراءة (على الرغم من عدم وجود مكتبة)، وحدائق شاسعة. وتقول "فورين بوليسي" إن هذه مظاهر رمزية للفكرة الروسية المستمرة بأن القادة، مهما كانت وحشية أصولهم، يجب أن يكونوا مثقفين.
وتضيف أن الاحترام الروسي للفنون ليس عميقاً فحسب، بل يتعدى ذلك إلى الخوف من أن ينظر إليهم الآخرون على أنهم فلاحون. وعلى الرغم من ولادته لعائلة سوفياتية من الطبقة المتوسطة العليا، ترى المجلة أن ليس لدى بوتبن أي من تطلعات التعلم وأنه ذو "مذاق مراهق ثري مدلل". كما أن تصميم وزخارف القصر مثال نموذجي لما أطلق عليه الكاتب بيتر يورك "ديكتاتور أنيق"، وهو أسلوب يتميز بأبعاد "مفرطة السخافة"، من الاستخدام المفرط للذهب والزجاج والرخام وأثاث الروكوكو المنتشر في كل مكان والتصوير المتكرر "للمخلوقات الذكورية"، سواء كانت أسوداً أو نسوراً أو ذئاباً. إضافة إلى تزيين النسور الذهبية ذات الرأسين لكثير من المناطق الداخلية والبوابات الضخمة. كذلك، يزيّن الذهب والزجاج والرخام كل غرفة تقريباً، والأثاث من الشركات الإيطالية التي تتميز منتجاتها بالبهجة وباهظة الثمن، إذ تكلّف الأريكة الواحدة أكثر من 54000 دولار.
"الديكتاتور الأنيق"
وفي ما يتعلق بمنزل العطلة أو "فالداي داتشا" بالروسية، فإنه يضم معظم ما يعني "الديكتاتور الأنيق" في مكان واحد مبهرج، حيث هناك جناح على الطراز الصيني بُني من الرخام بسقف ذهبي. وجُهّز الجزء الداخلي المذهل بشكل فظ ومفرط بطاولة دائرية مثالية لحفلات الشرب الاجتماعية، فالكراسي ذات المقاعد الضخمة بشكل هزلي وظهورها الأصغر نسبياً، هي رسوم كاريكاتيرية لحقبة أسرة مينغ (سلالة الأباطرة الذين حكموا الصين بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على الرغم من أن القصور الملكية السابقة كانت في كثير من الأحيان مراكز للثقافة والسياسة، حيث كان يختلط أفراد النخبة، إلا أن قصر بوتين المنعزل هو ملعب ضخم للغاية لشخص واحد، وتتم حراسته من قبل دائرة الأمن الفيدرالية، وتحافظ القوارب على مسافة اثنين ميل من الشاطئ، وتوجد منطقة حظر طيران كبيرة فوق المسكن.
وتعتقد المجلة أن الموقع لا يخدم بشكل جيد التجمعات العائلية لبوتين. فعلى الرغم من وجود اثنين من الأحفاد المعروفين (كلاهما تحت سن العاشرة) والاشتباه في إنجابه طفلين آخرين، أخيراً، خارج إطار الزواج، لم تُحدد أماكن إقامة أو مرافق ترفيهية للأطفال داخل القصر. وفي حين هناك غرفة مخصصة لألعاب السيارات الكهربائية بين كازينو وقاعة تضم عدداً من آلات القمار، فإنه يتم عرض الألعاب فوق الأرض في خزانات واقية ومسار السيارات معلق على طاولة مرتفعة جداً بحيث لا يمكن للأطفال الصغار استخدامها.
ويضم منزل العطلة "داتشا" ملعباً كبير الحجم، وإن كان يتعايش بشكل غريب مع مرافق المقامرة والشراب و"العلاج بالتدليك". وبشكل عام، يشمل كل من القصر و"داتشا" مرافق رياضية واسعة النطاق، بما في ذلك حلبة هوكي الجليد تحت الأرض. وإذا كانت مباراة بوتين الأخيرة ضد بعض أفضل لاعبي الهوكي في روسيا بمثابة دليل، فمن المتوقع أن يلعب ضيوفه بشكل غير كفؤ بالقدر الضروري للسماح له بالفوز.
عرين "رجل متضخم"
ويخلص تقرير المجلة الأميركية إلى القول إن الغرض من القصر أكثر وضوحاً من ذلك الخاص بمنزل العطلة: بعيداً من الواجبات الحكومية، ومسؤوليات الأسرة، ومحمّل بستة أماكن مميزة على الأقل، هذا ليس مسكن حاكم واثق إنما عرين "رجل متضخم". ففي منزل تزيد مساحته على ثلاثة أضعاف مساحة البيت الأبيض وعلى مساحة شاسعة تزيد على 86 مرة مساحة كامب ديفيد، يتمتع بوتين بحرية إشباع رغبات قلبه، بينما تنهار بلاده من حوله، وقد أفقرها الجشع المطلق وعدم كفاءة رئيسها والمتواطئين معه.
وكان الرئيس الروسي نفى، في يناير الماضي، أي علاقة بالقصر الذي ظهر في شريط نافالني الذي حظي بحوالى 86 مليون مشاهدة. وقال أثناء لقاء عبر الفيديو مع طلاب روس بثته قنوات تلفزيونية "لم أرَ هذا الفيلم لضيق الوقت. لا شيء من الذي ظهر (في التقرير) على أنه من ممتلكاتي، يعود لي أو لأقربائي، ولم يكن كذلك أبداً".