الإنسان المخترع هو أحد عناصر رأس المال الحقيقي الذي يحقق زيادة في الدخل القومي للأوطان، حيث تتسابق دول العالم على تبني المخترع والاختراعات وتقديم المميزات له بما فيها التجنيس والأموال والتسهيلات.
وفي السعودية، على الرغم مما يقدم من دعم للمخترعين، فإن الطموح يزداد في البلاد بزيادة الدعم إلى أفق أوسع وأكبر.
ونشأت في البلاد مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة"، منذ 22 عاماً لحفز ابتكارات طلاب المدارس من الصفوف الدنيا إلى الثانوي، إلى جانب "بادر" التي تعد أحد برامج مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والتي تعنى بالابتكارات التقنية، إلا أن العديد من الابتكارات في المملكة الأكبر في الخليج لا يزال محلها الأرفف، ولم يجد الأغلب منها طريقه إلى السوق حتى الآن.
لهذا، جاء قرار مجلس الوزراء أخيراً بإنشاء كيان ينظم القطاع، تحت سقف "هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار"، سعياً من الدولة إلى دعم البحث والابتكار في إطار رؤية 2030، التي تهدف إلى أن تنعكس الأنشطة التقنية وصناعات التكنولوجيا على الناتج المحلي بأثر لا يقل عن 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) وتوليد 124 ألف فرصة عمل بحلول 2030.
وذكر المستشار في التخطيط الاستراتيجي، الكاتب الاقتصادي، برجس البرجس، أن السعودية ستستثمر نحو 12 تريليون ريال (أكثر من 3 تريليونات دولار) داخل سوقها خلال السنوات العشر القادمة.
وقال، "هذا استثمار كبير جداً، وبالتأكيد من بين ما يستهدف الابتكار والتصدير، ويقع الدور الباقي على المدارس والجامعات في تنمية الابتكارات، وما علينا هو صناعة وبرمجة كل ما نستورده بالأمس واليوم، وهذا سيكون الجزء الأصغر لأن الجزء الأكبر من صناعتنا ومنتجاتنا سيكون للتصدير، وإذا فكرنا بالأعمال التي يمكن عملها بهذه التريلوينات، فإنها ستنعكس جزماً على زيادة الصادرات غير النفطية وانخفاض الورادات من الخارج".
حلقة مفقودة مع براءات الاختراع
وأوضح أحمد الثبيتي من جامعة الإمام عبدالرحمن، الحاصل على عدة براءات اختراع من المكتب الأميركي لبراءة الاختراع والعلامات التجارية، أن أي شخص "يستطيع تقديم طلب الحصول على براءة الاختراع، سواء من خلال مكاتب براءات الاختراع في الجامعات، أو عبر موقع الهيئة السعودية للملكية الفكرية، وبعده تتم دراسة الطلب ورؤية ما إن كانت الفكرة جديدة وذات فائدة أم لا، ولا يستغرق ذلك فترة أكثر من 3 سنوات".
لكن الثبيتي استدرك بأن "الصعوبات تكمن بعد الحصول على براءات الاختراع، وذلك في تحويلها إلى نموذج أولي، ثم إلى منتج، ناهيك بتسويق هذا المنتج على شركات القطاع الخاص، وهنا الحلقة المفقودة بين الحصول على براءة الاختراع والاستفادة منها"، مبيناً أن المنتجات التي تولد من رحم براءات الاختراع من أهم روافد الاقتصاد في العالم.
وقال الكاتب أحمد سالم جميل، الذي سبق أن طرح فكرة إنشاء هيئة تختص بالابتكار، إن مجموعة العشرين تنفق نحو 92 في المئة من حجم الإنفاق العالمي في مجال الأبحاث في العالم، إذ "تخصص أغلب هذه الدول من 1.5 في المئة إلى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لميزانية البحث العلمي والتطوير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أن ذلك الاهتمام بالأبحاث من الدول المتقدمة سببه "ما يحققه المجال من قفزات اقتصادية وتنموية كبيرة من خلال ابتكار طرق وأساليب جديدة أو تطوير للعمليات والممارسات الحالية في مجالات حيوية مهمة كالصناعة والزراعة والتقنية، وغيرها".
ويرى أن يكون دور الهيئة دعم المبادرات لتربية النشء على البحث العلمي ووضع خطط بحثية ومشاريع تبنى على أساس حل المشكلات البحثية القومية في السعودية وربطها بالباحثين وأعضاء هيئة التدريس والبحث العلمي في الجامعات على غرار عدد من الوزارات والمجالس البحثية العلمية في البلدان المتقدمة.
واقترح أن يكون الدعم المادي واللوجستي المقدم من الهيئة "بناءً على الخطة والمجموعة البحثية وتحت إشراف وتقييم لجنة العلماء السعوديين التابعة للهيئة، بحيث تضم اللجنة علماء عدة بمختلف التخصصات العلمية والذين أثبتوا إنجازات عالمية، ويكون على عاتق الهيئة بناء وتشييد مراكز أبحاث تخصصية في عدة مناطق رئيسة بالسعودية تعنى بالعمل على حل المشكلات البحثية المتعلقة بالمنطقة بالدرجة الأولى والسعودية بشكل عام، بحيث تعزز هذه المراكز رؤية ورسالة الهيئة في التحول إلى الاقتصاد المعرفي، ناهيك بنشر ثقافة البحث العلمي وتوفير فرص وظيفية بحثية في السعودية، وهي قليلة في الوقت الحالي".
ومن بين الاختصاصات التي يرى أن الهيئة جديرة بالنهوض بها "ابتعاث الدراسات العليا، ويكون الابتعاث في سبيل دعم الأفكار البحثية، وليس لمنح المبتعث الدرجة العلمية. بحيث يكون مقدم الطلب للابتعاث على قدر كبير من الجاهزية والاستعداد والشغف بالفكرة البحثية، بمعنى آخر يكون الدعم للاحتياج العلمي لبحث الفكرة"، وبهذا، يكون في نظره ابتعاث الطلاب للخارج مرتبطاً بشكل رئيس برؤية الهيئة، ويكون الدعم المادي والإنفاق على الأبحاث والابتعاث أكثر كفاءة، مما يعود على الوطن بآثار اقتصادية كبيرة في المستقبل القريب.
ستحول الاختراعات لمشروعات حقيقية
من جهته، أكد نائب رئيس الشؤون الحكومية بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) سليمان بن محمد الثنيان أنه بحسب آخر الإحصاءات في هذا الجانب، نجد أن أكثر الدول إنفاقاً على البحث العلمي قياساً لناتجها المحلي هي إسرائيل، حيث تنفق 4.21 من ناتجها المحلي للبحث العلمي، تليها كوريا الجنوبية بحصة 4.15، ثم اليابان بحصة 3.49، وفي المركز الرابع فنلندا بحصة 3.32، وأخيراً في المركز الخامس السويد بحصة 3.30، بينما الولايات المتحدة الأميركية والجميع يعرف حجم ناتجها المحلي تنفق على البحث العلمي حصة 2.81. هذه الأرقام المهولة التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات هي التي تصنع الفارق بين دولة وأخرى من حيث قوة الاقتصاد والقدرة على المنافسة في مجالي التنمية والاستثمار.
وقال الثنيان، "إن العناية بتنمية قطاع البحث والتطوير والابتكار في السعودية خطوة جبارة، ستحول كل مشروعات البحث التي كان يبتكرها ويقدمها الباحثون من مشروعات افتراضية تنتهي بالحصول على براءات اختراع، إلى مشروعات حقيقية تتحول صناعياً إلى منتجات تقدم لجمهور المستهلكين هنا وفي كل أرجاء العالم".
الترتيب 66 في مؤشر الابتكار
وكشف المركز الوطني للتنافسية، أخيراً، عن تحقيق السعودية تقدماً في مؤشر الابتكار العالمي لعام 2020، الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية بالتعاون مع جامعة كونيل ومعهد إنسياد.
وأشار المركز، عبر حسابه الرسمي في "تويتر"، إلى أن السعودية جاءت في المرتبة الـ66 عالمياً في مؤشر الابتكار العالمي لعام الحالي، لتتقدم مرتبتين عن عام 2019، كما أن ترتيب السعودية شهد تحسناً في 3 محاور رئيسة؛ شملت تطور الأسواق لتحرز المرتبة الـ44 مقارنة مع المرتبة الـ47 في عام 2019.
وأحرزت السعودية تقدماً في مؤشر مخرجات الإبداع لتحل بالمرتبة الـ69 عالمياً، مقارنة مع المرتبة الـ86 في العام الماضي، بالإضافة إلى تقدمها للمرتبة الـ102 في مؤشر المؤسسات مقارنة مع المرتبة الـ104 عالمياً في العام الماضي.
ويعمل منتدى مسك العالمي الذي يقام في السعودية على اكتشاف وتطوير وتمكين الشباب ليصبحوا مشاركين نشطين في اقتصاد المستقبل، وإيجاد منصة دولية شبابية لتبادل المعرفة وذكر تجاربهم الناجحة عن قرب للوصول إلى نتائج وتوصيات ومبادرات تصب في تنمية وتطوير الطاقات الشبابية، بما ينعكس بالإيجاب على الأوساط الشبابية في السعودية من جانب، ودعم الجهود الدولية الساعية إلى تطوير وتمكين الشباب على الصعيد العالمي من جانب آخر.