فيما تقترب الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب)، تستمر التحقيقات في أكبر انفجار هز العاصمة اللبنانية، وأدى إلى مقتل 211 شخصاً، وإصابة أكثر من 6 آلاف، وتشريد مئات العائلات نتيجة تهدم منازلها، إضافة إلى مؤسسات توقف العمل فيها نتيجة الأضرار التي لحقت بها. حقيقة ما حصل وهوية الجهة المسؤولة عن كمية النيترات التي أُدخلت المرفأ لا تزال ضائعة، فيما يؤكد وزير العدل السابق إبراهيم نجار لـ "اندبندنت عربية" أن "التأخير في إصدار القرار القضائي يطلق عليه وفق القانون تسمية عدم إحقاق الحق، وهذا يرتب مسؤولية على الدولة وعلى القاضي".
تقرير فرنسي
جديد التحقيقات المستمرة بتكتم شديد، تلقي لبنان من فرنسا قبل أيام تقريراً أولياً فنياً وصف بالمهم جداً. فبحسب مصادر قضائية، تسلم القاضي طارق البيطار من السلطات القضائية الفرنسية تقريراً فنياً من شأنه توضيح نقاط أساسية في قضية التفجير. ويتوقع أن يصل إلى لبنان خلال الأشهر القليلة المقبلة تقرير فرنسي آخر. وبحسب المصادر، فإن التقرير الفرنسي الأولي قد خلا من الصور الجوية، بعدما كان الجانب الفرنسي سبق وأبلغ لبنان، أنه لا يملك صور القمر الصناعي الفرنسي لموقع التفجير، لأن القمر الفرنسي لم يكن موجهاً نحو لبنان عند وقوع الانفجار. وعلمت "اندبنتدنت عربية" أن القضاة الفرنسيين، من دائرة الحوادث الجماعية، الذين يجرون تحقيقات مستقلة في باريس بسبب سقوط عدد من الضحايا الفرنسيين وإصابة آخرين في الانفجار، زاروا بيروت في الأسابيع الماضية، وعقدوا أكثر من اجتماع مع المحقق العدلي وضباط أمن لبنانيين، وأجروا جولة ميدانية على المرفأ، وجرى تبادل المعلومات بين الطرفين اللبناني والفرنسي.
الاستماع إلى الشهود
وفيما لا تزال التحقيقات تجري بسرية من دون أن تتضح أسباب تلك الكارثة والجهة التي تقف وراءها، ينقل بعض المقربين من القاضي البيطار قوله، إن التحقيق شارف على نهايته، وهو يستعد لاستدعاء عدد من السياسيين، لم يعرف إذا ما كانوا هم أنفسهم الذين سبق وادعى عليهم سلفه القاضي فادي صوان قبل أن يربحوا دعوى تنحّيه عن القضية. والسياسيون المدعى عليهم بتهمة الإهمال هم رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب، وثلاثة وزراء سابقين هم وزير المالية علي حسن خليل ووزيرا الأشغال السابقان يوسف فنيانوس وغازي زعيتر. وبحسب المعلومات، فإن التحقيقات تتمحور حتى الآن حول ثلاث فرضيات، الاستهداف الجوي عبر صاروخ، علماً أن الجانب الفرنسي كان استبعد هكذا فرضية في تقريره الفني وفق ما كشفت مصادر قضائية لـ"اندبندنت عربية"، أما الفرضية الثانية فهي الرابط بين عمليات التلحيم لباب العنبر رقم 12 وبين الحريق الذي أدى إلى حصول الانفجار، وفرضية ثالثة لا تستبعد احتمال العمل الإرهابي أو الأمني المتعمد. وبحسب المعلومات، فإن القاضي البيطار قد استبعد إحدى هذه الفرضيات الثلاث التي يُرجّح أن تكون فرضية التلحيم، فيما العمل جار على الفرضيتين المتبقيتين للحسم النهائي بينهما. ويذكر أن القاضي البيطار كان أخلى في أبريل (نيسان) الماضي، 6 موقوفين في القضية من أصل 25 موقوفاً، هم الرائد في جهاز أمن الدولة جوزيف النداف، والرائد في الأمن العام شربل فواز، والرقيب الأول الجمركي الياس شاهين، والرقيب الأول الجمركي خالد الخطيب، وجوني جرجس ومخايل المر. ورد البيطار طلبات آخرين تولوا مناصب رفيعة في المرفأ، ومن بينهم المدير العام للجمارك بدري ضاهر، ورئيس مجلس إدارة المرفأ حسن قريطم. وكشف القاضي البيطار، منذ أيام، عن تحديد هوية سبعة ناجين من الانفجار كانوا موجودين في المرفأ على مقربة من مكان وقوع الانفجار.
لماذا تأخرت التحقيقات؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مضى على تسلم القاضي الجديد طارق البيطار ثلاثة أشهر، وهو مستمر في التحقيقات، مبرراً التأخر في التحقيقات بأسباب عديدة، أبرزها أن قراءة الملف تطلب أشهراً وإعادة تنظيمه وأرشفته وتبويبه وفقاً لأسلوب عمله، ثم انتقل إلى تصدير استنابات قضائية داخلية وخارجية للأجهزة الأمنية اللبنانية، وإلى عدد من الدول، وقد بلغ عدد الاستنابات التي أصدرها إلى الخارج 20. وعلم أنه طلب في 13 من هذه الاستنابات صوراً للأقمار الصناعية لديها، بهدف التمكن من التأكد إذا ما كان الانفجار حصل نتيجة استهداف جوي بصاروخ، بالتالي تأكيد فرضية قصف إسرائيلي للمرفأ. لكن مصادر قضائية تؤكد لـ"اندبندنت عربية" أن القاضي البيطار لم يتلق أي جديد في هذا الشأن، ولم تصل إليه أجوبة. أما في ما يتعلق بالتقرير الفرنسي الذي تسلمه منذ مدة، فتكشف المصادر أن التقرير اتسم بطابع فني بحت، أضاء على نقاط عديدة وتضمن تحاليل تتعلق بالتربة في المرفأ والمواد التي تضمنتها. وتكشف المصادر أن التقرير الفرنسي الأولي ساعد في استبعاد إحدى الفرضيات المطروحة لكيفية حصول الانفجار بنسبة 80 في المئة، من دون أن يكشف ما هي الفرضية التي تم استبعادها. وينفي البيطار أن تكون الفرضية التي استُبعدت هي الاستهداف الجوي بصاروخ. هذا وعلم أن الجانب الفرنسي سيسلم البيطار الجزء الأكبر من تحقيقاته في تقرير جديد سيصله خلال مرحلة قريبة.
القرار الاتهامي قبل 4 آب؟
وتصف مصادر قضائية المرحلة المقبلة بالمهمة على صعيد التحقيق في انفجار المرفأ، لا سيما أنها المرحلة التي تسبق ختم التحقيق وصدور القرار الاتهامي، إذ من المقرر أن يبدأ القاضي البيطار استجواب المدعى عليهم. وتكشف المصادر أن هذه المرحلة ستتوقف عليها قرارات مهمة، قد يكون أبرزها سلسلة من التوقيفات الجديدة التي لن تستثني أحداً، سواء كان مسؤولاً أمنياً أو قضائياً أو سياسياً. لكن القاضي البيطار لن يقع في الخطأ الذي ارتكبه سلفه، وهو سيعمل وفق نص القانون الخاص بملاحقة نائب أو وزير أو محام أو قاض. علماً أن استجواب الأجهزة الأمنية يمكن أن يتم بقرار مباشر منه من دون طلب رفع الحصانة عنها، كما هي الحال بالنسبة إلى النواب والوزراء والمحامين والقضاة الذين تتطلب ملاحقتهم مراسلة المدعي العام التمييزي قبل البدء بأي ملاحقة. ويتوقع القاضي البيطار أنه مع حلول الذكرى السنوية الأولى لتفجير المرفأ، في 4 أغسطس المقبل، يفترض أن يكون قد توصل إلى معطيات مهمة جداً وأساسية في القضية، على أن يصدر القرار الاتهامي قبل حلول العام الجديد، بحيث تختم القضية، ويحول الملف كاملاً إلى المجلس العدلي.
معطيات جديدة
في مقلب أهالي ضحايا المرفأ، بات الانتظار طويلاً ولم يعد يحتمل. ويكشف شقيق أحد الضحايا، وليام نون، أن القاضي البيطار أكد لهم في اللقاء الأخير أن التحقيقات بلغت مرحلة حساسة، وأنه بات يميل في هذه المرحلة إلى فرضية العمل الإرهابي، وأنه يستبعد أن يكون الانفجار حصل بالصدفة وبسبب إهمال، لا سيما في هذا التوقيت الآن في لبنان. ويكشف نون أن الأهالي حصلوا من القاضي البيطار على وعد بأن يتضمن القرار الاتهامي أسماء الوزراء والنواب الذين يتحملون مسؤولية الانفجار من خلال تقاعسهم في وظيفتهم وإهمالهم، لا سيما إذا ما تعذر عليه توقيفهم بسبب تمتعهم بالحصانة النيابية أو غيرها من الحصانات المنصوص عليها في القانون. وبحسب المعلومات، فإن ضغوطاً كثيرة بدأت تمارس على القاضي مع بلوغ التحقيقات مرحلة استجواب المدعى عليهم، لكنه بحسب ما أبلغ الأهالي لن يتأثر بكل هذه التدخلات والضغوط.
ويكشف نون أن الأهالي ساعدوا كثيراً في التحقيقات الجارية من خلال تأمين عدد كبير من الشهود الذين تمنعوا في المرحلة الأولى من الكلام وبعضهم عسكريون. وينقل نون عن أحد الشهود الذين التقاهم، وكان في القرب من العنبر رقم 12 قبل الانفجار، أن الحريق الذي شب قبل الانفجار في العنبر تم إطفاؤه، وأن ارتجاجاً في الأرض وتفسخها حصل قبل الانفجار. ويروي شاهد، بحسب نون، أنه غادر الرصيف بسيارته حيث العنبر رقم 12، فور بدء الارتجاج في الأرض، وهو كان وصل إلى المدخل الجنوبي للمرفأ عندما حصل الانفجار، وقد نجا بفضل إهراءات المرفأ. وإلى هذا الشاهد، يُضاف شاهد آخر استمع إليه القاضي البيطار، واطلع على فيديو يوثق لحظة الانفجار وقبلها، ويظهر أن النار في العنبر في الساعة السادسة و6 دقائق كانت قد أُطفئت. وهذه الإفادات تؤكد أن الحريق لم يكن هو المسبب للانفجار.
وتكشف مصادر الأهالي أنهم حصلوا على فيديو جديد عن الانفجار، وقد أرسلوه إلى الجهات المختصة لإجراء التحليل اللازم قبل تسليمه إلى قاضي التحقيق الأول. والفيديو إذا ثبتت صحته، فإنه سيكشف الحقيقة عن الانفجار، وهو يظهر طائرةdrone ترمي قنبلة على المرفأ، وارتفعت بعدها بشكل عمودي. أهالي ضحايا المرفأ يعملون بمساندة حزب القوات اللبنانية على توقيع عريضة قبل الاثنين المقبل، موجهة إلى لجنة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة، تطالب بإجراء تحقيق دولي بعد صدور القرار الاتهامي. ويستعد الأهالي إلى تحرك كبير في 4 أغسطس المقبل، بالتعاون مع البطريركية المارونية، وسيترأس البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي قداساً في مكان الانفجار.