سيكون أكبر حدث في السينما هذه السنة هو فيلم مغامرات عنيفة أُنتِج بتقنية "الصور المصنوعة بالكومبيوتر" Computer Generated Imagery، (اختصاراً "سي جي آي" CGI) بطولة جوش برولين في دور رأس أرجواني ضخم، وروبرت داوني جونيور، الذي رُشّح ذات مرّة للأوسكار عن دور "آيرون مان" وهو ملياردير مزعج يرتدي بذلة طيران ضيقة. لكن إذا استعدنا الـ25 سنة الأخيرة، فسنفهم أن الشيء الاستثنائي فعليّاً في فيلم "المنتقمون: نهاية اللعبة" Avengers: Endgame (2019) لا يكمن في قصته المثيرة ولا فريق الممثلين الرائعين، بل في ما يربط ذلك الشريط الذي ينافس على المراتب الأولى في شباك التذاكر، مع شركة "مارفل كوميكس" Marvel Comics العملاقة.
إن تلك الشركة العملاقة المتعددة الفروع، في صناعة أفلام الشخصيّات الخارقة، أصبحت حاضراً في مرحلة إمبرياليّة في توسّعها. وأضحى الامتياز الإعلامي المسمّى "عالم مارفل السينمائي" (وهو عالم روائي وخيالي، تصنعه استوديوهات "مارفل") أقوى علامة تجاريّة في السينما، بل جوهرة سعرها 18 مليار دولار ترصع تاج شركة "والت ديزني" التي طالما اشتهرت بفأرها "ميكي ماوس" وأذنيه الكبيرتين. ولكن، في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، كانت "مارفل" شيئاً مختلفاً تماماً، إذ مثّلت نموذجاً عن كيفيّة الحرص على عدم التعامل مع هوليوود. إلا أن الفيلم الذي غيّر كل شيء هو "بلايد" Blade المُصنّف آنذاك في فئة "آر" للأشرطة المقيّدة المشاهدة لمن هم دون 17 سنة، بمعنى ضرورة مرافقة آبائهم لهم عند مشاهدته. ظهر "بلايد" في عام 1998 وأدى فيه دور البطولة ويسلي سنايبس، فكان أول بطل خارق يمثّله أميركي من أصول إفريقيّة، وتدين جماليّات الرعب فيه، وهي من النوع العادي الشائع، إلى أفلام رعب من النوعيّة التي صنعها المخرجان داريو أردجينتو وجورج روميرو، بأكثر من أفلام سوبرمان وباتمان.
هل تمكن فيلم "بلايد" لوحده من إنقاذ "مارفل"؟ قد يبدو ذلك مبالغاً فيه، لكن هناك من الحجج ما يبرر قول ذلك. إذ كانت "مارفل" في منتصف تلك التسعينيات على حافة الانهيار التام. وبسبب أفلام فاشلة مثل الشريطين الصادرين عام 1986 "هوارد ذي داك" و"فانتاستيك فور"، بقيت "مارفل" تترنح على الهامش على غرار تلك الشخصية الهزيلة التي تكونها شخصية ستيف روجرز قبل تحوّله إلى البطل الخارق "قبطان أميركا"، في الكتب المُصوّرَة.
دق ناقوس الموت جديّاً عندما انهارت سوق هواة الكتب المُصوّرَة وانخفضت مبيعات التجزئة بـ70% خلال أشهر قليلة. وقبل ذلك بسنوات عدّة، حذّر نيل غايمان، مؤلّف "ساندمان"، من أن فقاعة سوق الروايات المُصوّرَة صارت أسيرة سوق هواة الكُتب المُصوّرة، وهم يمثّلون الطرف الأعلى من تلك السوق، وكذلك أنها فقاعة بلغت ذروتها وستنفجر. وآنذاك، فشلت الصناعة في فهم ذلك التحذير، وتحملت "مارفل" تبعات الهبوط في سوق الروايات المُصوّرة وكتبها ومجلاتها.
في عام 1996، جرى ما كان محتّماً، بعد أن حاولت وقف التراجع عبر رفع أسعارها، إذ تقدمت "مارفل" بطلب إعلان إفلاسها. وعلى الرغم من ذلك، لم تمر سوى سنتان، حتى حققت الشركة عودة قويّة لها، بل مع بعض الثأر، عبر أول أفلامها في الحقبة المعاصرة (= فيلم "بلايد")، من أشرطة الأبطال الخارقين. وكذلك كان ذلك الفيلم أول اقتباس لشركة "مارفل" لا يمنى بفشل ذريع. إذاً، كل النجاحات اللاحقة من "إكس- مِن" و"سبايدرمان" إلى "آيرون مان" (= "الرجل الحديدي") و"أفانجرز ("المنتقمون"): الحرب اللانهائيّة"، تنهل مما حقّقه فيلم "بلايد".
بالطبع كان شريط "بلايد" متميزاً في حد ذاته واستحق نجاحاً باهراً. واستطاعت قصة مصاص الدماء "بلايد" الذي يسمّى أيضاً "داي ووكر" Daywalker (= "المَشّاء في وضح النهار") وهو نصف آدمي يحارب وَحْدَه ضد جيش سري من شاربي الدماء، أن تعزف ألحان مجنونة شهية، بداية من المشهد الافتتاحي في نادي ليلي حيث ترشّ بخاخات الماء الدم على الراقصين. لا تتوقف الحركة في الفيلم، أما المؤثرات الخاصة بمصاص الدماء فقد كانت غرائبيّة بطريقة ناجحة، كذلك كان لشخصية "بلايد" الجذّابة (أدّاها سنايبس) قوّة طبيعيّة مثل روح معذبّة في ظلال المرايا، ذلك أنها لا تعيش إلا لإبادة مصاصي الدماء.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما تشاهد الفيلم اليوم، سترى أن ما يثير فيه على وجه الخصوص هو كيف يقاوم "بلايد" التقليد الذي يحدد "عالم مارفل السينمائي". في ذلك الفيلم المستند إلى ترسيمة البطل- النقيض، لم يكن سنايبس متعجلاً نيل الإعجاب بشخصيّة "بلايد" التي أدّاها. إذ تميل الفكاهة الموجودة في الفيلم لأن تكون مقزّزة، مثل المشهد الذي يقطّع فيه "بلايد" مجموعة من مصاصي الدماء إرباً، باستخدام قوس مُرتَد من نوع "بوميرانع" مصمّم خصيصا للقتل، قبل أن يستوعبوا حقاً ما حدث لهم. ويرافق ذلك موسيقى تصويريّة من نوع "تكنو"، وهي صاخبة وعنيفة بشكل رائع. ويجري تمزيق مصاصي الدماء عند منتصف الجسم ويُقَطّعون من البطن، مع أقصى صوت ممكن لشفط السوائل.
ولكن، الأكثر ثورية في هذا الفيلم هو سنايبس بصفته وجه الامتياز الذي حقّق نجاحاً تجاريّاً متميزاً. حقيقةً، كان الممثل البالغ من العمر آنذاك 36 عاماً، أحد كبار نجوم أفلام الإثارة عالميّاً، وكان في سجله أفلام مثل "المدمّر" و"الشمس المشرقة" و"الراكب رقم 57". لم تمنع كل تلك النجاحات على الأقل مديراً تنفيذاً واحداً من أن يسأل جهراً ديفيد غوير، كاتب سيناريو "بلايد"، إذا لم يكن من الأفضل لو أنه غيّر لون بطل الفيلم من الأسود إلى الأبيض. إذ افتُرِضَ أن بطلاً خارقاً أسوداً ليس ما تفضله الصناعة السينمائية.
وحتى لو تركنا جانباّ مسألة العِرْق، لم يكن من الواضح إذا كان بريق النجم سنايبس سيعوض ظلمة شخصية "بلايد". وقد ظهرت شخصيّة قاتل مصّاصي الدماء للمرّة الأولى في العام 1973، ضمن سلسلة قليلة الشهرة صنعتها "مارفل" ودُعيَتْ "قبر دراكولا"، وهي مستوحاة جزئيّاً من قصة لاعب كرة القدم الأميركي جيم براون الذي تحوّل إلى ممثل. وبالتناسب مع ذلك الأمر، ومع أخذ خلفيته كمصاص دماء، امتلكت تلك الشخصية وجوداً غريباً يتلاعب على الحدود بين الليل والنهار، كأنه حال المغيب والشَفَق بينهما. أحب "بلايد" عديد من عتاة المعجبين بـ"مارفل"، لكنه أقل شهرة في أوساط الجمهور العام من "سبايدرمان" و"باتمان".
استدراكاً، حدث الأمر نفسه عندما ظهرت شخصيّة "الرجل الحديدي" مع ارتداء روبرت داوني جونيور تلك القفّازات المعدنيّة التي تعود لتلك الشخصيّة، للمرّة الأولى في العام 2008. في الحقيقة، فإن النموذج الذي أسّسه "بلايد"، بمعنى اختيار أحد شخصيّات "مارفل" غير الواضحة والتعامل معها كأنها بنفس أهمية "باتمان" و"هالك"، سرعان ما سيصبح النص الأساسي لقواعد عمل "مارفل".
وآنذاك، لم تنل دلالة "بلايد" لجهة تمثيل الأميركيّين- الأفارقة، تعليقات كثيرة. كما جرى التستر على تلك الدلالة كليّاً عندما تدافع النقّاد السنة الماضية للإشادة بفيلم "بلاك بانثر".
وبالتأكيد ما تزال المفارقة قائمة بالنسبة لسنايبس الذي يحاول اليوم وضع حياته المهنية على السكّة من جديد بعد أن قضى عقوبة سجن بين عامي 2010 و2013 بسبب مخالفة ضريبية. بالنسبة إليه، يعتبر "بلايد" تتويجاً لقرابة عقد من النضال لجلب بطل خارق أسود إلى الشاشة. إذ حاول في البداية إقناع الاستوديوهات بدعم اقتباس شخصية "بلاك بانثر". لكنه مَلَّ من تجاهل هوليوود للكتب المُصوّرَة، إضافة إلى خلفية من الأشعة العنصرية.
وفي العام الماضي، أعرب سنايبس لمجلة "هوليوود ريبورتر"، عن اعتقاده بأن "(شريط) "بلاك بانثر" تحدّث إلي لأنه كان نبيلاً وكان أيضاً نقيضاً للصور النمطية المقدمة والمُصوّرَة حول الأفارقة والتاريخ الأفريقي والممالك العظيمة في أفريقيا... للفيلم أهمية ثقافية وأهمية اجتماعية. إنه شيء لم تراه المجموعتان السوداء والبيضاء كلاهما من قبل".
وبمباركة من الكاتب ستان لي الذي كان المؤلّف الأب لشخصيّات "مارفل"، (المستعد للعمل شرط حصوله على ظهور وجيز في الفيلم)، عرض سنايبس مقترح فيلم "بلاك بانثر" على الاستوديوهات. وسرعان ما واجهته مشاكل عدّة. تمثّلت المشكلة الأولى في أنه في منتصف التسعينيات من القرن العشرين، كان اسم "بلاك بانثر" مرادفاً للمنظمة التي أسّسها الأميركي هيو نيوتن وكانت تستخدم العنف في الدفاع الحقوق المدنية للسود. ولم تعرف سوى قلّة ممن تباحث سنايبس معهم، بوجود بطل إفريقي خارق لا علاقة له مع تلك المنظمة.
وكانت المشكلة الأخرى هي أنه حتى الآخرين الذين يشتغلون على اقتباس إحدى قصص "مارفل" المُصوّرَة كانوا يواجهون فرضية يحملها بلاك بانثر مؤداها أن هناك مجتمعا أفريقيّاً متقدّماً مختبئا في أوساطنا. وكان اللقاء الكارثي الذي جمع سنايبس مع مخرج فيلم Boyz n the Hood ("فتية في الحارة") جون سينغلتون، نموذجاً عن الردود التي تلقاها سنايبس.
ولاحقاً، تذكّر سنايبس رد سينغلتون، "قال جون ما مفاده، "لا! ها! ها! أنظر إن له روح "بلاك بانثر" لكنه يحاول دفع ابنه للالتحاق بتلك المنظمة [المدافعة عن الحقوق المدنية للسود]... كانت لديه مشكلة مع ابنه، وكانت بينهما خصومة لأنه من ناحية يريد أن يلتزم بالصوابية السياسية فيما يريد ابنه أن يكون مغفلاً"... وفي نهاية الأمر، أراد جون أن يأخذ تلك الشخصية ويضعها في سياق حركة الحقوق المدنية. وقلت له، 'يا هذا! أين الدمى؟! إنها متقدمة جداً من الناحية التقنية، وسيكون من الرائع رؤية أفريقيا في ضوء ذلك، لتكون نقيضاً للطريقة التي تُصَوّر بها أفريقيا في العادة"".
ومع تجاهله من قبل الجميع، اختفى مشروع "واكاندا" لسنايبس في "الثقب الأسود" لعملية التطوير. لكن، لاح بعض الضوء في الفراغ. وبعد أن تعافت "مارفل" من الإفلاس، بدأت في مراجعة استراتيجيّاتها التلفزيونية والسينمائية.
ولمدة طويلة، كان فيلم "بلايد" في أولوياتها. منذ سنة 1992، سعت "مارفل" إلى تطوير فيلم يؤدّي مغني الراب ل.ل. كول دج. دور البطولة فيه. واليوم، وجدت شركة "مارفل" التي انبعثت من جديد، ووجدت في آفي آراد مديراً مبدعاً جديداً لها يتمتع بكثير الحماس. كان آراد عنصر كوماندوس في الجيش الإسرائيلي، وتحوّل مديراً تنفيذيّاً حازماً جعل من أولوياته تغيير السجل الكارثي لـ"مارفل" في شبّاك التذاكر.
دخلت شركة "نيو لاين سينما" في الشراكة، ما يعني أنها هي (وليس "مارفل") ستتحمل الجزء الأكبر من المخاطر الماليّة، وكذلك حصد الأرباح المحتملة. ووظّف آراد السيناريست العبقري ديفيد غوير الذي كسب الثناء في دواخل صناعة السينما عن عمله في فيلم "ديث رانت" للمثّل الشهير فان دام. لم يكن غوير مجرد كاتب مرموق له مستقبل زاهر، بل امتلك أيضاً علاقات جيدة، ما جعل ديفيد فينتشر، المخرج الأكثر إثارة في هوليوود منذ إنجازه فيلم "سفن" الشهير، يقرأ إحدى النسخ الأولى لسيناريو فيلم "بلايد" ويتقدم لإخراجه.
وفي تصريح إلى مجلة "انترتاينمنت ويكلي"، وصف غوير الأمر، "كنت أعرف ديفيد فينتشر قبل ذلك بكثير. كنّا أصدقاء. وكان بصدد الانتهاء من صنع "سفن" حينها، في شركة "نيو لاين"، عندما قرأ السيناريو وتساءل "ما الذي يحصل مع بلايد؟ "، هذا جيد، لدي بعض الأفكار المختلفة بشأنه".
"بالتالي قلت له، "انظر يا ديفيد، أود أن تكون مخرج هذا الفيلم. أنت المخرج المفضّل بالنسبة لي. لكني أعلم أنك لن تفعل ذلك". كنا بصدد الدخول إلى اجتماع مع [المدير التنفيذي لـ"نيو لاين"] مايك دي لوكا، ولم يتمالك نفسه. بدأ فوراً بالحديث عن المشهد الأول وما أراد صنعه بشأنه. وأمكنني رؤية الجميع منبهرين تماماً وعرفت وقتها أننا كنا سنضيّع عاماً كاملاً، وهو ما حدث بالضبط"، وفق كلمات غوير.
لقد عرض غوير الفيلم باعتباره "ثلاثية "حرب النجوم" بالنسبة لأفلام مصاصي الدماء السود". وكانت "نيو لاين" تدعم رؤيته. وكانوا موافقين تماماً على أن يكون في "بلايد" نجم أميركي- أفريقي. ثم تمثّلت المسألة في حجم الميزانية التي يمكنهم تخصيصها لذلك النجم".
أشار غوير في تصريح إلى مجلة "انترتاينمنت ويكلي" إلى أنّ "مايك دي لوكا قال "سأجعلها 40 مليون دولار إذا جلبت الممثل دينزل واشنطن، و35 مليون إذا تمكّنت من جلب ويسلي سنايبس، و20 مليون إذا استطعت جلب لورانس فيشبورن". هكذا كان الأمر، كنا نريد ويسلي".
وافق سنايبس على الفور وانضم للفريق كنجم ومنتج مشارك عبر شركته "آمين را" للإنتاج السينمائي. بعد ذلك بوقت قصير، وافق كريس كريستوفرسون على لعب دور معلمه، ويسلر. وكان الصداع التالي الذي يتعين التغلّب عليه هو العثور على مخرج مناسب. وكما تنبّأ غوير، اختار فينتشر العمل بدلاً من ذلك في فيلم "اللعبة" ("ذي غايم") مع مايكل دوغلاس، لأنه لم يبدو أن أحداً في هوليوود مهتم بشكل كبير.
في تلك اللحظة، خطرت في بال غوير فكرة خارقة. وإذ استمتع بفيلم رعب من الخيال العلمي منخفض التكلفة للمخرج البريطاني المبتدئ ستيفن نورنغتون، الذي بدأ تجربته كفنان المؤثرات الخاصة في فيلم "آليانز" Aliens للمخرج جيمس كاميرون.
كان فيلم "ديث ماشين" (= "آلة الموت") في حالة من الفوضى، لكن مشاهد العنف كانت كثيفة وصُوّرَتْ بتكلفة محدودة. وتبيّن أن نورنغتون كان معجباً بالكتب المُصوّرَة للشخصيّات الخارقة، وعندما التقى مع سنايبس حصل توافق فوري بينهما.
ولكن، الأرجح أنّ الحدث الأكبر تمثّل في إشراك الممثل ستيفن دورف، صاحب الشخصية المحبوبة والشعر المشعّث، في تمثيل الفيلم. وقد تألّق كثيراً في لعب دور الشرير مصاص الدماء ديكون فروست، الذي يريد كسر المعاهدة التي دامت قرونا والتي بمقتضاها ظل مصاصو الدماء بعيدين عن الأنظار ويمتنعون عن شرب دم آخر إنسان على الكوكب.
قد يكون دورف معروفاً اليوم بدرجة أكبر عِبْرَ دوره في الموسم الثالث الأخير من مسلسل "ترو ديتكتيف". ولكن في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، كان أحد الشخصيات السيئة البارزة في هوليوود. ومن خلال الملامح الجذّابة الخطيره لرفيقه في الشرب ليوناردو دي كابريو والمجرم الناشئ جوني ديب، كان ينظر إليه كنجم محتمل. وقد ظهر في فيلم "بلايد" حينما كان مرغوباً فيه بشدة. حدث ذلك بالصدفة بعدما قرّر ممثل فنون القتال جيت لي، الذي كان الخيار الأصلي لأداء دور فروست، أن يبدأ تمثيله باللغة الانكليزيّة في فيلم "ليثال ويبون 4" (= "السلاح القاتل 4" Lethal Weapon IV) بدلاً من فيلم "بلايد".
وقّع دورف عقد الانضمام إلى "بلايد"، لكن كانت لديه بعض المخاوف. لقد صنع اسمه في صناعة الأفلام المستقلة المنخفضة التكلفة (وهي تُصنع خارج منظومة الاستوديوهات وشركات الإنتاج الكبيرة)، مثل فيلم "باكبيت" Backbeat عن سيرة الفنان البريطاني الراحل ستيوارت سوتكليف الذي كان عضواً في فرقة البيتلز. كان "بلايد" بالنسبة لدورف شيئاً مختلفاً تماماً. ولأن ذلك الأمر حدث في تسعينيات القرن العشرين، شعر دورف بالقلق من أن المشاركة في "بلايد" تعني التضحية بقناعاته من أجل المال. وإضافة إلى ذلك، كانت لديه أسباب مبرّرة للقلق من أن مشاركته في فيلم عن بطل خارق يحارب مصاصي الدماء، قد يؤثر سلبياً على مكانته في صناعة السينما. لم يكن من غير الوارد أن تكون تلك المشاركة كارثة عليه.
وصرّح دورف في وقت لاحق، "اعتقدت أن "بلايد" سيكون نهاية مسيرتي. لم أكن أعتقد أنه سيلقى نجاحاً كبيراً. لم أستسغه حقاً عندما كنت أصوره. في بعض الأحيان يكون الممثل غير مناسب. في "بلايد"، ربما كنت أنا غير مناسب للفيلم".
وصرّح دونال لووغ، وهو النجم المشارك في "بلايد"، إلى مجلة "انترتاينمنت ويكلي"، أنّ "الأمر كان مثيراً لأنه في ذلك الوقت كان ستيفن [دورف] يصنع أفلاماً مع أمثال جاك نيكولسون وهارفي كيتل... في ذلك الوقت أعتقد أنه هو وليوناردو [دي كابريو] كانا أبرز مواهب هوليوود الشابة. أنا كنت مجرد ممثل شخصيّات، وسعيد بذلك، لكنني لم أدرك الضغوط التي تترتب على أداء دور ريادي كبير، مع كل تلك القرارات التي يتعين عليك اتخاذها لجهة المسار المهني. وقد شعرتُ بذلك مع ستيفن، إذ كان عليه توخي الحذر".
لقد حقّق "بلايد" نجاحاً كبيراً، لكن انتاجه لم يكن سلساً بشكل عام. كان دورف متوتراً طوال الوقت ولم يُعجَبْ نرينغتون دوماً بارتجالات سنايبس. وفي الوقت نفسه، اضطر غوير لإصلاح الفيلم بسرعة بعد عرض تجريبي كارثي.
وفي الأصل، شهد القسم النهائي من الفيلم تحوّل فروست إعصاراً ضخماً من الدم أثناء قتاله "بلايد". لكن "الصور المصنوعة بالكومبيوتر" عن تلك المنازلة كانت بشعة، ومن الواضح أن التبكير في إنهاء دور دورف الكاريزمي كان فكرة خاطئة. لذا، صُوّرَتْ نهاية جديدة اشتبك فيها "بلايد" مع فروست بالسيوف في معركة حاسمة. وأدى ذلك إلى تأخير إصدار الفيلم مرة أخرى لمدة عام كامل. هل حلّت لعنة أفلام "مارفل" مرّة أخرى؟
كان الأمر على العكس من ذلك. إذ حظي فيلم "بلايد" بإعجاب النقاد إلى حد معقول، بل حدث ذلك في وقت كانت فيه أفلام الشخصيات الخارقة تقابل روتينيّاً بعداوة النقاد. وقد أشادت صحيفة "واشنطن بوست" بـ"فنونه القتالية العظيمة" ومحتواه من "الفكاهة الساخرة". وامتدح روجر إيبرت في صحيفة "شيكاغو صن تايمز"، ما احتواه الفيلم من "الصور الغريزية الخالصة". ومع الأسف، لم تكن "الاندبندنت" راضية تماماً، إذ أعربت عن الحسرة من كون "الضجيج وفنون القتال" قد حجبت "المستوى الضعيف" للفيلم.
ومع ذلك، لقي الشريط نجاحاً كبيراً، وحقّق أرباحاً عالميّة بلغت 131 مليون دولار، بل أضعاف ذلك المبلغ من مبيعات أقراص "دي في دي"، مخالفاً بذلك توقّعات هوليوود بأن فيلماً يؤدي فيه ممثل أسود دور البطولة سيواجه مصاعب كثيرة في أميركا ويفشل بالكامل في الخارج.
يقول سنايبس، "أتذكر أن أحد المديرين التنفيذيين للاستوديو في ذلك الوقت، أثناء العرض، علّق بعد اجتماع فريق العمل وحصوله على الأرقام ومعرفة أنها كانت مرتفعة جداً مع وجود إعجاب كبير بالشخصيّة وعالم الفيلم، علّق أنه "لا أفهم لماذا الناس معجبون بهذا الفيلم"... كان هناك آخرون اعتقدوا أن السود، أو المواهب السوداء في الفيلم، لا يلقون رواجاً عالميّاً، ولا يلقون رواجاً في الخارج، ولا يلقون رواجاً في اليابان... لكن، صدر "بلايد" وحقق نجاحاً انفجاريّاً في اليابان، على الرغم من أن نجمه رجل أسود".
وحصل موقف ختامي محزن عندما تشاجر سنايبس مع غوير في موقع تصوير "بلايد: ترينيتي" في عام 2004. وقع ذلك مع تزايد التصرفات الغريبة من جانب سنايبس، الذي رفض مغادرة عربته إلا لتصوير اللقطات القريبة، ما اقتضى الاستعانة بشبيه له للظهور في كل مشاهده الاخرى. وفي إحدى اللحظات، حاول حتى خنق غوير (الذي، بسبب احتجاجات سنايبس، أخذ محل المخرج الأصلي في اللحظة الأخيرة). وقد ذهبت مسيرتاهما المهنيّة في اتجاهين معاكسين. ذهب سنايبس إلى السجن بتهمة الاحتيال الضريبي، وذهب غوير ليكتب لاحقاً فيلمي "باتمان بيغينز" Batman Begins وفيلم "باتمان يواجه سوبرمان: داون أوف جستيس" Batman vs Superman : Dawn of Justice. (لا يوجد شخص مثالي).
أصبح نورنغتون بذاته عبرة لنفسه، مع فيلم "رابطة الخارقين" في العام 2001. إذ فشل بشكل ذريع في اقتباس الفيلم من كتابات آلان مور. وبعد اندلاع مناوشات بينه وبين نجم الفيلم شون كونري في موقع التصوير، أقسم نورنغتون ألا يعمل بالإخراج مرة أخرى، وقد أثبت صدق كلامه.
لا شيء من ذلك يقلل من مكانة "بلايد" بوصفه تسلية مرعبة في حدّ ذاته، أو عملاً مهّد لموجة من أفلام الكتب المُصوّرَة. لقد أثبت أن خصائص أفلام شركة "مارفل" يمكنها أن تكون ناجحة، والأبطال الخارقين لا يجب أن يكونوا في مستوى شهرة "باتمان" كي ينالوا رضا روّاد السينما.
صحيح أن "مارفل" لم تحصد سوى 250 ألف دولار من "بلايد" بسبب اتفاقها مع شركة "نيو لاين". لكن آفي آراد استطاع إثبات وجهة نظره بأنّ هنالك جمهور لأفلام "مارفل"، شريطة انتاجها بشكل جيد وتعاملت مع موضوعها بجديّة.
بعد فترة وجيزة، أبرمت "مارفل" صفقات أدّت إلى إنتاج أفلام سينمائيّة ضخمة مستوحاة من كتب الشخصيّات الخارقة مثل "سبايدر مان" (بالشراكة مع "سوني") و"إكس مِن" (مع "فوكس"). كانت تلك بداية ثورة "مارفل".
وأخبر آراد موقع "ديجيتال سباي" أنه "باستثنائنا، صُدِمَ الجميع من الأرباح التي حُصِدَتْ من شبابيك التذاكر، ولاحقاً في أسطوانات "دي في دي". كانت تلك بداية ثورة الـ"دي في دي"، وكان "بلايد" مثل نارٍ هائلة. بعد نجاح ذلك الشريط، صار الناس ينصتون بشكل جيد، نعم بشكل جيد".
© The Independent