اندلعت الحرب في اليمن قبل ست سنوات بأهداف معلنة لطرفي الصراع، وأساسها هو الانقلاب على السلطة الشرعية، حيث يدافع الحوثيون عن ثورية تحركاتهم، بينما رفعت الحكومة ومن ورائها التحالف العربي شعار إعادة الشرعية اليمنية ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته إلى العاصمة اليمنية صنعاء.
وما بين 26 مارس (آذار) 2015 و2021 فترة زمنية طويلة، تبدلت فيها الشعارات والمبررات بين أطراف الصراع لاستمرار حروبهم، بينها رفع شعارات طائفية ومذهبية يؤكد سياسيون أن الهدف الأساس منها يدور جوهره حول الانقلاب، فيما يحذر آخرون من تطييف المجتمع وتجريف هويته.
تغيير وتعديل المناهج الدراسية بخاصة في مناطق الحوثيين، كان أحد مظاهر هذه الحرب المخفية بين الطرفين، إضافة إلى الاحتفال بمناسبات لم يحتفل بها اليمنيون من قبل، مثل الغدير والصرخة والشهيد ويوم القدس، وهي في أغلبها مناسبات يحتفل بها الإيرانيون، ناهيك عن شعارات الصرخة المعلقة والمرفوعة في كل شوارع وأزقة المدن التي يسيطر عليها الحوثيون، وهي جميعها شعارات بدأت مع الثورة الإسلامية في ايران.
استحضار الصراع المذهبي
استحضار الصراع المذهبي في الملف اليمني، في تقدير المراقبين، يجعل خيوط الحل تفلت من أيادي اليمنيين، لتتحكم بها أطراف إقليمية ودولية، مرتبطة بمصالح وصراعات في المنطقة، وسط عوامل تدفع باتجاه إطالة أمد الصراع واستدامته.
المحلل السياسي عادل الشجاع يقول "الصراع في اليمن امتداد لمشروع الهلال الشيعي، واليمن جزء من هذا المخطط الذي يعمل على استحضار الخلاف المذهبي".
وفيما أكد الشجاع ان الحرب في اليمن تدور حول الاستحواذ على السلطة، فإنه يرى أنها كذلك "غلفت بالغلاف المذهبي حتى يتم استحضار بعض الدول الإقليمية للدخول في هذه الحرب لكي تستمر لفترة طويلة تعمل على تمزيق النسيج الاجتماعي، وتجعل المجتمع اليمني قابلاً لهذا الانقسام والتشظي".
واعتبر أن الخلاف بين المذاهب لا يبرر الصراع لأنها اجتهادات فكرية، لكن "تغليف السياسي بالمذهبي يجعل التعايش مستحيلاً".
شعارات طائفية للتعبئة والتحشيد
الشيخ صالح أبو عوجاء عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام يتفق كذلك على أنه "لا توجد حرب مذهبية في اليمن بالمعنى الصحيح، إذ أن المقاتلين مع الشرعية من جميع المذاهب الشافعي والزيدي، وفي المقابل كذلك فان المقاتلين مع الحوثي من المذهبين أيضاً".
ويرفع الحوثيون وعناصرهم ومؤيدوهم في المناطق التي يسيطرون عليها شعار قتال تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، ومن يسمونهم بالمرتزقة والاحتلال الخارجي، فيما ترفع بعض وحدات القوات الحكومية شعارات "قتال الروافض والمجوس"، في إشارة إلى العقيدة الإثني عشرية التي يتهم الحوثيين باعتناقها أو موالاتها كونها المذهب الرئيس لإيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن أبو عوجاء استدرك بأن شعارات الطائفية ترفع ضمن محاولات التعبئة والتحشيد، والتي تتم تحت هذه المسميات ليتم الفرز على أساس ذلك، على الرغم من أن الحرب اليمنية سياسية على السلطة والثروة والنفوذ والهيمنة والاحتكار.
الدين كوسيلة إلى السلطة
من زاوية أخرى، يرى محمد جميح ممثل اليمن في منظمة اليونيسكو، أن الحرب الدائرة حالياً في اليمن لها مستويات عدة، فبينما هناك من يوظف التحشيد المذهبي والسلالي للوصول للسلطة والثروة، وهي الهدف الحقيقي للصراع وجوهره المتمثل في الوصول لمآربه السياسية، يعبئ الأتباع تحت لافتة الولاء الطائفي ورفع شعارات الولاية.
وقال "إن البعد الطائفي والمناطقي يحضر في التحشيد للحرب، ولكن الغاية النهائية هي غاية سياسية في المقام الأول، تتمثل في الاستحواذ على السلطة والثروة"، لافتاً إلى أن قيادات الحوثيين تخبئ نواياها السياسية تحت غطاء ديني لغرض التحشيد للحرب التي يذهب ضحيتها الأتباع، ويستفيد منها أمراء الحروب.
وفيما يؤكد أن اليمني بطبعه شخصية بسيطة وغير معقدة، لا يتعمق في الأبعاد الأيديولوجية التي تحاول بعض الأطراف حقنه بها، فإنه يشير إلى أن اليمني مع ذلك "ذكي ويعرف كيف يتعامل مع واقعه، إذ مع استعار وتيرة الحرب وما تسببه من تمزق في النسيج الاجتماعي، إلا أن اليمنيين سيتلمسون طريقهم للخروج من دوائرها القاتلة، ومخلفاتها المدمرة بعد انتهائها".
البداية بتخفيف الخطاب الديني
بما أن الصراع الحالي حتى وإن تم تغليفه بغلاف مذهبي طائفي فإنه يبقى من أجل أهداف ومآرب سياسية للوصول إلى السلطة، فإن الباحثين يرون أنه بات من الضرورة أخذ تجارب الأمم من حول اليمن، "بخاصة تلك التي وظفت الدين لأهداف سياسية، وما آلت إلية الأوضاع في بلدانهم، فما اقترن الدين والمذهب بحرب إلا استمرت وطال أمدها، ولن يجد لها مسعروها نهاية".
وبحسب تأصيل الشجاع، فإن "الدولة الوطنية هي التي استطاعت أن تخلق التعايش بين الأوروبيين على الرغم من تعدد الإثنيات واللغات والديانات، فالمواطنة المتساوية هي التي توزع فائض القوة السياسية عن طريق الديمقراطية وتوزع فائض القوة الاقتصادية من طريق العدالة، لهذا فالدولة الوطنية هي التي تنزع فتيل الصراعات وتهذبها".
أما جميح فيرجح ضرورة الاتفاق على أن الوصول إلى السلطة لا يكون إلا عبر صناديق الاقتراع، لتخفيف حدة الخطابات العصبوية مناطقياً وطائفياً، لأن هذه الخطابات لا تحضر أساساً إلا للوصول للسلطة.
وقال، "إذا ضمنا أن الصندوق هو السبيل الوحيد لذلك، فإن المكونات المختلفة ستركز على برامج عمل سياسية وخدمية في خطاباتها بدلاً من التركيز على الخطاب المذهبي الذي يمزق الناس إلى معسكرين، ويستدعي حروب المسلمين القديمة ليسقطها على الواقع اليوم".
التعايش المذهبي
ومن وجهة نظر أبو عوجاء فانه يمكن تحقيق التعايش المذهبي بين اليمنيين من خلال نبذ ورفض أي محاولات بعض المتطرفين مذهبياً الذين يكفرون الآخر ولا يقبلون التعايش، وهم عدد قليل جداً من الطرفين.
وشدد على ضرورة إشاعة الوسطية والاعتدال والتسامح والتصالح والتعايش بين الجميع والقبول بالآخر، بحيث يصبح لكل شخص معتقده المذهبي، ولا يجوز إجبار الآخرين على اتباع مذهبه ولا فكره بالقوة من دون تكفير أو تشهير، إضافة إلى ضبط الخطاب الاعلامي ومنع استغلال المساجد والفعاليات للتحريض.
وفي الدين الاسلامي يؤكد أبو عوجاء أن المذاهب عبارة عن اجتهادات قدمها أئمة تلك المذاهب من غير ادعائهم لأي قدسية لاجتهاداتهم، أما المذهبية فتتمثل بالتعصب لتلك المذاهب وتحويلها من اجتهادات في إطار ديانة واحدة إلى ما يشبه الديانات، بحيث يُخطئ أتباع كل مذهب غيرهم من أتباع المذاهب الأخرى ويعتبرونهم على ضلال.
وينقسم المسلمون في اليمن إلى مجموعتين رئيستين، هما السنة الشافعية والزيدية، وعلى الرغم من عدم وجود إحصاء رسمي دقيق عن نسبة الزيدية في اليمن، إلا أن دراسة حول "الزيدية .. بداياتها وانتشارها وتحولاتها"، أشارت إلى أنهم يشكلون حوالى 30 إلى 35 في المئة من سكان اليمن الموحد، وذلك كون الزيديين يتركزون في المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي مثل صنعاء وصعدة وحجة وذمار، بينما ينتشر السنة الشافعية في المحافظات الوسطى والجنوبية، مثل تعز وإب والحديدة ومأرب وعدن وحضرموت، بل الجنوب بأكمله.