دقّ حادث تفجير بوابة أمنية في مدينة سبها، أكبر مدن الجنوب الليبي، ناقوس الخطر حول ما يجري في البلاد أخيراً، وتردي الأوضاع الأمنية والسياسية من جديد، بعد فترة من التفاؤل تلت انتخاب السلطات التنفيذية بداية العام الحالي.
وأثار الحادث الإرهابي، الذي تبنّاه تنظيم "داعش" وأودى بحياة شخصين، نقاشات واسعة حول المرحلة المقبلة في ليبيا التي تسبق الانتخابات العامة، المقرر إجراؤها بعد ستة أشهر، وتأثير التطورات السياسية والأمنية المقلقة في موعد هذا الاستحقاق المرتقب.
وطالبت مصادر محلية ودولية عدة بتسريع أعمال اللجنة العسكرية (5 + 5)، التي يفترض أن ينتج منها توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية، بما يُسهم في تعزيز الأمن واستعادة الاستقرار، قبل أن تنفجر الأوضاع مجدداً، خصوصاً بعد صفارة الإنذار الخطيرة التي أطلقت من سبها.
"داعش" يتبنّى الهجوم
ولم يمضِ وقت طويل على تفجير بوابة أمنية في مدينة سبها بسيارة مفخخة، حتى أصدرت وكالة "أعماق"، الذراع الإعلامية لـ"داعش"، بياناً أعلنت فيه مسؤولية التنظيم عن الهجوم الإرهابي، ضد من سمّتهم "طواغيت حفتر".
وكشف البيان عن تفاصيل تنفيذ الهجوم على البوابة الأمنية، قائلاً إن شخصاً يُدعى "محمد المهاجر انطلق بسيارته المفخخة نحو حاجز تفتيش في منطقة مازق شمال مدينة سبها، وبعد أن توسّط عناصر النقطة الأمنية وآلياتهم، فجّر سيارته المفخخة، مما أسفر عن مقتل أشخاص عدة، بينهم ضابط يشغل منصب رئيس فرع البحث الجنائي، وضابط آخر يشغل منصب رئيس الشؤون الإدارية للفرع، إضافة إلى إصابة آخرين، وتدمير ثلاث آليات وإلحاق دمار كبير في موقع التفجير".
وعقب الحادثة، التي قوبلت بإدانة محلية ودولية واسعة، قرر المجلس الرئاسي الليبي تشكيل لجنة يرأسها وزير الداخلية وبعضوية رئيس جهاز الاستخبارات العامة ومنسق مكتب مكافحة الإرهاب، بهدف جمع المعلومات والكشف عن المتورطين وملاحقتهم وتقديمهم إلى العدالة وتوفير الدعم اللازم والحاجات العاجلة للأجهزة الأمنية في الجنوب ووضع الآليات والخطط لمكافحة الإرهاب في كل مناطق ليبيا.
واعتبر رئيس المجلس محمد المنفي أن "الحادثة التي وقعت في سبها مؤشر خطير، تؤكد مرة أخرى الحاجة الملحة لتسريع عملية المصالحة وإتمام الاتفاقات السياسية والعسكرية وتوحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية لمواجهة الأخطار التي تهدد أمن البلاد".
من جانبها، دانت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الليبي التفجير، ودعت في بيان الحكومة إلى القيام بواجباتها نحو الجنوب وتأمينه ضد العمليات الإجرامية والإرهابية. وقال رئيس اللجنة يوسف العقوري، "الاستقرار في ليبيا مرهون بخروج القوات الأجنبية وإجلاء عناصر المرتزقة".
وأضاف في تصريح صحافي، "الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، تمثّل نقطة مهمة لاستعادة الدولة الليبية استقرارها، كما يجب الاتفاق على قاعدة دستورية توافقية وتأمين لجان الانتخابات بواسطة قوات نظامية، والحرص على ضمان نزاهة العملية الانتخابية وتهيئة المناخ للمصالحة الوطنية، تمهيداً لإجراء الانتخابات بما يضمن نجاحها، وأن يثق كل ناخب بأنه منح صوته لمن يستحقه".
تحذيرات من تفاقم الوضع
في السياق ذاته، أطلق مدير أمن سبها العميد صالح السنوسي، تحذيراً شديداً من خطورة الأوضاع في الجنوب الليبي، قائلاً إنه "إذا لم يتم تأمين الجنوب وحدوده، فإن الوضع الأمني سيزداد خطورة".
وأكد السنوسي "أهمية السيطرة على المداخل والمخارج الحدودية، خصوصاً في الجنوب، لبسط الأمن داخل ليبيا"، مشيراً إلى أن "السيطرة على الحدود عمل جبار، يحتاج إلى كثير من الإمكانات لكي تتم عملية التأمين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما اعتبر عضو مجلس النواب عن مدينة سبها مصباح دومة، الحادثة "مؤشراً خطيراً يزعزع الأمن الهش أصلًا في المدينة". وتابع في تغريدة على "تويتر"، "الأمن هش في سبها، بسبب تسلل الإرهابيين وانتشار ظاهرة تهريب الوقود والبشر وتجارة المخدرات وحبوب الهلوسة، التي تُعتبر المصدر الرئيس لتمويل الإرهاب، على الرغم من المخاطبات المتكررة للحكومات المتتالية، والتغطية عليها من الجهات الرقابية".
وأضاف، "دولة تصرف المليارات على الداخلية والدفاع ليس لها فريق خبراء يكون حاضراً في تحديد حوادث الانفجارات، وتذهب ضد مجهول مثل سابقاتها، ويستمر الفساد والخراب في البلاد والتغطية عليها".
أما تكتل فزان النيابي الممثل للجنوب، فطالب في بيان السلطات الليبية باتخاذ إجراءات فعلية تكشف عن ملابسات الحادثة وعدم الاكتفاء ببيانات مسكّنة، "وأن لا تكون مثل سابقاتها وتُقيّد ضد مجهول وتُرمى طي النسيان".
وشدد على أنه "يجب على وزارة الداخلية إرسال فرق خاصة إلى مسرح العملية الإرهابية، وإفادتنا بتقرير مفصّل يرفع إلى مجلس النواب، كما نطالب بتغيير كل القيادات العسكرية والأمنية في المنطقة التي فشلت في إرساء الأمن والاستقرار وإحالتهم على التحقيق".
وخلص التكتل إلى أنه "يجب العمل على إرسال قوة من الجيش والشرطة لتأمين المنطقة، وتحميلهم المسؤولية القانونية والأخلاقية في عدم مكافحة تسلل الإرهابين إلى المنطقة، وانتشار تهريب البشر والوقود والمخدرات وظاهرة الحرابة والقتل والسرقة".
تهديد للعملية السياسية
وفي أبرز المواقف الدولية التي علّقت على حادثة التفجير، اعتبرتها البعثة الأممية للدعم في ليبيا والولايات المتحدة الأميركية تذكيراً جديداً بأهمية استكمال العملية السياسية في أسرع وقت.
ووصف المبعوث الأممي في ليبيا يان كوبيتش، الحادثة بـ "التذكير القوي بأن ارتفاع معدل تحركات المجموعات المسلحة والإرهابيين لا يؤدي إلا إلى زيادة مخاطر انعدام الاستقرار والأمن في البلاد والمنطقة".
وأضاف كوبيتش، "نكرر دعواتنا إلى الحاجة الملحة لبدء عملية توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية في ليبيا، من أجل تعزيز أمن الحدود والتصدي لخطر الإرهاب والأنشطة الإجرامية".
بينما اعتبرت السفارة الأميركية في ليبيا الهجوم بأنه دليل على "وجود قوى مصممة على تقويض الاستقرار ووحدة البلاد"، مؤكدة وقوف واشنطن مع "أولئك الملتزمين بناء مستقبل أكثر سلاماً وازدهاراً لليبيا، بما في ذلك من خلال إجراء الانتخابات في ديسمبر، وتوحيد مؤسسات البلاد، ومكافحة الإرهاب، والعمل على التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار".
رسالة تستهدف الانتخابات
وفي تعليقه على الهجوم على بوابة أمنية تابعة له، وصف الجيش الليبي في شرق البلاد، على لسان الناطق باسمه اللواء أحمد المسماري، التفجير الذي وقع في نقطة أمنية بسبها، الأحد، بأنه "رسالة من التنظيمات الإرهابية، مفادها بأن هذا ما سيكون عليه مصير ليبيا لو ذهبتم إلى الانتخابات".
وقال المسماري، "ننتظر نتائج التحقيقات في المنطقة العسكرية سبها حول الحادثة التي تحمل سمات التنظيمات الإرهابية"، مشيراً إلى أن "المنطقة الجنوبية رخوة أمنياً، نظراً إلى إهمالها منذ عام 2011 وسيطرة المجموعات التكفيرية عليها". وأضاف، "المجموعات التكفيرية لديها عدد من المعسكرات في المناطق المفتوحة مع تشاد"، موضحاً أنها "تريد السيطرة على سبها والمنطقة الجنوبية، ولديها موالون في الجنوب يؤمّنون لعناصرها الإعاشة والمواصلات".