كيف لمفردة مهينة أو لفظ مسيء أن يثير نقاشاً حول مقارنات عدم المساواة في توزيع الثروات في العالم، وغياب الحاجات الأساسية عند أقوام أمام الوفرة في الكماليات عند آخرين؟ وكيف يمكننا أن نضمن هذه الحاجات التي لا يمكن الاستغناء عنها مثل الطعام، في ظل نهم الرفاهية المستشري؟
هذا ما فعلته مفردة "كلْ تراب" التي تستخدم في بعض الدول العربية من قبيل الشتيمة، إلا أنها لم تقع في مسامع أحد من قبل كما وقعت على بشاير هوساوي، التي تجاوزت معنى الإهانة إلى البحث عن تفاصيل المفردة، وعما إذا كان هناك من يأكلون التراب فعلاً، وهذا ما حصل.
فطائر الطين
تقول الهوساوي، وهي فنانة سعودية شابة، إنها بعد بحثها عن مدى دقة المفردة الشائعة في مجتمعها في قوائم السِباب والشتائم، وجدت فعلاً أن هناك سكان في دولة هايتي الفقيرة يملؤون بطونهم بالفطائر التي يتم خبزها من التراب المبلل بالماء ومن ثم تجفيفها تحت الشمس.
يجلب السكان المحليون التراب من الجبال الرملية المجاورة ومن ثم يصنعون فطائرهم، وقد يضيفون عليه بعض النكهات مثل الملح أو الزيت بحسب توافره، ومن ثم يترك تحت حرارة الشمس، لتمتلئ به بعد ذلك بطون خاوية بالشبع الوهمي، وما هو إلا الحجارة والتراب.
لم تتوقف غرابة القصة عند هذا الحد، إذ تشير الفنانة السعودية إلى أنها أثناء البحث وجدت أن التراب المعجون تحول إلى صناعة كبيرة في الدولة الفقيرة، فالوجبة الأكثر توفراً في هايتي "صار لها رواد وصانعون يحتكرونها ويبيعونها بدولار أو دولارين، بحسب النكهات المضافة".
وأضافت، "هذه الفطائر تصنع بشكل دائري، تشبه إلى حد كبير شكل الدوائر الخضراء في الصين، لكتل الشاي المجفف الذي يرمز للترف والرفاهية، وهو الذي يتم تناوله وبيعه في الدولة الآسيوية من جانب الأغنياء لارتفاع سعره وندرته"، وكان هذا وجه مقارنة بالنسبة لها، "وهنا تبرز حالة عدم المساواة والطبقية في العالم بين دوائر الطين التي تعتبر وجبة أساسية، ودوائر الشاي الوفيرة والمكلفة في مكان آخر من العالم".
هذه الأسئلة والمقارنات دفعت بهوساوي إلى الشروع في عملها تحت عنوان "كل تراب" لتقديم المفردة خارج سياقها المتداول عربياً، إلى سياقات أكثر موضوعية تتناول ثنائية الندرة والوفرة في العالم وعدم التوازن في توفير الحاجات الأساسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الأسئلة التي أثيرت لدى الفنانة السعودية الشابة قبل العمل، أثيرت بعد عرضه لدى مرتادي معرض "تلاشي الحدود" الذي نظمه معهد مسك للفنون لعدد من الأعمال التي احتضنها في ورش تطوير خلال الأشهر الماضية، وكانت المائدتين الخضراء والرملية الصفراء مثيرتان للنقاش لكل من وصلتهم رسائل المقارنة.
إقامة مسك
هذا العمل لم يكن وحيداً، إذ يتم عرضه مع عدد من الأعمال الشابة الأخرى في معرض يقام في الرياض من تنظيم معهد مسك للفنون التابع لمؤسسة مسك الخيرية، ختاماً لنشاط نظمته طيلة الأشهر الماضية تحت اسم "إقامة مسك للفنون".
ومشروع الإقامة الفنية الذي تنفذه في الرياض، هو برنامج تعرفه المؤسسة بأنه "معد لتنمية قطاع الفن من خلال توفير الفرص والمساحات التي تساعد في تسهيل الخطاب والبحوث والتجارب حول المواضيع التي تهم المجتمع المحلي".
وامتد البرنامج لـثلاثة أشهر، سعى من خلالها إلى إنشاء مجتمع تعاوني من طريق تشجيع الفنانين المقيمين على التفاعل مع المحترفين وعامة المجتمع، بتوفير مساحات عمل وفرص استشارة وسكن لمن هم خارج العاصمة السعودية لتكثيف الجهد والخروج بالأعمال التسعة المعروضة.