يواجه المتسوقون نقصاً في البضائع هذا الصيف مع الفتح السريع للاقتصاد وبدء الأسر في إنفاق الأموال التي ادخرتها أثناء انتشار الجائحة، في حين تواجه الشركات مجموعة من المشاكل التي تتعلق باستيراد البضائع.
ومن بين السلع التي يتوقع الخبراء أن تعاني نقصاً في الإمدادات تلك التي تشهد طلباً كبيراً مثل أثاث الحدائق وسلال النزهات ومعدات التخييم.
لكن لماذا يواجه تجار التجزئة صعوبة كهذه على وجه التحديد، وما الذي قد يعنيه ذلك للأسر العادية؟
تعود المجموعة الأولى والأكثر وضوحاً من المسألة إلى الجائحة.
فكثير من البضائع المصنعة المنتجة في الصين وأماكن أخرى في آسيا تشهد تأخيرات في الشحن. وهبط الطلب العالمي على السلع بمعدل سريع غير مسبوق العام الماضي مع دخول أغلب بلدان العالم في إغلاقات.
وهذا العام، ارتفع الطلب في شكل حاد مماثل تقريباً، وعانى المصنعون من أجل زيادة المعروض بسرعة كافية، الأمر الذي أدى إلى اختناقات في سلاسل الإمداد الدولية.
وكانت رقائق الكمبيوتر ومواد البناء من بين أوائل البضائع التي عرفت ارتفاعاً سريعاً في الأسعار مع توقع استمرار النقص حتى العام المقبل. وبدأ بعض كبار المشترين في تخزين مكونات حيوية تحسباً للنقص في المستقبل، الأمر الذي أدى إلى تفاقم المشاكل.
وبدأ النقص هذا بالوصول إلى البضائع الاستهلاكية، مع رفع تجار مواد البناء ومخازن تبيع مكونات تستخدم في الأشياء الذاتية الصنع [الصناعة اليدوية] أسعار الأخشاب وعجز شركات الأجهزة الإلكترونية عن مواكبة الطلب الهائل. وكان مخزون "بلاي ستايشن 5" من "سوني" يمتلأ ويفرغ طوال العام مع شراء المشترين كل دفعة من وحدة الألعاب الشهيرة في غضون دقائق.
وأُعِيد بيع كثير منها بسرعة بأسعار باهظة على "إي باي" و"غومتري" وغيرهما من المواقع الإلكترونية. وفي المنتديات عبر الإنترنت وتطبيقات المراسلة مثل "ديسكورد"، يراكم التجار الآن ثروات صغيرة من خلال شرائهم بطاقات الرسوم ووحدات التحكم وغيرها من البنود التي تحظى بطلب مرتفع وتعاني من عرض قصير وبيعهم إياها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتباطأت طرق الشحن بسبب إجراءات السلامة الخاصة بكوفيد في الموانئ وتأخر الأعمال بسبب انسداد قناة السويس في وقت سابق من العام. وتشتد المنافسة على مساحات في حاويات الشحن التي تنقل قسماً كبيراً من المنتجات العالمية وترتفع الأسعار.
ويضاف إلى هذه التحديات مجتمعة "بريكست" الذي فرض على الشركات عبئاً إضافياً كبيراً من الأعمال الورقية هذا العام. ومن المقرر أن تتفاقم المشاكل مع فرض ضوابط جمركية كاملة على مراحل في الأشهر المقبلة.
وقال داران ماجور، الذي يشتري نباتات لمركز مستقل كبير للحدائق في هرتفوردشاير، إن المزارعين وشركات الشحن البري وسائر الأطراف في سلسلة الإمداد يعملون بلا كلل لضمان حصول تحول سلس.
وأضاف: "قبل بريكست، كانت واردات النباتات من الاتحاد الأوروبي تصل مباشرة وبسلاسة إذ بدا الجميع في تناغم تام.
"والآن صارت الشركات ملزمة بإجراء مزيد من المعاملات الإدارية في كل شحنة.
"يجب إصدار جوازات سفر للنباتات وشهادات صحة نباتية لكل نبتة. ومن الواضح أن هذا انطوى على عواقب ضخمة في ما يتصل بالتكاليف وأوقات تحويل الطلبات.
"إن المسألة الوحيدة حقاً هي الأوراق الإضافية [المعاملات البيروقراطية]. وهذا أمر لا مفر منه الآن، وعلى الرغم من أنه قد يساعد في ضمان دخول النباتات الصحية والمستدامة إلى المملكة المتحدة فقط، يعني ضمناً تكاليف إضافية، وسيتحملها المستخدم النهائي في نهاية المطاف".
وأظهر استطلاع أجرته "هولاج إكستشينج"، وهي شركة توفر التكنولوجيا لقطاع الخدمات اللوجستية، أن 94 في المئة من شركات النقل في المملكة المتحدة تأثرت سلباً بـ"بريكست". وخسر أكثر من ثلثي شركات النقل البري البريطانية أعمالاً بينما أفاد 31 في المئة منها بأنها قد تتوقف عن العمل مع عملاء المواد الغذائية والمشروبات بسبب تغييرات القواعد منذ أن غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي.
وأشار استطلاع مستقل أجرته منصة "كلير ناو" للتخليص الجمركي إلى أن نحو 60 في المئة من الموردين البريطانيين واجهوا تأخيرات في الاستيراد الشهر الماضي.
وقال الرئيس التنفيذي لـ"كلير ناو"، سام تياجي: "مع ارتفاع المنافسة على مساحات في الحاويات، لا تتمكن ببساطة بعض الشركات الصغيرة من أن تتحمل الأسعار المرتفعة فلا تحصل على البضائع والمواد التي تحتاج إليها.
"لقد عالجنا أكثر من 100 ألف وثيقة جمركية في المملكة المتحدة منذ يناير (كانون الثاني) ونتحدث إلى العديد من الشركات بريطانيا كل يوم. والكلمة الوحيدة التي نواصل سماعها هي الفوضى. فالشركات في المملكة المتحدة تواجه بالفعل مجموعة متزايدة من تحديات سلسلة الإمداد، ولن تزداد الأمور إلا سوءاً".
وبالنسبة إلى المتسوقين، يعني ذلك أن ارتفاع أسعار العديد من السلع من المرجح أن يستمر لبعض الوقت. فقد بدأ المستهلكون في التحول في شكل متزايد إلى مواقع التأجير الإلكترونية ومنصات السلع المستعملة.
فقد شهدت شركة "شبوك" للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت زيادة بنسبة 157 في المئة في مبيعات البنود المخصصة للمنازل والحدائق في الفصل الثاني من العام.
وقالت مديرة العلامات التجارية في "شبوك"، إييشا تشيما-برادشو، إن نقص عرض الضروريات الخاصة بالمنازل والحدائق عنى أن الوقت كان مناسباً للانتقال إلى منصات السلع المستعملة.
وقالت: "لاحظنا زيادة حادة في مبيعات البنود الخاصة بالحدائق مع تطلع المشترين إلى منصات ذات إمدادات وفيرة من البنود العالية الجودة".
وفي حين أن العديد من المشاكل الحالية مؤقتة، ومن المتوقع أن تُحَل مع السيطرة على الفيروس، تُعَد مشاكل أخرى مدمجة في النظام وقد تحتاج إلى إعادة نظر في عالم ما بعد كوفيد.
ولعقود من الزمن، تبنت الشركات أساليب العمل "في الوقت المناسب"، فلم تحتفظ سوى بأقل عدد من القطع والمخزونات المطلوبة حتى تتمكن من توفير تكاليف التخزين وغيرها من التكاليف.
وعلى الرغم من أن هذا النهج يسمح لها بأن تكون رشيقة [سريعة الأداء]، هو يعني أيضاً قدرة أقل كثيراً على استيعاب الصدمات غير المتوقعة، يقوض إلى حد كبير نظام عملها.
فانخفاض المخزون يعني أن العجز يخلف أثراً أعظم بسرعة أكبر وأن ارتفاع الأسعار عرضة أكثر إلى الانقطاع الحاد عندما يحدث خطأ ما في سلسلة الإمداد.
هل سيتغير ذلك بعد كوفيد؟ قد يزعم البعض أن بعض الزخم قد يتوفر لبناء قدر أعظم من المرونة في النظام.
لكن الحوافز التي تحرك الشركات تظل منحرفة نحو العوائد القريبة الأجل لصالح المساهمين. ويُكافأ كبار المسؤولين التنفيذيين بسخاء لتعزيز سعر السهم وتسليم الأرباح؛ وهناك مكافآت مالية أقل كثيراً تُقدَّم في مقابل بناء المرونة وتعزيز القدرات في الأجل البعيد.
© The Independent