في الوقت الذي تترقب فيه السوق المصرية مصير أسعار الفائدة خلال اجتماع يعقده البنك المركزي المصري نهاية الأسبوع المقبل، رجح محللون أن يتسبب ارتفاع معدلات التضخم في التأثير على قرارات لجنة السياسة النقدية، ووقف دورة التيسير النقدي والاتجاه إلى تحريك أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم.
ووفق البيانات الرسمية، ارتفع التضخم السنوي العام في المدن المصرية خلال مايو (أيار) الماضي، مدفوعاً بزيادة أسعار الطعام والشراب والتأثير غير المواتي لسنة الأساس، إضافة إلى القفزة في أسعار السلع العالمية.
حيث أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفاع التضخم في المدن إلى 4.8 في المئة خلال مايو الماضي مقابل نحو 4.1 في المئة خلال أبريل (نيسان) السابق، بينما صعد التضخم في إجمالي الجمهورية إلى 4.9 في المئة، مقارنة بنحو 4.4 في المئة في أبريل الماضي. ومعدل التضخم الأساس المعلن من قبل البنك المركزي المصري لا يتضمن السلع التي تحدد أسعارها إدارياً، إضافة إلى بعض السلع التي تتأثر بصدمات العرض والطلب المؤقتة.
ارتفاع يتماشى مع التوقعات
يأتي هذا رغم تراجع التضخم على أساس شهري، إذ ارتفعت الأسعار في المدن بنسبة 0.7 في المئة خلال مايو مقارنة بنحو 0.9 في المئة خلال أبريل.
وفق البيانات، ارتفعت أسعار الغذاء على أساس سنوي وشهري، حيث ارتفع مؤشر فرعي يقيس التغيير في أسعار الطعام والمشروبات بنسبة 0.3 في المئة على أساس سنوي مقارنة بالأرقام الخاصة بشهر مايو من عام 2020، و1.2 في المئة مقارنة بأبريل الماضي. وشهدت بعض السلع والخدمات الأخرى مثل التعليم والرعاية الصحية والمرافق (المسكن والمياه والكهرباء والغاز) ارتفاعاً على أساس سنوي في أنحاء البلاد، لكنها ظلت دون تغيير تقريباً عن أبريل.
وفي مذكرة بحثية حديثة، قالت رئيسة قطاع البحوث بشركة "فاروس" القابضة رضوى السويفي، إن "الارتفاع يتماشى مع التوقعات، بخاصة في ظل زيادة أسعار الطعام والشراب وتأثير سنة الأساس في الأرقام، وهو ما يؤكد أن الأسعار ستواصل الصعود خلال الفترة المقبلة". وأضافت، "ارتفاع الأسعار يرجع إلى صعودها عالمياً وزيادة تكلفة الإنتاج، وهو ما سيؤدي إلى لجوء الشركات لزيادة أسعار منتجاتها". فيما قالت وحدة بحوث الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية "هيرميس"، "إن قراءة التضخم جاءت متوافقة تماماً مع التوقعات".
وظلت الضغوط التضخمية ضعيفة منذ بداية العام، متجاهلة القفزة في أسعار السلع العالمية التي بدأت نهاية العام الماضي، التي طالت كل شيء من المواد الغذائية إلى الطاقة والمعادن الأساسية، لكنها استغرقت بعض الوقت حتى تمتد آثارها بشكل محلي. وسجل التضخم السنوي العام في المدن المصرية تراجعاً على عكس التوقعات في أبريل إلى 4.1 في المئة، بعد أن استقر تقريباً عند مستوى 4.5 في المئة خلال مارس، مقارنة بفبراير (شباط)، وانخفض التضخم أيضاً في يناير (كانون الثاني) إلى أدنى مستوى منذ سبتمبر (أيلول) الماضي.
الحفاظ على جاذبية تجارة الفائدة
ومن المقرر أن تجتمع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، الخميس المقبل، للنظر في أسعار الفائدة. وأبقى البنك المركزي المصري خلال اجتماع مايو الماضي على أسعار الفائدة دون تغيير للمرة الرابعة على التوالي، إذ يستهدف صناع السياسة النقدية الحفاظ على جاذبية تجارة الفائدة في مصر، التي تعد من بين الأفضل في هذا الجانب على مستوى العالم، إضافة إلى التوقعات بارتفاع معدل التضخم.
وأمس، قال "دويتشه بنك"، في تقرير حديث، إنه رغم ارتفاع معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي نتيجة صدمة جائحة كورونا العالمية، فإنه متفائل بالأوضاع المالية والخارجية للبلاد. وأرجع ذلك إلى أن العجز المزدوج في الموازنة والحساب الجاري قد ينخفض عن معدلات ما قبل الجائحة خلال العام المالي المقبل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "نؤمن أن التحسن في أساسيات الاقتصاد الكلي لم تعكسه السوق بشكل كامل على التسعير، وهناك مجال لمزيد من الانكماش في هامش العائد، خصوصاً في الآجال الطويلة". وقال إن ثمة نقطة تستحق إلقاء الضوء عليها، وهي أن معدل مراكمة الاحتياطيات والميزان الأولي تجاوز أهداف صندوق النقد الدولي. وأضاف، "الأكثر من ذلك وفقاً للصندوق فإن كل المعايير الهيكلية تم الوفاء بها بما في ذلك التقدم في الإصلاحات".
وذكر التقرير، "أن الأوضاع المالية قد تشهد تحسناً هيكلياً العام المالي المقبل، بداية من تحقيق البلاد فائضاً أولياً متوقعاً بنسبة 1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الحالي، على أن يرتفع إلى 2 في المئة خلال العامين الماليين (2021 – 2022) و(2022 -2023)".
وذكر التقرير أن هناك سبباً ثالثاً يدفعه لتوقع تحسن الوضع المالي العام في مصر، وهو اقتراب الانضمام لمؤشر "جي بي مورغان" للأسواق الناشئة، وقابلية تسوية أوراق الدين المحلي عبر منصة "يوروكلير"، والإصلاح المؤسسي الذي يسمح للبنك المركزي بقبول السندات كضمان للإقراض للبنوك المحلية.
ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع
كانت وحدة البحوث في "بلتون" المالية القابضة، توقعت أن يبقي البنك المركزي المصري على أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل. وقالت في مذكرة بحثية، إن التطور على مستوى التضخم يحفز خفض أسعار الفائدة مع استقرار قراءة التضخم العام في النطاق المستهدف من قبل البنك المركزي المصري 7 في المئة (+/-2 في المئة) في المتوسط بحلول الربع الرابع من 2022.
وذكرت أنه مع استقرار أسعار السلع الغذائية على أساس شهري بعد التراجع الذي شهدته خلال الأشهر الماضية، الذي تزامن مع ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع العالمية فضلاً عن ارتفاع أسعار البترول، فمن المتوقع أن يتم الإبقاء على أسعار الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل 17 يونيو (حزيران) الحالي.
وشددت "بلتون" على الحاجة للحفاظ على جاذبية الاستثمار في سوق أدوات الدخل الثابت، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الفائدة عالمياً، التي تشكل ضغطاً على التدفقات الخاصة بالأسواق الناشئة، مما يدعم توقع تثبيت أسعار الفائدة. فيما رجحت ارتفاع قراءة التضخم العام في الربعين الثاني والثالث من 2021، حيث بدأ ارتفاع الأسعار العالمية للسلع في الظهور تدريجياً في السوق المحلية.
تثبيت أسعار الفائدة
وخلال الاجتماع الأخير، قررت لجنة السياسة النقدية الإبقاء على أسعار الفائدة في مصر بنفس معدلاتها. وقال البنك المركزي، إنه تقرر الإبقاء على سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة الواحدة وسعر العملية الرئيسة للمركزي عند مستويات 8.25 و9.25 و8.75 في المئة على الترتيب. كما تقرر كذلك تثبيت سعر الائتمان والخصم عند مستوى 8.75 في المئة.
وأشار إلى أن لجنة السياسة النقدية ترى أن أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي تعد مناسبة في الوقت الحالي وتتسق مع تحقيق معدل التضخم المستهدف والبالغ 7 في المئة (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، ومع مستهدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
وأوضحت اللجنة، أن المعدل السنوي للتضخم العام في الحضر انخفض إلى 5.4 في المئة خلال ديسمبر (كانون الأول) 2020 من 5.7 في المئة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، مدفوعاً بشكل أساس بانخفاض أسعار الخضراوات الطازجة.
وذكرت أن قرارها بتثبيت أسعار الفائدة، يرجع إلى كل من النمط الموسمي لأسعار الخضراوات الطازجة، إضافة إلى التلاشي الجزئي لصدمة العرض التي شهدتها أسعار الطماطم في نوفمبر الماضي. كما انخفض المعدل السنوي للتضخم الأساس إلى 3.8 في المئة خلال ديسمبر 2020، مقابل 4 في المئة خلال نوفمبر الماضي. وبناء على ذلك، سجل التضخم العام السنوي في الحضر معدلاً متوسطاً قدره 5.2 في المئة خلال الربع الرابع من عام 2020، وهو أقل من الحد الأدنى للنطاق المستهدف والبالغ 6 في المئة والمعلن في عام 2018.
وقالت اللجنة، إن الانحراف عن النطاق المستهدف يرجع إلى كل من أثر انتشار جائحة كورونا والإجراءات الاحترازية المصاحبة لها على النشاط الاقتصادي، إضافة إلى اتخاذ الحكومة المصرية عدة إجراءات لتجنب أي نقص ناتج عن المعروض من السلع في السوق، وهو ما أسهم أيضاً في خفض معدلات التضخم. وذكرت أنه وبالنظر إلى توازنات المخاطر، فقد اتخذ المركزي المصري عدة إجراءات بشكل استباقي من أجل دعم النشاط الاقتصادي بما يتسق مع تحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.