تتوالى الزيارات التي تقوم بها مختلف الأطراف السياسية اليمنية إلى روسيا فيما يشبه بحث كل منهم عن المفقود في سلسلة الملف الوطني المعقد والمتداخل وفقاً لوجهة نظر كل طرف ومصالحه.
وشهد موسم الهجرة إلى موسكو زيارات متتابعة لتيارات سياسية شتى آخرها المباحثات التي يجريها قائد "المقاومة الوطنية" طارق عبدالله صالح (نجل شقيق الرئيس السابق) مع المسؤولين الروس خلال الزيارة التي تستمر عدة أيام.
وتأتي زيارة طارق صالح التي التقى خلالها نائب وزير الخارجية الروسي، عقب أيام من زيارة قام بها وزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك إلى مدينة سوتشي التقى خلالها نظيره الروسي، سيرغي لافروف في إطار المساعي الحكومية لإيجاد "دور روسي أكبر" لخلق قناة ضغط جديدة تجبر الحوثيين على الرضوخ لدعوات السلام الدولية المتنامية، عطفاً على العلاقة الجيدة التي تربط موسكو بطهران الداعم الرئيس للميليشيات.
ولم يكشف بعد عن أهداف الزيارة، خصوصاً وأن نجل شقيق صالح لا يحمل صفة رسمية، إلا أنه (أي طارق) اكتفى خلال تغريدة في صفحته على "تويتر" بالإشارة إلى أنه وصل إلى "العاصمة الروسية موسكو مع وفد من المكتب السياسي للمقاومة الوطنية"، دون الإدلاء بالمزيد من التفاصيل عن طبيعة الزيارة وأهدافها. ثم الإشادة في تغريدة أخرى بلقائه بنائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشنن، ووصف اللقاء معه بأنه كان "مثمراً وخلاقاً".
وضم الوفد ثلاثة أشخاص آخرين إلى جانب طارق صالح وهم: البرلماني ناصر باجيل، والعميد عبد الجبار زحزوح، وحامد غالب مسؤول العلاقات الخارجية في المكتب السياسي.
رؤية موسكو
في استيضاح لطبيعة الزيارة، يقول، ناصر باجيل، البرلماني اليمني، وعضو وفد "المقاومة الوطنية" إن الزيارة تأتي تعبيراً عن جهود المقاومة الوطنية في توسيع علاقاتها الخارجية انتصاراً للقضية اليمنية وآمال اليمنيين وتطلعاتهم في الخروج من وطأة الحرب المدمرة التي فُرضت عليهم على مدى أكثر من 6 سنوات منصرمة، "عبر بوابة الحل السلمي العادل والشامل وغير المنقوص".
استنتاجاً لما وجدوه لدى الجانب الروسي أوضح باجيل لمس الوفد اليمني "رغبة جادة في مساعدة اليمنيين لمواجهة أزماتهم والخروج من دوامة الحروب".
— طارق محمد صالح (@tarikyemen) June 11, 2021
وكشف عن العديد من الرؤى التي لدى موسكو، والتي من شأنها الإسهام في دعم وتعزيز فرص السلام في اليمن انطلاقاً من علاقاتها الجيدة مع كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية (في إشارة لإيران وحلفائها الحوثيين) وسط تفهم لمطالب اليمنيين المتضررين من الحرب، ومن الانقلاب على الدولة.
كما كشف عن موقف روسيا من العقوبات الدولية ضد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح ونجله أحمد. وقال إن موسكو تقف ضد هذه العقوبات منذ البداية وتتطابق رؤيتنا مع رؤيتها من أن العقوبات تحولت إلى معرقل حقيقي للتسوية السياسية في اليمن.
خريطة طريق
أما عن تصورهم للحل في اليمن، فأوضح البرلماني اليمني أن قائد المقاومة الوطنية ورئيس مكتبها السياسي قدم ما يمكن تسميته خريطة طريق مكتملة للحل في اليمن، وذلك عند إعلان إشهار المكتب السياسي. وتتضمن الرؤية وقفاً شاملاً لإطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى، وحلاً أمنياً وسياسياً متزامناً، ومرحلة انتقالية قصيرة تعقبها انتخابات رئاسية ونيابية ومحلية يحدد فيها الشعب خياراته عبر صناديق الاقتراع.
واختتم بالإشارة إلى موقفهم من المبادرات الإقليمية والدولية إزاء وقف إطلاق النار في اليمن و"تأييدهم لها وعلى رأسها مبادرة المملكة العربية السعودية الأخيرة، ونرى أن الحوثيين، كما شاهد العالم، أخيراً، هم الطرف الوحيد الرافض للحل السياسي في اليمن".
ونقلت وكالة "2 ديسمبر" الناطقة باسم قوات "المقاومة الوطنية" عن نائب وزير الخارجية الروسي قوله، إن موسكو تبذل جهوداً مستمرة لإنهاء الحرب في اليمن ودعوة كافة الأطراف اليمنية للجلوس إلى طاولة مفاوضات تفضي إلى وقف الحرب وإنهاء معاناة الشعب اليمني.
وفي مارس (آذار) أعلنت قوات "المقاومة الوطنية"، عن تأسيس مكتب سياسي لها برئاسة العميد طارق محمد صالح يضم مختلف تشكيلات المقاومة التي يقودها طارق صالح، وعدداً من الألوية العسكرية، وتتمركز في عدد من المديريات التابعة لمحافظتي تعز والحديدة على امتداد الساحل الغربي لليمن، في مسعى اعتبره مراقبون خطوة استباقية للمشاركة في تسوية المحاصصة السياسية في البلاد مستقبلاً.
استكشاف روسي
وسبق لروسيا أن استقبلت في الأشهر الماضية وفوداً من الائتلاف الوطني الجنوبي والمجلس الانتقالي الجنوبي، وزيارة منفصلة للرئيس الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمد (المقيم ما بين بيروت والقاهرة) لم يكشف عن طبيعة كل منها، إلا أن مراقبين اعتبروها خطوات استكشافية تحضيراً لدور روسي محتمل في ملف التسوية السياسية المقبلة عقب إخفاق الولايات المتحدة في فرض وقف إطلاق النار والدفع بطرفي الصراع إلى طاولة المفاوضات السياسية ووضع حد لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
وقال مصدر حكومي يمني، إن الدور الأميركي في الفترة الماضية كان ضبابياً، وبالتالي اتجهت أطراف يمنية نحو موسكو أملاً في دور روسي يضغط على طهران نظراً للعلاقة التي تربطهما.
واستدل المصدر الذي فضل عدم الكشف عن هويته، بالزيارات التي شهدتها الأشهر الماضية لكل من الرئيس الأسبق علي ناصر محمد، ثم قادة المجلس الانتقالي الجنوبي (المطالب بفصل جنوب اليمن عن شماله) ثم نائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية، الشيخ أحمد صالح العيسي، ثم وزير الخارجية ابن مبارك، واليوم طارق صالح، وهو ما يؤكد أن الروس يضطلعون بدور جديد إزاء الملف اليمني كونهم في مرحلة الاستكشاف والاستماع الأولي من كافة الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية.
روسيا بدلاً من واشنطن؟
ووفقاً للمصدر، فهناك من يسعى "لتجزئة الملف اليمني بين الروس والأميركيين على اعتبار أن الروس عندما يمسكون بملفات حلفائهم فإنهم يتعاطون معها بجدية ودعم أفضل من واشنطن كما هو حاصل مع نظام الأسد في سوريا"، بينما الأميركيون "مواقفهم متذبذبة، تارة مع الشرعية، وتارة أخرى مع الحوثي، وبالتالي فالتحركات نحو روسيا هدفها البحث عن دور روسي فاعل وحقيقي في المرحلة المقبلة".
وتبذل الأمم المتحدة منذ ست سنوات، جهوداً لوقف الاقتتال الدامي في البلد الفقير، والبدء في حوار شامل بين الأطراف اليمنية، إلا أنها لم تنجح في إحداث اختراق جوهري في جدار الأزمة حتى الآن.