كما جرت العادة منذ أعوام، عرفت محافظات "القبائل" في الجزائر، مقاطعة واسعة للانتخابات البرلمانية التي جرت أمس (12 -6-2021)، في حين أعلنت السلطة المستقلة عن بلوغ نسبة المشاركة حوالى 30.20 في المئة على الرغم من تصريح رئيسها محمد شرفي، بأنه لا يمكن الكشف عن النتائج قبل 96 ساعة.
مشاركة ضعيفة... تخريب وعنف
وعرفت منطقة القبائل، بخاصة محافظتي بجاية وتيزي وزو، مقاطعة كبيرة، بحيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في الأولى 0.82 في المئة، والثانية 0.65 في المئة، يوم الاقتراع الذي شهد امتناع 86 مركز انتخاب عن فتح أبوابها في محافظة تيزي وزو من مجموع 704 مراكز، إضافة إلى رفض 40 مؤطراً الالتحاق بمراكز التصويت، بينما فتحت 7 مكاتب فقط من مجموع 1705 مكاتب في محافظة بجاية مع تسجيل اشتباكات بين مناهضي الانتخابات وقوات مكافحة الشغب.
وشهدت بعض مراكز ومكاتب التصويت الموجودة في بعض بلديات محافظة البويرة، عمليات تخريب للصناديق وتمزيق لأوراق الانتخاب، وسط منع المواطنين من التصويت، الأمر الذي خلق وضعاً متوتراً بلغ حدّ المناوشات بين شباب المنطقة وقوى الأمن.
ويبقى هذا المشهد يتكرر في منطقة القبائل مع كل استحقاق، وفي حين "تحرّكت" محافظات المنطقة خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، فتم تنشيط تجمعات شعبية ضخمة عدة وتسجيل نسب مشاركة متفاوتة، امتنعت هذه المرة عن اختيار ممثليها في البرلمان الذي سعى الجميع من أجل أن يكون تمثيلياً بكل معنى الكلمة.
لا وجود لتمثيل قومية أو منطقة جغرافية
وفي خضم المقاطعة الواسعة للمنطقة، يتساءل الشارع كما الطبقة السياسية حول تمثيل القبائل في البرلمان، إذ يقول الحقوقي عابد نعمان، المحامي المعتمد لدى المحكمة ومجلس الدولة، إن مسألة المقاطعة أو بالتعبير القانوني حالة عدم التصويت، لن تؤثر في التمثيل النيابي للعملية الانتخابية، مضيفاً أنه من الناحية القانونية ثمة إجراءات للتمديد بخصوص منطقة من أجل تمكين الناخب من أداء مهمته كناخب، أو تنظيم عملية اقتراع أخرى بحسب حالة كل منطقة، وقد أثيرت هذه المسألة في ما سبق.
ويواصل نعمان أن "الإشكال من ناحية أخرى عميق جداً إذا ما نظرنا إلى الدائرة الانتخابية كدائرة تمت مراجعة الهيئة الناخبة سواء بالتسجيل أو التثبيت على مستواها، وتم فتح اكتتاب الترشيحات وسحب الاستمارات مروراً بإعلان أسماء المترشحين لغاية الحملة الانتخابية إلى نهايتها، وصولاً ليوم الاقتراع الذي يصطدم بحالة لا تصويت كاملة، التي تفتح لنا أبواب السؤال: هل الحالة خارجة عن إرادة الناخب؟ وهنا لها مخرجات معينة، أو بإرادته وهنا لها أيضاً مخرجات أخرى"، موضحاً أنه من حيث المبدأ، "البرلماني الجزائري له صبغة وطنية وهو غير مقيّد بالدائرة الانتخابية التي أنتجته حتى لا نقع في فخ الجهوية ووضع المؤسسة التشريعية رهينة خريطة جغرافية، وهذا بتجرّد عن حالة اللاتصويت حتى لا نعطي فرص إخضاع المسألة للتفسيرات الحزبية والأيديولوجية".
ويتابع، "في رأينا، لا وجود لتمثيل قومية أو منطقة جغرافية مسمّاة بعينها، وإنما هناك تمثيل الدائرة الانتخابية لمجموعة سكانية ذات هيئة ناخبة في الدولة الجزائرية"، ويختم أن القانون يحدد الدوائر الانتخابية والمقاعد الممنوحة بحسب الكثافة السكانية لكل دائرة انتخابية.
نسبة المشاركة لا تهم
في المقابل، توقّع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ضعفاً في نسب المشاركة، ما دفعه إلى استباق التأويلات والتصريح بأن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لا تهمه كثيراً، مشيراً إلى أن ما يهمه الأشخاص الذين يخرجون من صناديق الاقتراع بالشرعية الكافية التي يأخذون بها السلطة التشريعية، مضيفاً أن "هذا الشيء يجعلني متفائلاً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا تُعتبر مقاطعة القبائل مفاجئة بعد إعلان أكبر حزبين متمركزين في المنطقة عدم مشاركتهما في الانتخابات، وهما "جبهة القوى الاشتراكية" و"التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، تحت تبرير "إصرار السلطة على مسار غير توافقي". وحذّر تبون من مساهمة الانتخابات في عزل أكبر لمنطقة القبائل، بشكل يفتح الأبواب أمام طروحات حركة "الماك" التي تطالب بانفصال المنطقة عن بقية البلاد.
مأزق التمثيل؟
القيادي في حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المقاطع مراد بياتور يعتبر أنه في كل ربوع الوطن، لاقت هذه الانتخابات رفضاً شعبياً واسعاً، والملاحظ أن منطقة القبائل تحقق نسبة صفر في المئة للمرة الثالثة على التوالي، بعد الرئاسيات وتعديل الدستور، الأمر الذي يضع سلطة الأمر الواقع أمام مأزق التمثيل في هذه المنطقة، مضيفاً أن الخوف من المقاطعة دفع الرئيس تبون إلى تبرير الرفض الشعبي بالقول إن نسبة المشاركة غير مهمة. ويوضح بياتور أن الشرخ بين السلطة والشعب يزداد يوماً بعد يوم، ولم يعُد بإمكان السلطة القائمة استعادة الثقة المفقودة التي جعلت المواطن يرى في مؤسسات الدولة أدوات قمعية وتعسفية.
تأخر على غير العادة
وعلى غير العادة، يتأخر الإعلان عن نتائج الانتخابات إلى أيام، بعد أن دأب الجزائريون على استقبالها في اليوم التالي لعملية الاقتراع، وهو ما كشف عنه رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، الذي أشار إلى نص قانون الانتخابات الجديد الذي يعتمد طريقة مختلفة في فرز أصوات الناخبين واحتسابها.
وقال إن "نتائج الانتخابات البرلمانية التي شارك فيها أقل من ثلث الناخبين ستعلن خلال بضعة أيام"، موضحاً أن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 30.2 في المئة، وأبرز أن العملية تمت في ظروف طيبة وأن الناخبين تمكّنوا من الإدلاء بأصواتهم واختيار المرشحين المناسبين لخدمة الجزائر.