التقى الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في بروكسل، الاثنين، في أول لقاء يجمعهما منذ وصول الأول إلى البيت الأبيض. جاء اللقاء وسط توتر بين واشنطن وأنقرة التي تواجه عقوبات من حلفائها الغربيين في شأن الخلاف حول عدد من القضايا على رأسها نظام الدفاع الصاروخي الروسي "أس-400" والتجاوزات التركية شرق المتوسط.
وبالنسبة إلى تركيا، فإن هناك قائمة من الخلافات مع سياسات الإدارة الأميركية في المنطقة، منها الدعم الأميركي للمقاتلين الأكراد في سوريا، وخطوة بايدن نحو الاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن على يد جنود الجيش العثماني خلال الحرب العالمية الأولى قبل أكثر من100 عام، وهو الأمر الذي أثار غضب أنقرة التي تصر على أن القتلى الأرمن كانوا ضحايا لحرب واضطرابات أهلية.
السعي للتهدئة
لكن، على الرغم من التوتر الذي بلغ ذروته بين الإدارة الأميركية الجديدة وأردوغان، والذي تكلل بفرض واشنطن عقوبات بموجب قانون مكافحة أعداء أميركا المعروف بـ"كاتسا" (CAATSA)، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، جراء نشر أنقرة نظام الدفاع الصاروخي الروسي، فإن مراقبين تحدثوا عن سعي أردوغان إلى التهدئة قبيل لقائه ببايدن، لا سيما أنه يدخل الاجتماع من موقع ضعف، بالنظر إلى تراجع شعبيته على المستوى المحلي وسط أزمة مالية في تركيا، وتوتر علاقته على المستوى الدولي بسبب تدخلاته عبر جماعات المرتزقة في دول الجوار أو تجاوزاته ضد جيرانه الأوروبيين. ما جعله "طفل الناتو المثير للمشكلات"، بحسب تعبير صحيفة "ذا هيل" الأميركية.
ويشير مدير برنامج تركيا لدى مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، العضو السابق في البرلمان التركي، أيكان إردمير، إلى أن أردوغان يسعى لتهدئة التوترات مع الولايات المتحدة وحلف الناتو كوسيلة للمساعدة في تخفيف الأزمة الاقتصادية والتراجع المستمر لقيمة الليرة التركية. ويقول "الرئيس التركي يحتاج إلى تقديم هذا الاجتماع أمام المستثمرين المحليين والعالميين كدليل على تحسن العلاقات الثنائية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
والجمعة، بعدما صرح وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، أن انفراجة في العلاقات مع الولايات المتحدة جار العمل عليها، قائلاً "نحن منفتحون وشفافون في جميع المحادثات (بشأن نظام "أس- 400")، شهدت الليرة تعافياً أمام الدولار. وقال آكار خلال افتتاح مبنى الناتو في إسطنبول، إن "الحلول المعقولة والمنطقية ممكنة دائماً".
وكان رد فعل الرئيس التركي على اعتراف واشنطن بالإبادة الجماعية للأرمن مثالاً آخر على محاولة التهدئة مع حليفه في الناتو. ففي حين انتقد أردوغان القرار في خطاباته، فإنه لم يرد بإجراء فعلي ضد واشنطن. ويقول محلل شؤون تركيا في مجموعة الأزمات الدولية، بيركاي مانديراسي، إن "رد الفعل في تركيا على هذا الإعلان لم يكن بالحجم الذي كان يظنه المرء"، لافتاً إلى أن الاعتراف بالإبادة الجماعية هو خط أحمر لأنقرة.
الاقتصاد والاستثمار
وتلفت الزميلة لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، راشيل إليهوس، في تعليقات لوكالة "أسوشيتد برس"، إلى أن الاستجابة الصامتة من تركيا تشير إلى أنه يريد علاقة جيدة مع بايدن "لأسباب ليست أقلها حاجته إلى تلك العلاقة الاقتصادية مع الولايات المتحدة وظهور علاقة تعاونية من أجل الحفاظ على قاعدته، التي بُنيت إلى حد كبير على اقتصاد تركي فعال ومرتبط بالغرب".
وتقول منسقة برنامج تركيا لدى مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، ميرف تاهير أوغلو، إن "أهم شيء بالنسبة إلى الرئيس التركي في هذا الوقت هو إضفاء مظهر خارجي بوجود علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة"، إذ "يبدو أنه يفهم أنه لجذب أي نوع من الاستثمار الدولي إلى تركيا، يحتاج إلى تقديم صورة للعلاقات الإيجابية مع الولايات المتحدة".
وقبيل مغادرته، الأحد، لحضور قمة الناتو في بروكسل حيث التقى بايدن، قال أردوغان عن العلاقات الأميركية التركية، "كانت هناك إشاعات كثيرة... نحتاج إلى تركها وراءنا والتحدث عما يمكننا القيام به وما سنفعله". ومع ذلك، فإنه وصف تعليقات الرئيس الأميركي بشأن قتل وتهجير المواطنين الأرمن الذين كانوا يعيشون في الإمبراطورية العثمانية بأنها "سلبية للغاية" و"نهج أزعجنا بشكل خطير".
بايدن لا يتوقع كثيرا
بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، فإنه ربما يرغب في تجنب المواجهة المباشرة مع أنقرة. وبحسب إردمير، فإن الرئيس الأميركي لا يهتم كثيراً أو يتوقع من أردوغان ما هو أكثر من مواصلة عدد قليل من الاتفاقيات، مثل زيادة التعاون الأميركي التركي في أفغانستان، وتهدئة التوترات في شرق البحر المتوسط مقابل حسن النية الأوروبية الأميركية.
وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، جين ساكي، في إحاطة مع الصحافيين الأربعاء الماضي، إن اجتماع بايدن وأردوغان يمثل فرصة للدبلوماسية المباشرة "للعمل بشكل بناء معاً حيثما توجد فرصة، وفي المجالات التي لدينا فيها خلافات قوية".
وفي حين تدرك تركيا أهمية عملها داخل الناتو، فإنها واجهت انتكاسة بشأن دورها في أفغانستان، إذ أفادت وكالة "رويترز" أن حركة طالبان رفضت عرضاً قدمته أنقرة لتقديم المساعدة الأمنية، قائلة، إن القوات التركية يجب أن تنسحب إلى جانب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وفي هذا الصدد، قال إردمير، إنه من المرجح أن يجبر هذا أردوغان على البحث عن نفوذ بديل من خلال اتفاق ما مع بايدن.
لكن بايدن يتعرض لضغوط من أجل معالجة قضايا حقوق الإنسان في تركيا بحزم أكبر. ففي فبراير (شباط) الماضي، دعت أغلبية من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بايدن إلى مواجهة أردوغان بقوة أكبر، في شأن انتهاكات حقوق الإنسان. وكتب 54 عضواً من مجلس الشيوخ: "نحثكم على التأكيد للرئيس أردوغان وإدارته على ضرورة إنهاء حملتهم القمعية للمعارضة في الداخل والخارج على الفور، والإفراج عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي، وعكس مسارهم الاستبدادي".
وكذلك، دعت رسالة من مجلس النواب الأميركي إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكن، في مارس (آذار)، ووقعها 170 مشرعاً جمهورياً وديمقراطياً، إلى إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان في التعاملات مع تركيا.
وتقول، مسؤولة الشأن التركي في منظمة العفو الدولية، دنيز يوكسيل، في تعليقات لـ"ذا هيل"، إنه بينما سعى بايدن إلى اتخاذ نبرة مدروسة لتحقيق الاستقرار في العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا، فقد التزم علناً وضع حقوق الإنسان في صميم سياسته الخارجية، مشيرة إلى أنه سيتعين على بايدن إثارة قضايا حقوق الإنسان خلال لقائه بنظيره التركي.