تعتري المخاوف كثير من السودانيين، من مختلف الفئات والتوجهات، بسبب التحديات العديدة التي تواجهها البلاد، بدءاً بالأزمات المعيشية والاقتصادية، مروراً بالخلافات السياسية التي تسبب بها انقسام الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، وسيولة أمنية نتيجة هشاشة الوضع، فضلاً عن النزاعات القبلية المتجددة من وقت إلى آخر، وغيرها من المشكلات، وصولاً إلى إجهاض الفترة الانتقالية. ويخشى السودانيون أن تؤدي تلك العوامل مجتمعةً إلى دخول البلد في حالة فوضى وصراعات يصعب السيطرة عليها.
فهل هذه المخاوف حقيقية، وما هي أسبابها، وما السبل الكفيلة بالمحافظة على هذه الفترة الديمقراطية من الإجهاض، وصولاً إلى الحكم الديمقراطي المستدام عبر انتخابات عامة حرة ونزيهة؟
مهددات وانقسامات
في هذا السياق، يشير مساعد رئيس "حزب الأمة القومي السوداني" للشؤون الولائية عبد الجليل الباشا، إلى أنه "معلوم أن السودان يمر بمرحلة انتقال، بعد الإطاحة بحكم شمولي دام 30 عاماً، ودائماً ما تشهد فترات الانتقال تحديات سياسية وأمنية واقتصادية، بسبب التغييرات والإصلاحات التي تجريها السلطات الجديدة. ومثل هذا الوضع يتطلب أمرين أساسيين، هما الاتفاق على برنامج يحمل رؤى وحلول عملية لكل المشكلات التي تواجه البلاد، وأن تكون الحاضنة السياسية للحكومة موحّدة ومتماسكة ومتوافقة من شتى النواحي، لكن للأسف اتضح أن هناك عدم توافق بين المكونَين العسكري والمدني منذ الوهلة الأولى إثر بداية السلطة الانتقالية بعد توقيع الوثيقة الدستورية في 17 أغسطس (آب) 2019، كما ظهر انقسام داخل مكونات قوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية)، ما انعكس سلباً على أداء الحكومة الانتقالية، وفتح ذلك الباب أمام إرهاصات كثيرة".
وتابع الباشا، "هناك أيضاً مهددات حقيقية قد تعيق عملية الانتقال التي يُفترض أن تقود إلى انتخابات عامة وإقامة سلطة مدنية، منها، الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي عمّقت معاناة المواطن من دون أن يكون هناك أي ضوء في نهاية النفق، وكذلك اتساع دائرة التفلتات الأمنية، وتنامي الصراعات القبلية والجهوية، وتعدد الجيوش على الرغم من أن الاتفاقيات تدعو إلى تكوين جيش قومي بعقيدة واحدة، فضلاً عن عدم اكتمال عملية السلام بشكله الشامل، فالوضع مأساوي من نواحي مختلفة، فهناك جهات سياسية تدعو لإسقاط الحكومة الانتقالية كالحزب الشيوعي ونظام البشير السابق، فهذا الوضع جعلنا نحن في حزب الأمة القومي نستشعر مخاطره، فدعينا عبر وثيقة العقد الاجتماعي إلى إصلاح الحاضنة السياسية حتى تؤدي دورها المنوط به حتى نعبر بهذه الفترة الانتقالية إلى بر الأمان".
وأشار مساعد رئيس حزب الأمة القومي السوداني للشؤون الولائية، إلى أنه "يُفترض لوقف محاولات إجهاض هذه الفترة أن تكون هناك مساع للتقدم خطوات نحو الأمام، وذلك من خلال تحقيق الحد الأدنى من الإجماع الوطني لحماية هذه الفترة، والابتعاد عن كل المكايدات الحزبية الضيقة لمصلحة البلد، والتوافق على برنامج عمل شامل متقدم الخطوات ومحدد الفترة الزمنية ليكون مخرجاً حقيقياً لهذه الأزمة"، مؤكداً أنه "لا خيار أمام الجميع غير التوافق والتماسك كجبهة داخلية عريضة، لأن أي انتكاسة في ظل تردي الأوضاع، قد تؤدي إلى مزيد من التشرذم والانقسام وما لا تُحمد عقباه".
ميليشيات ومحاصصة
في السياق، يرى القيادي في "الحزب الشيوعي السوداني" صديق فاروق الشيخ، أن "السلطة الحاكمة في السودان حالياً ليست بسلطة انتقالية، ولن تؤدي إلى عملية انتقال إلى حكم ديمقراطي، فهي فترة تأسيس ميليشيات ومحاصصة لبعض القوى السياسية التي تعمل على تنفيذ برنامج النظام السابق، حيث تم خطف السلطة الانتقالية في البلاد بوضع اليد، وليس بالقانون، بالتالي هناك خروقات لا تُحصى من قمة الدولة إلى أصغر موظف"، موضحاً أن "اللجنة الأمنية للنظام السابق بقيادة رئيس مجلس السيادة الحالي عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، هي مَن قطعت الطريق أمام عملية التحول الديمقراطي، وطريق الثورة الشعبية، لذلك جاءت دعوات الشارع للإطاحة بهذه السلطة". وأضاف الشيخ، "صحيح أن الحزب الشيوعي استمر داعماً للحكومة الانتقالية، كواحد من مكونات قوى الحرية والتغيير، على الرغم من تحفظاته على الوثيقة الدستورية، والشراكة القائمة مع المكوّن العسكري، وغيرها، على أمل تصحيح المسار، لكنه توصل إلى حقيقة مفادها بأنه لا يوجد بصيص أمل ولا خيار غير إسقاط هذه الحكومة، فالآن السلطة الانتقالية تم تمديدها لفترة إضافية جديدة، وما يحدث من ضائقة معيشية وزيادة في الأسعار لن يتوقف على أساس أن يؤدي في نهاية المطاف إلى سيطرة الميليشيات وشرذمة البلد وتفكيكها بالكامل وانهيارها، بالتالي جاء موقفنا بالخروج من الحاضنة السياسية لقناعتنا بأنه لن يحدث انتقال حقيقي، ولا إرساء لنموذج ديمقراطي توطئةً لإقامة سلطة مدنية، ويرجع كل ذلك إلى ضعف وتبدل وتغيّر مواقف بعض القوى السياسية داخل الحاضنة السياسية".
ولفت القيادي في الحزب الشيوعي، إلى أن "الصورة الحالية والمستقبلية قاتمة، فهناك تمادٍ واضح في تعميق الأزمة، وأصبح السلام من خلال منبر جوبا عبارة عن محاصصة لتوزيع السلطة والثروة، كما أن الوضع الأمني في مناطق الحرب بات أكثر هشاشة، والسيطرة الحقيقية لمفاصل الدولة والمرحلة الانتقالية برمتها بيد العسكريين، كذلك فإن الشيطنة التي تتم لعمل لجان المقاومة حالياً، هي ذات الشيطنة التي على أثرها تم فض اعتصام منطقة كولومبيا قرب ساحة القيادة العامة السودانية". واعتبر أنه "لا مفر غير الإطاحة بالمكونَين العسكري والمدني عن طريق الهبوط الناعم، لأن ما يجري يؤسس لدولة الميليشيات، ويمهد لتجزئة البلد"، فضلاً عن أن "النفوذ الزائد للإستخبارات الدولية سيقود هذه البلاد إلى حروب لن تهدأ بسهولة".
تعقيدات مختلفة
من جانبه، عبّر أستاذ العلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية في الخرطوم محمد خليفة صديق، عن اعتقاده بأن "هناك تحديات واسعة ومتعددة تكتنف المرحلة الانتقالية، والتي معروف تاريخياً بأنها مراحل صعبة، نظراً لما تشهده من تعقيدات مختلفة، لأنها تأتي بعد فترة طويلة من الحكم الشمولي. ومن أبرز تلك التحديات حداثة تجارب الذين تُعهَد إليهم المسؤوليات في الدولة، ولذلك نلاحظ أنه تم إجراء تعديلات وزارية كبيرة خلال هذه الفترة خلال أقل من عام، وأيضاً تم الآن إدخال تغييرات وتعديلات على مستوى ولاة الولايات، ما يشير إلى أن قلة التجارب والخبرات أدت إلى ضعف في الأداء الحكومي". وأضاف صديق، "كما أن هناك تحديات أخرى، منها التحدي الخارجي، حيث تشهد الحدود السودانية- الإثيوبية مناوشات وتوترات مستمرة، كما أن العلاقات مع إريتريا ليست على ما يرام باعتبار أن أسمرة (عاصمة إريتريا) منحازة إلى الجانب الإثيوبي في ملفات عدة، فضلاً عن أزمة سد النهضة التي تشكل وتمارس ضغطاً كبيراً على الحكومة الانتقالية، حيث يُعد ملف السد من الملفات الكبيرة والرئيسة التي تديرها وزارة الخارجية، وهذا يشير إلى أنه ربما هناك ملفات خارجية عدة مهمَلة بسبب الاهتمام المتزايد بملف سد النهضة، ما يتطلب معالجة شاملة لكل الملفات، بحسب وزنها وحجمها وأهميتها من دون إهمال أي منها".
ضعف الحكومة
ولفت أستاذ العلوم السياسية إلى "ما تعانيه هذه المرحلة من تحدٍ أمني، جعل الحكومة تسعى إلى حلحة هذا الأمر من خلال ملف السلام الذي تتولاه وساطة جنوب السودان في عاصمتها جوبا، وذلك من منطلق فتح صفحة جديدة بيضاء، لكن الملاحظ أن بعض الحركات المسلحة تستشعر ضعف الحكومة الانتقالية ما جعلها تتشدد في المطالب، وظهر ذلك جلياً في المفاوضات الجارية الآن مع الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو، التي تتمسك بعلمانية الدولة السودانية، وحق تقرير المصير لمنطقة جنوب كردفان، وهي مطالب غريبة على السودان"، مبيناً أن "إحدى اشكالات التفاوض، هي أن الطاقم الحكومي الذي يدير التفاوض مع الحركات المسلحة يعاني من مشكلات مختلفة، حيث يحتاج إلى إسناد من جهات عدة، لأن الطرف الآخر مسند من مؤسسات غربية عدة".
كذلك أشار محمد خليفة صديق إلى "المشكلة الاقتصادية التي استفحلت بشكل لا يوصف، والتي تمثل أهم تحديات الفترة الانتقالية، والتي قد تؤدي إلى التعجيل برحيل هذه الحكومة إذا لم تستطع أن تجابه غضب الشارع تجاه ما يحدث من انفلات في الأسواق، وزيادات كبيرة في الأسعار، وذلك عبر إيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة، فضلاً عن التوترات والخلافات البارزة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وكذلك الخلافات المتجددة بين المكونَين العسكري والمدني"، مؤكداً أن "هذه التحديات تحتاج من الحكومة إلى تبصر شديد، وأن تستشعر بخطورتها، لأنه تاريخياً تعرضت الفترات الانتقالية في البلاد (في عامَي 1964 و1985) إلى الاجهاض لأسباب مختلفة".
أجهزة الحكم
وبدأ السودان فترة انتقالية لمدة 39 شهراً، عقب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير بثورة شعبية في أبريل (نيسان) 2019، حيث اتفق المكونَين العسكري والمدني على إقامة شراكة في الحكم، بموجب وثيقة دستورية تم توقيعها في 17 أغسطس (آب) 2019، أفضت إلى تشكيل ثلاثة مجالس للحكم هي مجلس الوزراء، ومجلس السيادة، والمجلس التشريعي، حيث تم تشكيل مجلسي السيادة والوزراء برئاسة كل من عبد الفتاح البرهان، وعبدالله حمدوك على التوالي، بينما تأجل تكوين المجلس التشريعي إلى وقت لاحق بسبب خلافات بين القوى السياسية حول نسب المحاصصة. ومُدِّد عمر الفترة الانتقالية بعد توقيع الحركات المسلحة على اتفاقية السلام في جوبا مطلع اكتوبر (تشرين الأول) 2020، إلى 14 شهراً اضافية.