في جنيف، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1985، وعلى الرغم من الصقيع، حان الوقت للتهدئة خلال أول لقاء تاريخي بين الرئيس الأميركي رونالد ريغان والزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف، كما يتذكّر شهود كثر قبل قمة بين الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين.
يذكر المراسل السابق لوكالة الصحافة الفرنسية ديدييه لابيروني أن "الاجواء كانت هادئة، جاء الناس لكي ينسوا الحرب الباردة. كل منهم حضّر ملفه لإثارة إعجاب المعسكر المقابل. في الوقت ذاته، كنا جميعاً ندرك أنها لحظة تاريخية".
لكن الأمور بدأت بشكل سيّء، بسبب البرد القارس آنذاك في جنيف، وقبل لحظات قليلة من وصول رئيس الولايات المتحدة إلى أحد مواقع القمة، أغمي على جندي مكلف أداء تحية الشرف.
انهيار الاتحاد السوفياتي
قبل ستة أعوام على انهيار الاتحاد السوفياتي، كان هدف قمة جنيف عام 1985 التي استمرت ثلاثة أيام وقام بتغطيتها 3500 صحافي، خفض التسلح بين القوتين العظميين في ذلك الوقت على أمل بدء علاقات أفضل بين الشرق والغرب.
يستذكر الصحافي نيكولا برجي الذي غطّى لوكالة الصحافة الفرنسية وصول الرئيس الأميركي وزوجته نانسي إلى مطار جنيف "الفرح" الذي كان سائداً آنذاك، قائلاً "كان هناك نوع من ارتياح عام".
نانسي ورايسا
إحدى الصور الراسخة تبقى صورة ريغان وغورباتشوف وهما يبتسمان ويتحدثان قرب مدفأة وكأنهما صديقان، وانعكس ذلك أيضاً خلال اللقاء بين السيدتين الأوليين نانسي ورايسا اللتين كانتا تتبادلان الحديث أثناء تناول الشاي أمام أنظار المصورين.
وتتذكر مراسلة وكالة الصحافة الفرنسية ماري - نويل بليسيغ التي كلفت تغطية برنامجهما بأنها رأت زوجة غورباتشوف تأتي إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف "لتحية موظفي المنظمة وقوبلت بتصفيق حار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في إشارة أخرى على هذا الارتياح في الأجواء، حصلت أول مصافحة واستمرت لسبع ثوانٍ بين ريغان وغورباتشوف أمام "فيلا فلور دو"، المبنى الذي يعود إلى نهاية القرن الـ 19، والواقع على ضفة بحيرة ليمان، وهو حالياً معروض للبيع.
وجرى الحدث أمام الكاميرات وعددٍ من الصحافيين الذين كانوا ينتظرون لفترة طويلة في الحديقة وسط الصقيع.
"في مظهر لياقة"
وبما أن الأميركيين اختاروا هذه الفيلا الكبيرة كمقر لهم، فقد وصل ريغان أولاً لاستقبال غورباتشوف "في مظهر لياقة" كما يروي كلود سمادجا، نائب رئيس التحرير السابق للتلفزيون السويسري "تي اس ار" الذي عاش هذه اللحظة التاريخية، وقال، "على الفور ظهر الطابع الأميركي جداً، الكاليفورني لريغان وهو يصافح غورباتشوف، ثم يضع يده الأخرى على كتفه لكي يدخل إلى القاعة، مع تبادل الابتسامات. أراد الاثنان أن يظهرا مرتاحين كثيراً".
عندما وصل الزعيم السوفياتي، أدركت كريستيان بيرتيوم التي كانت تعمل لدى "إذاعة كندا" قبل أن تصبح متحدثة باسم وكالات الأمم المتحدة ما في الأمر، "لم يطرح أي صحافي أسئلة عليه عند خروجه من السيارة. لقد تركنا غير قادرين على الكلام. كان ذلك مثيراً للإعجاب، وشكّل إشارة إلى أن الحرب الباردة وهي فترة كانت تتّسم بالخوف، تنتهي".
دليل على المخاطر
وفي دليل على المخاطر، قرر الوفدان الأميركي والسوفياتي فرض "تعتيم تام" على المعلومات للصحافة حتى نهاية القمة.
يضيف كلود سمادجا الذي كان أيضاً المدير العام للمنتدى الاقتصادي العالمي، "في الواقع، على الرغم من الأجواء الطيبة، فإن أول تواصل كان صعباً جداً لأن مواقف الطرفين متباعدة كثيراً".
كانت سويسرا تدرك تماماً الفجوة بين القوتين، لدرجة أن والتر فوست، المساعد الشخصي للرئيس السويسري كورت فورغلر عام 1985، اضطر إلى كتابة "خطابَي استقبال مختلفين ليأخذ في الاعتبار الثقافتين المختلفتين"، وأوضح أن التباين كان جليّاً أيضاً في تصرف الوفود، وقال، "المشاركون الروس وصلوا بانضباط كبير، كان الأميركيون أقل انضباطاً في الاصطفاف بحسب ترتيب البروتوكول واتباع التعليمات"، لدرجة أن نانسي ريغان أصرّت من جانب آخر، كما يفيد، على استبدال زجاجات المياه المعدنية بزجاجات أميركية، وعلى أن يتذوق شخص يحظى بالثقة الأطباق قبل تقديمها.