لم يكن يعلم اللاجئ محمد أن مصيره وأولاده سيكون الشارع، بعدما رفضت "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) دفع بدل إيجار شقته، تعويضاً له عن بيته الذي دمّرته طائرات الجيش الإسرائيلي في عدوانها على قطاع غزة عام 2014. واتخذ محمد من مقرّ الـ"أونروا" مكاناً للعيش، بعدما طرده صاحب الشقة.
في مشهد آخر، تجلس هبة فوق ركام منزلها من دون مأوى، بعدما نسفت طائرات الجيش الإسرائيلي بيتها بالكامل في جولة التصعيد الأخيرة ضدّ غزة، التي بدأت في 3 مايو (أيار) الجاري، ولم تجد مكاناً لتعيش فيه، إثر فقدانها كلّ ما تملك من مال وأثاث، فتشرّدت بين أكوام الحجارة تبحث عن مأوى لها ولأسرتها. ويجسد المشهدان السابقان حالة مَن دمّرت إسرائيل منازلهم في غزّة، ولم يجدوا مأوى لهم، في ظلّ تقصير المسؤولين عن اتخاذ أيّ خطواتٍ لحلّ أزمتهم، على حدّ قول هؤلاء المتضررين.
منازل مدمرة منذ 2014
فعلياً، انتهى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة عام 2014 بتدمير أكثر من 11 ألف وحدة سكنية بالكامل، أُعيد إعمار 9700 مبنى منها، في حين دُمّر جزئياً أكثر من 160 ألف وحدة سكنية أخرى، وفق إحصاءات محدثة حصلت عليها "اندبندنت عربية" من وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
ولا تزال 2300 أسرة تقريباً بحاجة إلى إعادة إعمار منازلهم التي دُمّرت أثناء عدوان عام 2014، جزء منهم لاجئون يتبعون الـ"أونروا"، التي أوقفت دفع بدل الإيجار لهم، بذريعة مرورها بأزمة مالية.
وقال محمد أبو شباب المتحدث باسم الفلسطينيين المدمَّرة منازلهم في العدوان الإسرائيلي عام 2014، إن "إثر القصف الإسرائيلي على غزّة عام 2014، دمّرت الطائرات الإسرائيلية منازلنا بالكامل، فلجأنا إلى مدارس الأونروا، وبعد انتهاء العدوان آنذاك، طلبت منّا وكالة الغوث الخروج من المدارس، وتعهدوا لنا بتوفير بدل إيجار شقق". وأضاف "فعليّاً خرجنا من المدارس، واستأجرنا شققاً سكنية صغيرة، بقيمة 200 دولار في الشهر تقريباً، على أمل إعادة بناء منازلنا التي دمّرها الجيش الإسرائيلي، ولكن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017، أوقفت الـ"أونروا" دفع بدل الإيجار بشكل مفاجئ".
وتابع أبو شباب "على إثر توقف دفع الإيجار، أخرجنا أصحاب الشقق من المنزل، ولم نجد أيّ مأوى لنا، فلجأنا إلى مقرات الأونروا، وأقمنا وقفات احتجاجية عدّة، ومسيرات مندّدة، ووجهنا رسائل عدّة للمسؤولين، من دون أيّ رد".
في مقر الـ"أونروا"
ويعيش لليوم الحادي عشر في مقر الأونروا أكثر من 1400 أسرة فقدوا منازلهم في عدوان 2014، في خطوة احتجاجية على وقف مؤسسات الأمم المتحدة دفع بدل إيجار لهم. وروى المتحدث باسم المدمَرة منازلهم، أنّ عدداً من هؤلاء تعرض للاعتقال والسجن، ومصادرة الممتلكات، نتيجة عدم تمكنه من تسديد الايجار الذي كانت تتكفل به الـ"أونروا" إلى حين انتهاء إعادة الإعمار.
تبرير
في المقابل، برّر المستشار الإعلامي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين عدنان أبو حسنة ذلك بعدم وجود تمويل لدفع بدل إيجارات للمدمرة بيوتهم، موضحاً أن الدفع كان من ضمن برنامج الطوارئ الخاص بالمؤسسة الدولية، لكنه تعرض إلى اضطرابات كبرى بعد توقف المساعدات الأميركية. وبيّن أبو حسنة أنّ واشنطن كانت تقدم 360 مليون دولار سنوياً إلى الـ"أونروا"، 90 مليوناً منها مخصّصة لبرنامج الطوارئ، موضحاً أنه لا يوجد مانحون مستعدون لدفع بدل الإيجار للأسر. إلا أن الناطق باسم المدمرة بيوتهم، لا يعتقد أنّ مشكلة الـ"أونروا" مالية، "بخاصة أن مبلغ الايجار لا يتجاوز مليون دولار، ما لا يؤثر في موازنتها". أما المستشار الإعلامي للوكالة التابعة للأمم المتحدة، أنذر باحتمال اشتداد الأزمة المالية في نهاية يونيو (حزيران) المقبل، بخاصة في ظل عجزٍ بقيمة 360 مليون دولار، نتيجة غياب المساعدات الأميركية.
مشردين بعد جولة التصعيد الأخيرة
ولا يختلف حال أصحاب البيوت التي دمّرها الجيش الإسرائيلي أثناء جولة التصعيد الأخيرة على القطاع، إذ لم يُؤمَّن حتى اللحظة أيّ مأوى لهم، بينما يعيش بعضهم فوق ركام منازلهم، ويسكن البعض الآخر عند أقاربه. وقال أبو عمران وهو أحد الذين فقدوا بيوتهم في جولة التصعيد الأخيرة، ويعيل أكثر من 15 شخصاً، إنّه ذهب إلى عدد من الوزارات من دون استجابة، ولذلك اضطر إلى العيش فوق ركام منزله، في وضعٍ مأسوي جداً، في ظلّ عدم قدرته على شراء الأكل، ناهيك عن استئجار منزل، بعدما فقد كلّ ما يملك في بيته المدمر.
أرقام صادمة
من جهة أخرى، أعلن وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزّة ناجي سرحان، أن 2500 أسرة تضررت نتيجة القصف الإسرائيلي منذ عام 2014 حتى اليوم، وتعيش من دون مأوى أو بدل إيجار، أو إعادة إعمار. وأضاف سرحان أن "جولة التصعيد الأخيرة أسفرت عن تدمير 100 وحدة سكنية بالكامل، كما أصبح 30 مبنىً غير صالحة للسكن، وتضرر أكثر من 700 منزل جزئياً، ونحتاج لإعادة إعمارهم إلى 7 ملايين دولار تقريباً، لكن لا يوجد حتى اللحظة أيّ مانح أو متبرع".
وأوضح سرحان أن الحكومة لا تتولى إيواء الذين دُمرت منازلهم، وذلك نتيجة الانقسام (بين حركتَي فتح وحماس)، مشيراً إلى أن الوزارة في غزّة تسعى إلى توفير بدل إيجار لمدة 6 أشهر لهم، وبعد ذلك على أصحاب المنازل تدبير أمورهم، إلى حين إعادة إعمار منازلهم.
تملص المانحين
وحول إعادة إعمار البيوت التي دمرتها إسرائيل عام 2014، قال سرحان إن مؤتمر إعادة إعمار غزة في شرم الشيخ في مصر، تعهّد فيه المانحون بتوفير 5.04 مليار دولار، خُصّص وقتها ملياران منها لإعادة الإعمار، لكن ما دُفع في الواقع لا يتخطى حاجز 700 مليون دولار فقط.
وبيّن سرحان تملّص بعض الممولين، بالتالي لم يتمّ حتى اللحظة إعادة بناء 2300 وحدة مهدمة منذ عام 2014، يتبعها أكثر من 200 أخرى دُمرت خلال جولات التصعيد التي تلت.