للمرة الرابعة على التوالي، يخفق مجلس النواب الليبي في التصويت على إقرار الموازنة العامة للدولة المقترحة من الحكومة الموحدة، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والمقدرة بنحو 20 مليار دولار للأشهر الستة الباقية من العام الحالي.
قرار تأجيل مناقشة الموازنة المقترحة جاء بعد جلسة عقدها البرلمان الليبي خلف أبواب مغلقة، بعيداً من أعين الإعلام، عقب الأحداث التي شهدتها جلسة الإثنين 14 يونيو (حزيران)، حين تحول خلاف حول الممارسات التركية غرب البلاد إلى اشتباك بالأيدي بين نائبين في المجلس.
وهذا التأخير في حسم الموازنة الذي رافقه تعثر جديد في تحديد الآليات الخاصة بالترشح للمناصب السيادية والشخصيات المتقدمة لها، إضافة إلى توسع الخلافات حول خروج القوات الأجنبية في ليبيا الذي وضعه رئيس البرلمان عقيلة صالح شرطاً جديداً لإتمام الاتفاق السياسي، زاد التكهنات حول مصير الانتخابات العامة في ديسمبر (كانون الأول)، ورفع حجم المؤشرات على تأجيلها الذي بات احتمالاً مرجحاً أكثر من أي وقت مضى.
تأجيل جديد
وفي بيان صحافي للمتحدث الرسمي باسم مجلس النواب عبدالله بليحق حول الجلسة الرسمية المغلقة للبرلمان التي تم عقدها الثلاثاء، قال إنها "شهدت مناقشة بند مشروع قانون الموازنة، وقرر المجلس في نهايتها استدعاء حكومة الوحدة الوطنية في جلسة الـ 29 من الشهر الحالي للمساءلة".
وشدد المجلس، بحسب البيان، على "ضرورة إدراج القوانين الصادرة عن مجلس النواب التي تم التأكيد عليها سابقاً، في ما يخص الباب الأول من مشروع قانون الموازنة العامة للدولة، بينما قرر المجلس في بند المناصب السيادية إحالة كتاب للبعثة الأممية حول التصريحات والمواقف الأخيرة لرئيس مجلس الدولة خالد المشري".
واعتبر البرلمان "هذه التصريحات والمواقف بمثابة تنصّل من المجلس ورئيسه من الاتفاق الأخير في ملف المناصب السيادية، الذي قام مجلس النواب بالوفاء بالتزامه فيه، والتأكيد من خلال هذا الكتاب للبعثة على أن المجلس في حال لم يتم تنفيذ الاتفاق سيقوم بمسؤوليته أمام الشعب بهذا الشأن".
وتابع بليحق، "تم أيضاً تدارس تعيين رئيس جهاز الاستخبارات من قبل المجلس الرئاسي، وإحالة الأمر للجنة التشريعية والقانونية للبت فيه لعدم رجوع الرئاسي لمجلس النواب في هذا التعيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الدبيبة يطلب زيادة الموازنة
قبل الجلسة، بعث رئيس حكومة الوحدة الوطنية رسالة رسمية إلى رئيس مجلس النواب طلب فيها تضمين القوانين الصادرة عن البرلمان، والتي تنص على زيادة الرواتب في ليبيا، وبالتالي رفع القيمة المحددة للموازنة المقترحة من الحكومة، لإضافة هذه القيم الخاصة برفع الرواتب.
وبحسب الرسالة الرسمية، طلب الدبيبة رفع قيمة الموازنة لتنفيذ قرار رفع رواتب موظفي وزارة الداخلية والنفط والصحة، مبيناً أن "زيادة هذه المبالغ تتطلب زيادة الباب الأول إلى 59 مليار دينار (13 مليار دولار)، بدلاً من 34 مليار دينار (سبعة مليارات دولار)".
وأكد الدبيبة في الوثيقة "ضرورة تشكيل لجنة وزارية لتقويم جدول الرواتب للعاملين بالقطاع الإداري لتحقيق العدالة الاجتماعية".
نقد من الداخل
وانتقد بعض أعضاء البرلمان فشل المجلس من جديد في تمرير الموازنة العامة، على الرغم من الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، واستغرب النائب عبدالغني الفطيسي، "تأجيل مجلس النواب التصويت على مقترح قانون الموازنة، على الرغم من وصول فريق وزاري من حكومة الوحدة المؤقتة إلى طبرق لمناقشة لجنة التخطيط والمالية بالمجلس في الملاحظات التي وضعتها اللجنة وأعضاء مجلس النواب على مقترح الموازنة".
وشدد الفطيسي على أنه "كان ينبغي أن تطرح الموازنة في جلسة مجلس النواب الثلاثاء للتصويت، بعد أن أجل المجلس أكثر من مرة البت فيها على الرغم من أهميتها، لارتباطها باستحقاقات كبيرة أهمها إجراء الانتخابات في وقتها وهو شهر ديسمبر المقبل".
في المقابل، ذكر عضو اللجنة المالية في مجلس النواب عبدالوهاب زوليه أن "وصول الفريق الوزاري إلى طبرق في يوم الجلسة كان سبباً من أسباب تعليقها، متحدثاً عن تجاوزات ارتكبت من قبل الفريق الوزاري وعدد من النواب تسبب بتعليق جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة الموازنة المقدمة من الحكومة إلى أجل لم يحدد بعد".
وأرجع زوليه تعليق الجلسة إلى ما وصفه بـ "تدخلات من قبل رئاسة المجلس وحكومة الوحدة الوطنية في شأن هذه الموازنة المقترحة".
وأضاف، "تفاجأنا بتدخلات وتواصل بين رئاسة المجلس والحكومة من خلال وفد وزاري حضر الثلاثاء إلى طبرق لمناقشة الموازنة مع بعض أعضاء اللجنة المالية، مما أدى إلى تعليق الجلسة لأن الموضوع تم عرضه داخل قاعة مجلس النواب، ولا يجوز قانونياً أن تتم مناقشته خارج قاعة المجلس، وهو ما أدى إلى تأخير اعتماد الموازنة وتعليق الجلسة إلى موعد لاحق".
أما النائب حنان شلوف، فدعت رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة إلى اللجوء لخيار بديل متاح لديه قانونياً، وهو التوجه إلى ملتقى الحوار السياسي لإقرار الموازنة العامة، وقالت إنه "لن يتم إقرار الحكومة واعتمادها إلا بالتهديد بالذهاب لملتقى الحوار السياسي لحسم المسألة".
تقرّ أم لا تقرّ؟
الإخفاق الرابع لمجلس النواب في إقرار الموازنة فتح باب التساؤلات حول مصير مقترحها المقدم من الحكومة، وهل يلغى ويستبدل بواحد جديد أم يعدل مرة أخرى، أم سيقر كما هو إذا تحقق شرط البرلمان بحسم ملف المناصب السيادية المتنازع عليها مع مجلس الدولة.
وتضاربت التصريحات الصادرة عن نواب في البرلمان الليبي حول هذه المعضلة التي باتت الشاغل للمواطن الليبي، لارتباطها المباشر بحياته ومتطلباته اليومية والأزمة المعيشية التي يفاقمها تأخر إقرار الموازنة تحت قبة البرلمان .
نائب مقرر عام مجلس النواب الليبي صباح جمعة أكدت أن الموازنة ستقر قريباً، موضحة أن "اللجنة المالية المشكّلة من قبل مجلس النواب الليبي ستناقش مع وزير المالية والوزراء الذين أرسلتهم حكومة الوحدة الوطنية إلى طبرق بعض بنود الموازنة، لحسمها خلال الجلسة المقبلة".
وبيّنت جمعة أن "نقاشات اللجنة المالية ستركز على تبويب بعض البنود في الموازنة"، مؤكدة أنه "سيتم اعتمادها خلال الجلسة المقبلة".
من جانبه، يواصل الفريق المطالب بحسم المناصب السيادية قبل التصويت على مقترح الموازنة إصراره على التمسك بهذا الشرط، ورفضه التام لمرور الموازنة قبل الاتفاق على تقاسم المناصب العليا.
وطالب عضو المجلس زايد عطية "النواب بإتمام ملف المناصب السيادية والمضي قدماً في استكمال هذه الوظائف، خصوصاً منصب الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة ومكافحة الفساد ومحافظ مصرف ليبيا المركزي، كونه الركيزة الأولى في متابعة عمل الحكومة المؤقتة ومراقبتها".
وأيد عطية رأي زملائه الذي يصرون على عدم إتمام مشروع الموازنة في ليبيا من دون حسم ملف المناصب السيادية بالكامل، قائلاً إن "التمسك بهذا الشرط سببه الرغبة في الحفاظ على المال العام، حتى لا يتم العبث بمقدرات الليبيين".