هل أصبحت التشريعات السلاح الجديد لأكبر اقتصادين بالعالم في الحرب التكنولوجية المشتعلة بينهما، والتي يعد أكبر ضحاياها شركات التكنولوجيا والتجار في كلا البلدين؟ فلم يفعل رد فعل الصين الأخير، الهادف إلى الحد من آثار العقوبات الأميركية شيئاً يذكر لتخفيف الضغط على الشركات المحرومة حالياً من الوصول إلى التقنيات الرئيسة من الدول الغربية، لكنه قد يعزز عملية الفصل الجارية، وفقاً للمتخصصين.
ويعد القانون الصيني، الذي دخل حيز التنفيذ على الفور، أقوى رد قانوني في البلاد حتى الآن على العقوبات الأجنبية، بعد أن أصدرت وزارة التجارة "قانون الحجب" في يناير (كانون الثاني) الماضي، والذي يطالب الشركات الصينية بالإبلاغ عن القيود الأجنبية على الأنشطة الاقتصادية أو التجارية، وقائمة "كيان غير موثوق به" للشركات الأجنبية، التي تم الكشف عنها في سبتمبر (أيلول) الماضي. ويرى متخصصون تحدثوا لإحدى الصحف الصينية، أن الخطوة الأخيرة لن تضغط على الولايات المتحدة لعكس العقوبات المفروضة بالفعل ضد عمالقة التكنولوجيا الصينيين، لكنها قد تجبر الشركات الأجنبية على إعادة التفكير في استراتيجية السوق الصينية.
ويساعد القانون الصيني الجديد شركات التكنولوجيا المحلية على اتخاذ إجراءات متضافرة لمواجهة العقوبات، فمن غير المرجح أن يساعدهم في شراء المكونات الأساسية، وفقاً لما ذكره تشاو يون، رئيس قسم القانون في جامعة "هونغ كونغ". وأضاف، "قد يكون ضاراً بجذب الاستثمار الأجنبي، ويزيد من صعوبة استيراد أجزاء عالية الجودة من المكونات من الخارج، والتي تحتاج إليها شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية بشكل عاجل".
قانون الابتكار والمنافسة
ويقول إن الولايات المتحدة والصين بدأتا في استخدام الأدوات التشريعية لتصعيد المواجهة. وأضاف أن قانون الابتكار والمنافسة هو مثال على كيفية تصاعد المنافسة الاستراتيجية، "أوامر تنفيذية قائمة على الإدارة لسياسات رسمية وطويلة الأجل". وتابع، "من المحتمل جداً أن يتم سن تشريعات أخرى على الجانبين لإضفاء الشرعية على المواجهة المتفاقمة وتسليحها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه، يرى هنري جاو، أستاذ القانون التجاري في جامعة سنغافورة للإدارة، أن الشركات ستفكر ملياً قبل الامتثال للعقوبات، لأنها ستعرضها لدعاوى قضائية من قبل الشركات الصينية، إذا تكبدت خسائر نتيجة لذلك، مرجحاً أن تختار معظم الشركات الامتثال للعقوبات الأميركية أولاً، إذا أمكن ذلك، ولذلك قد يكون التأثير محدوداً، على حد قوله، إذ أضاف، "ستواجه العديد من الشركات خيارات صعبة، وقد ترغب في فصل عملياتها في الصين عن بقية العالم".
وبموجب القانون الصيني الجديد، قد يواجه الأشخاص الذين يتبين أنهم يساعدون في إنفاذ العقوبات ضد الصين، تداعيات قانونية، بما في ذلك مصادرة أصولهم، أو رفض طلبات التأشيرة، أو حتى الترحيل. كما أن الشركات الصينية ممنوعة أيضاً من مساعدة الدول الأخرى في تنفيذ عقوبات ضد الصين، وبدلاً من ذلك يتعين عليها مساعدة بكين في تنفيذ إجراءات انتقامية.
التشريع أداة لتصعيد المواجهة التكنولوجية
المواجهة الأميركية - الصينية الأخيرة تعد أحدث تصعيد في الحرب التكنولوجية المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم، إذ كثفت الولايات المتحدة أيضاً عن جهودها للحد من نفوذ الصين المتزايد في صناعات التكنولوجيا الفائقة وسلاسل التوريد ذات الصلة.
مليارا دولار لتحفيز إنتاج الرقائق في أميركا
من جانبه، أظهر مجلس الشيوخ الأميركي دعماً نادراً من الحزبين لقانون الابتكار والمنافسة، والذي يتضمن نحو 250 مليار دولار أميركي في الإنفاق، ضمن مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى مواجهة الصين. وتم تخصيص نحو ملياري دولار أميركي من هذا الإنفاق لتحفيز إنتاج الرقائق المحلي، إذ تسعى واشنطن إلى تقليل اعتمادها على مسابك أشباه الموصلات الموجودة في آسيا. وفي حال أقره مجلس النواب ووقعه الرئيس جو بايدن، فإن القانون سيضيف بعداً آخر، حيث إن العنصر الأساسي في استراتيجية الولايات المتحدة لمواجهة صعود شركات التكنولوجيا الصينية، اعتمدت حتى الآن، إلى حد كبير على العقوبات التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب، والتي كان لها تأثير قوي على بعض عمالقة التكنولوجيا في الصين، وعلى وجه الخصوص توقيع شركتي "هواوي تكنولوجيز كو" و"زد تي أي" (هي شركة تكنولوجيا صينية مملوكة جزئياً للدولة، متخصصة في الاتصالات السلكية واللاسلكية) في مرمى النيران. فقد منعت العقوبات شركة "هواوي" من القدرة على إنتاج الهواتف الذكية بكميات كبيرة، بعد قطعها عن الأجهزة والبرامج والخدمات المهمة من أصل أميركي. وحتى هذا العام، كانت "هواوي" هي العلامة التجارية الأولى للهواتف الذكية في الصين، لكنها تتوقع الآن أن يتقلص إنتاجها بنسبة 60 في المئة على أساس سنوي. كما لا يزال قطاع أشباه الموصلات في الصين مثقلاً بسلسلة من العقوبات الأميركية، في الوقت الذي تحاول فيه اللحاق بنظرائها الدوليين. في حين تتخلف الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، أكبر مسبك في الصين، عن الشركة الرائدة في صناعة أشباه الموصلات التايوانية في تصنيع الرقائق المتقدمة، وكذلك منعت الشركات الصينية أيضاً من الحصول على أدوات الطباعة الحجرية المقدمة من شركة "أي أس أم" الهولندية، والتي تصنع الرقائق من السيليكون ما يساعد على جعل رقائق الكمبيوتر أصغر حجماً وأسرع وأكثر اخضراراً.