في بيتها المبني من الصفيح في قرية صوانين البدوية في صحراء النقب جنوب إسرائيل، تؤكد أم جواد أبو قويدر عدم ثقتها بأن المشاركة الأولى من نوعها لحزب عربي في الحكومة "ستغير السياسة الإسرائيلية" بالنسبة إلى الاعتراف بالقرى البدوية ووقف هدم المنازل فيها.
وقدمت موافقة رئيس "الحركة الإسلامية الجنوبية"، منصور عباس، الذي حصل على دعم كبير في الانتخابات التشريعية الأخيرة من القرى البدوية في إسرائيل، على المشاركة في الائتلاف الحكومي، فرصة لاستكمال التشكيلة الحكومية ووضع نهاية لأزمة سياسية استمرت عامين في البلاد.
ويشكل انضمام عباس الى ائتلاف "التغيير" الحكومي الذي شكله زعيم المعارضة يائير لابيد ويترأسه اليميني المتطرف نفتالي بينيت، خطوة لم يقدم عليها أي حزب عربي من قبل.
وفي مقابل دعمه، حصل عباس على وعد بالاعتراف بثلاث قرى في النقب وتجميد هدم بيوت سكانها، إضافة الى وعود بتقديم المساعدة للبدو وتخصيص مبلغ بقيمة 30 مليار شاقل (تسعة مليارات دولار) لدعم المجتمع العربي، وفق ما ذكرت تقارير.
تعهد حكومي
ويعيش البدو في صحراء النقب منذ أجيال، ويشكون من التهميش في إسرائيل ومن الفقر. وهم عرب من أحفاد الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم بعد قيام دولة إسرائيل عام 1948.
وقال نفتالي بينيت في خطاب تسلمه رئاسة الحكومة، "سنبدأ عملية تنظيم التجمعات البدوية في النقب حتى يتسنى لمواطني إسرائيل من البدو العيش بكرامة".
وتنتشر منازل الصفيح في صوانين على أرض ترابية صحراوية، وهي واحدة من أكثر من 30 قرية بدوية غير معترف بها من إسرائيل، لا تحصل على ماء أو كهرباء أو خدمات طبية من الدولة، وغالباً ما تقوم السلطات الإسرائيلية بهدم المنازل التي يبنيها البدو فيها لطردهم منها.
وتقول أم جواد (40 عاماً)، "أنا لا أثق بالحكومة الجديدة ولا القديمة، كل وعودهم كاذبة". وتتابع، "عندما يطرحون موضوع النقب على طاولة الكنيست تقف الأغلبية الإسرائيلية ضد الحلول وضد العرب. أعضاء الكنيست العرب عددهم قليل، حاولوا في السابق ويحاولون الآن".
تفاؤل حذر
ويقول النائب سعيد الخرومي، وهو بدوي من النقب والوحيد من نواب القائمة العربية الموحدة الأربعة الذي امتنع من التصويت على الثقة للحكومة، "لا أستطيع أن أشرح لسكان النقب أنني جزء من الائتلاف عندما تتجه الجرافات نحو منازلهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويسكن مدينة رهط نحو 90 ألف بدوي. ويقول رئيس بلديتها فايز أبو صهيبان، وهو عضو في المكتب السياسي للحركة الإسلامية الجنوبية، إنه "متفائل بحذر"، مضيفاً "هناك اتفاقات، وإذا لم تف الحكومة بكل بنود الاتفاق فلن تكون هناك حكومة، والقائمة الموحدة هي الرسن".
ويشير أبو صهيبان إلى أن الحكومة "ستعترف بثلاث قرى غير معترف بها خلال 45 يوماً، وتباعاً بـ 14 قرية".
وفي ما يتعلق بقضية قرية الزرنوق غير المعترف بها والتي يعيش فيها 4500 شخص وتريد السلطات نقل سكانها الى رهط، يقول أبو صهيبان، "سنقوم بنضال جماهيري من أجل عدم إسكان هؤلاء الناس في رهط، ليس كرهاً بهم، ولكن لأننا لا نملك مسكناً لشبابنا وأهلنا في رهط".
ويتابع، "نحن نقول لسكان الزرنوق ناضلوا على أرضكم حتى تعترف الحكومة بقريتكم. إسرائيل تعترف بعشوائيات استيطانية في الضفة الغربية، لم لا تعترف بكم؟".
مشاريع تجميع
وحاولت إسرائيل طرح مشاريع لتجميع البدو في مكان واحد عام 2013، من طريق هدم حوالى 40 قرية غير معترف بها، ومصادرة أكثر من 700 ألف دونم من أراضيهم، لكنها تراجعت بعد احتجاجات شعبية قام بها عرب داخل إسرائيل.
ومع ذلك، هدمت إسرائيل في النقب أكثر من 10769 منزلاً بين الأعوام 2009 و2019، وفق المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها.
ويقول الدكتور عامر الهزيل الذي يعمل مع المجلس، إن ذلك "حرم قرابة 33690 طفلاً من بيوتهم، وتعرضوا لصدمات نفسية لا تقل عن صدمات الحرب".
وفي سوق مدينة رهط الشعبي، تتساءل أم أنس (42 عاماً)، "دمروا قرية العراقيب أكثر من 150 مرة وهجّروا أهلها. لماذا يفعلون ذلك؟".
وتتابع، "ابنتي تعيش في قرية شقورات غير المعترف بها، لم تصلها المياه منذ أكثر من شهر"، مضيفة "هذه الدولة لا تعمل أي شيء سوى هدم دور العرب. لا يمكننا الوثوق بحكوماتهم".
"لا مكاسب"
ويقول الهزيل الذي يعمل على تخطيط استراتيجي للمدينة، إن السلطات الإسرائيلية صادرت معظم أراضي رهط التي تعتبر من أكبر المدن البدوية، وأصبحت "كثافة السكان في رهط أعلى منها في مخيم جباليا بغزة"، مشيراً إلى أن "50 في المئة من الأزواج الشباب ليس لديهم مساكن".
ويتهم الحكومات الإسرائيلية بالتمييز الصارخ ضد القرى البدوية، متوقعاً "أن تكون حكومة بينيت الأسوأ معها".
ويقلل الهزيل من أهمية الاعتراف بالقرى الثلاث، قائلاً إنهم "يريدون الاعتراف بقرية خشم زنه منذ زمن لأنهم سيصادرون فيها 20 ألف دونم لشق طريق سريع، وقرية عبدة التي أعلنتها إسرائيل قرية سياحية بدوية، وبالتالي ستستخدمها لجذب السياح". ويرى أن "هذه ليست مكاسب" للعرب.
ويستخدم الناس في القرى غير المعترف بها الألواح الشمسية للحصول على الكهرباء، ولكن في فصل الشتاء لا كهرباء. وتقول أم جواد، "نعيش زمهرير الشتاء وقساوة برده".
ويتدخل زوجها محمود أبو قويدر مضيفاً، "تهب الريح القوية في الشتاء فتقتلع الصفيح ونبقى بلا مأوى، وتصبح الأرض طينة لا يمكن السير عليها".