أكثر من ثمانية كيلومترات هي المسافة التي كان يقطعها أطفال تجمع بدو وادي سلمان غرب رام الله الفلسطينية، للذهاب إلى مدارس مختلفة في القرى المجاورة، قبل افتتاح مدرسة "التحدي 12 المختلطة"، لينتظم فيها 40 طفلاً من الصف الأول وحتى السادس، من أجل حل مشكلة التسرب والغيابات المتكررة بين التلاميذ. فإحدى التلميذات، وبسبب كل هذه الصعوبات، تركت مقاعد الدراسة مدة ست سنوات، وعادت بعد افتتاح المدرسة إلى الصف الثالث وهي في عمر 13. أما أحد تلاميذ الصف الأول، فقلما كان يذهب إلى مدرسته، بسبب خوفه من الطريق وصعوباتها.
وتوضح مديرة المدرسة ميسون شديد أن "التحدي 12" كغيرها من المنشآت في مناطق "ج" تعاني من خطر الهدم. فبعد أسبوع من افتتاحها، سلمتهم السلطات الإسرائيلية إخطاراً بوقف البناء، ما منع عملية استكمال بناء بقية الصفوف الدراسية الستة، وحرم الأطفال من وجود ساحة وحديقة، وغيرهما من المرافق اللازمة للمدرسة.
وتضيف أن غياب المواصلات إلى منطقة وادي سلمان، يجعل من الصعب الوصول إليها أحياناً حتى بالسيارات العادية بسبب وعورة الأرض. لذلك، "يجد الطاقم التدريسي المكون من ثماني معلمات صعوبة في التنقل خلال ساعات الدوام من وإلى المدرسة".
وتقول أريج عاصي، رئيسة بلدية قرية بيت لقيا، إن المدرسة بنيت في أسبوعين على أرض مشتركة مهددة بالمصادرة بين ثلاث قرى، و"تم العمل على تأهيلها وحل مشاكل غياب البنية التحتية فيها كالمياه والكهرباء. إذ تم توفير عداد للمياه، وكابل للكهرباء من محطة محروقات تبعد ثلاثة كيلومترات، لكنه مؤقت. فهو لا يكفي لتشغيل جهازين كهربائيين في الوقت نفسه"، مشيرة إلى أن سيارة متنقلة تأتي كل فترة إلى المنطقة ليشتري منها التلاميذ، كتعويض عن غياب المقصف المدرسي.
مدرسة إبزيق هدمت بعض غرفها
مدرسة قرية إبزيق في الأغوار الشمالية، هي الأخرى بنيت لحل مشكلة 24 تلميذاً وتلميذة تراوح أعمارهم بين السادسة والـ 13، كانوا يخرجون عند الرابعة صباحاً ليلتحقوا بصفوفهم الدراسية التي تبدأ عند الثامنة، بعد السير على الأقدام لأكثر من 10 كيلومترات. ويعودون في المساء إلى منازلهم، منهكين بسبب المسافات الطويلة وحالة الطقس الحار صيفاً والبارد شتاءً.
يقول مدير المدرسة فارس دراغمة إن الاعتداءات على المدرسة الجديدة وتلاميذها تبدأ مع بداية العام الدراسي. إذ تعرضت بعض الغرف الصفيّة (الكرفانات) والخيام للهدم والمصادرة ومنع التوسع والبناء فيها، موضحاً أنهم تلقوا إخطارات بإزالة الصفوف الدراسية والساحة.
تحت اسم مدارس التحدّي توجد 17 مدرسة، لكن العدد الكلي لكل هذا النمط من المدارس يصل إلى 40 تقريباً. قبل العام 2015، لم يكن يطلق عليها اسم التحدي، فمدرسة أبو هندي لتجمع عرب الجهالين في منطقة بني نعيم في الخليل، أنشئت في العام 1998. أما مدرسة بدو الكعابنة فكانت عبارة عن خيمة تتنقل مع البدو أينما ذهبوا. وفي السنوات الماضية، ثبُتت في مكانها الحالي ما بين مدينتَي رام الله وأريحا.
ويوضح أيوب عليان، مدير المتابعة الميدانية في وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، أن فكرة مدارس التحدي بدأت مع مجيء السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي، بهدف توفير التعليم لتلاميذ التجمعات الصغيرة، خصوصاً الفتيات، وتأمين التحاقهنّ بالمدارس، لأن نسبة التسرّب كانت كبيرة. ويشير عليان إلى أن الطرق التي كان يسلكها التلاميذ خطرة جداً، وقد يتعرضون فيها لاعتداءات من الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين، فهم "كانوا يقطعون كيلومترات عديدة للوصول إلى مدارسهم، هذا عدا عن الوضع الاقتصادي المتردي لعائلاتهم".
اعتداءات إسرائيلية
تُبنى هذه المدارس في تجمعات بدوية معزولة من الكرفانات، وبعضها يُزود بالخلايا الشمسية كبديل من تمديدات الكهرباء، ويدرس فيها 25 إلى 30 تلميذاً في المتوسط العام، لكنها تتعرّض لانتهاكات عديدة وتواجه تحديات كبيرة كالهدم مرات، وتسلمَ جزء منها إخطارات بالهدم الكامل أو الجزئي، إضافة إلى الإغلاقات المستمرة للمنطقة، ما يمنع وصول الطاقم التدريسي والأثاث المطلوب وضياع الحصص الدراسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول عليان، هناك اعتداءات على المدارس وتلاميذها، قد تؤدي إلى جرح تلاميذ واعتقال آخرين، كما حصل في قرية جب الذيب بعد إلقاء قنابل الغاز المسيل للدموع، وإرهاب التلاميذ وتخويفهم. وتبرّر إسرائيل عمليات الهدم والإخطارات هذه بالدواعي الأمنية، في حين تقول وزارة التربية والتعليم الفلسطينية إن هذه الاعتداءات تهدف إلى التمهيد لمصادرة هذه الأراضي ضمن مناطق "ج"، وضمّها إلى المستوطنات أو شقّ طرق استيطانية.
وأظهر تقرير يرصد الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع التعليم الفلسطيني، أصدرته وزارة التربية والتعليم في العام 2018، أن عدد إخطارات الهدم والمصادرة ووقف أعمال البناء بلغ 20 إخطاراً، إضافة إلى مصادرة 10 دونمات من أرض تقام عليها مدرسة. كما أن إقامة الحواجز وإعاقة الوصول إلى المدارس تؤديان إلى إضاعة آلاف الحصص الدراسية على التلاميذ، عدا عن قتل ستة تلاميذ، واعتقال 245 آخرين، وجرح 943 بالرصاص الحي أو المطاطي، أو الاختناق من الغاز المسيل للدموع، أو الرضوض والكسور بسبب الدهس أو الضرب، وإصابة بعض التلاميذ بالخوف والهلع من الاقتحامات وتهديدات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين لهم، إضافة إلى اقتحام 77 مدرسة أكثر من 300 مرة.
وتحاول وزارة التربية والتعليم التوجه إلى المؤسسات الدولية من أجل حماية تلاميذها. وقد يصل الأمر بعض الأحيان إلى رفع قضايا إلى المحاكم بشأن المدارس المهددة بالهدم، لكن الأمر لا ينجح دائماً. فبعض القضايا حازت أمراً بعدم الهدم واستكمال البناء، لكن غالبيتها بقيت مهدّدة.