في قرار هو الأول من نوعه، أيّدت محكمة إسرائيلية قرار الحكومة القاضي بترحيل مدير مكتب منظمة "هيومن رايتس ووتش" في إسرائيل وفلسطين عمر شاكر، وأمهلته حتى الأول من مايو (أيار) 2019 لمغادرة البلاد، بعد اتهامه بتشجيع "حركة مقاطعة إسرائيل"، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.
واعتمدت المحكمة في قرارها على قانون إسرائيلي صدر في العام 2017، يحظر دخول الأشخاص الذين يدافعون عن مقاطعة إسرائيل أو المستوطنات الإسرائيلية، إلى إسرائيل. وخلصت المحكمة في قرارها إلى أن شاكر يسهم في دعم المقاطعة بمشاركته أبحاث المنظمة وتقاريرها، التي تدعو الشركات إلى الامتناع عن نشاطات اقتصادية في المستوطنات الإسرائيلية، التي تُعتبر غير قانونية وفق نص القانون الدولي.
وانتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحكم الصادر بحق شاكر، واعتبرته "سابقة يمكن أن تعرقل عمل منظمات المناصرة الأخرى، وتهدد وضع الحقوقيين الآخرين في إسرائيل".
وقال نائب مدير البرامج في المنظمة توم بورتيوس إن "إسرائيل تصور نفسها أنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، لكنها مستعدة لترحيل حقوقي، بسبب عمله السلمي". أضاف "القرار رسالة مخيفة مفادها أن من ينتقد تورّط الشركات في انتهاكات خطيرة في المستوطنات الإسرائيلية، يخاطر بمنعه من دخول إسرائيل والضفة الغربية التي تحتلها".
وقال شاكر، لـ "اندبندنت عربية" إن "سبب قرار ترحيله هو رغبة الحكومة الإسرائيلية في تكثيف التوسع الاستيطاني من دون أي عرقلة ومن دون قيام المنظمات الحقوقية بتسليط الضوء على ذلك"، مؤكداً أن "هيومن رايتس ووتش" لا تدعم أو تعارض حملة مقاطعة إسرائيل.
وأشار شاكر إلى أن "إسرائيل تسمح بحملات مناصرة مدافعة عن الأطفال والأفارقة في إسرائيل، لكنها تمنع ذلك حين يتعلق الأمر بحقوق الفلسطينيين"، معتبراً أن مساندة المحاكم الإسرائيلية قرارات الحكومة في هذا الشأن "أمر جديد".
وأوضح أن إسرائيل باتت تعتبر العمل الحقوقي وتوثيق منظمات حقوق الإنسان لعمل الشركات في المستوطنات الإسرائيلية جزءاً من حملة المقاطعة، "وهذا أمر غير مسبوق"، على حد قوله.
الموقف الإسرائيلي
أوضحت القاضية تامار بازاك رابوبورت، التي أصدرت الحكم، أن قانون مكافحة المقاطعة الإسرائيلي، لا يميّز بين المقاطعة الموجّهة إلى إسرائيل، وتلك الموجّهة إلى المستوطنات في الضفة الغربية.
في السياق عينه، أشاد وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي جلعاد إردان بقرار الترحيل، موضحاً أن وزارته هي التي قدّمت عناصر اتهام لإدانة مدير "هيومن رايتس ووتش"، والدفع نحو طرده من البلاد.
أضاف أن "الناشطين في حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، يجب أن يدركوا أن هناك ثمناً عليهم دفعه نتيجة نشاطهم المعادي لإسرائيل ومواطنيها".
إدانة فلسطينية
دانت منظمة التحرير الفلسطينية قرار ترحيل شاكر، وقالت إن "الهدف منه إخفاء الجرائم والانتهاكات الخطيرة التي ترتكبها السلطات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني"، مشيرة إلى أن "القرار يمثل جزءاً من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى إخفاء انتهاكات حقوق الإنسان، وإسكات النقد الموجّه ضد الاحتلال وممارساته بحق الشعب الفلسطيني، والافلات من المساءلة والحساب والعقوبات، التي ترتبها القوانين الدولية الإنسانية، على مثل هذه الممارسات". ودعت منظمة التحرير دول العالم إلى "الضغط على حكومة الاحتلال وفضح انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان، والوقوف إلى جانب منظمة هيومن رايتس ووتش في مواجهة هذا الإجراء الخطير".
ودان مركز الميزان لحقوق الإنسان قرار المحكمة الإسرائيلية، واعتبره تصعيداً خطيراً في الاعتداءات التشريعية والقضائية، التي تمارسها تل أبيب ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، على الرغم من مشروعية عملهم واستخدامهم وسائل سلمية، كالبحث والمناصرة، في حماية الحقوق التي تكفلها الاتفاقات الدولية. أضاف المركز في بيان "القرار يعكس تطوراً خطيراً في ما يتعلق بإضفاء شرعية على المستوطنات غير القانونية التي يحظرها القانون الدولي".
بدورها قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في بيان إن "القرار يعتبر تفسيراً جديداً وخطيراً للقانون". ورأت أن المحكمة خلصت إلى أن الأبحاث والمناصرة التي تقوم بهما "هيومن رايتس ووتش"، ودعوتها الشركات إلى التوقف عن العمل في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، تشكلان دعوة إلى المقاطعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت المنظمة أنها ستستأنف القرار أمام "المحكمة العليا" الإسرائيلية، وستسعى إلى إصدار أمر قضائي يسمح لشاكر، العراقي الأصل الذي يحمل الجنسية الأميركية، بالبقاء في إسرائيل حتى الاستماع إلى الاستئناف.
كما نفت المنظمة قيامها هي أو شاكر بالترويج لمقاطعة إسرائيل، مؤكدةً أن الشركات العاملة في مستوطنات الضفة الغربية تنتهك بشكل خطير القانون الإنساني الدولي، مضيفةً أنه "كجزء من جهودها الدولية لحثّ الشركات على الوفاء بمسؤولياتها في مجال حقوق الإنسان دعت الشركات إلى وقف عملها في المستوطنات".
وكان وزير الداخلية الاسرائيلي أرييه درعي أصدر أمراً في السابع من مايو 2018، يقضي بإلغاء تأشيرة عمل شاكر، وأمره بمغادرة البلاد، في قرار هو الأول من نوعه تجاه أحد موظفي "هيومن رايتس ووتش"، منذ أن بدأت المنظمة مراقبة الأحداث في إسرائيل وفلسطين قبل ثلاثة عقود، إلا أن القرار ألغته محكمة القدس المركزية وسمحت لشاكر بالبقاء.
يأتي قرار ترحيل شاكر وسط جهود إسرائيلية متواصلة لإخفاء الانتقادات لسجل حقوق الإنسان في إسرائيل، حيث رفضت وزارة الداخلية الإسرائيلية دخول عدد من المدافعين الدوليين عن حقوق الإنسان.