أثار مقال افتتاحي نشرته شبكة "سي أن أن" الأميركية على موقعها الإلكتروني، انتقادات واسعة من الباحثين والمراقبين الإيرانيين، ممن وصفوا الشبكة الإخبارية بأنها تتجاهل أو تجهل الواقع السياسي لإيران بعد أن ألقت باللوم على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، باعتباره يقف وراء فشل الإصلاح السياسي فيها وفوز الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي في الانتخابات التي أجريت الجمعة الماضية.
المقال المنشور تحت عنوان "ترمب حطم أحلام الإصلاح في إيران. رئيس البلاد المتشدد الجديد دليل حي"، يقول إن انسحاب الإدارة الأميركية السابقة من الاتفاق النووي وحملة الضغط القصوى التي اعتمدت على فرض عقوبات اقتصادية قاسية، مما تسبب في سحق الاقتصاد، يقفان وراء تحطم أحلام الإيرانيين الإصلاحيين.
ونقل المقال عن مسنٍّ إيراني تحدث إلى مراسل الشبكة في 8 مايو (أيار) 2018، قبيل خطاب ترمب الذي أعلن فيه انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، قوله "ما سيفعله ترمب هو إطالة عمر النظام لمدة 30 عاماً أخرى".
وأشار إلى أن الاتفاق النووي كان بداية الإصلاح، وأن إيران تمسكت به في حين انسحبت الولايات المتحدة منه، فيما عززت حملة الضغط القصوى الحجة الأيديولوجية للمتشددين بشأن التشكك في الغرب.
واعتبرت "سي أن أن" أن مقتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري قاسم سليماني في غارة أميركية في يناير (كانون الثاني) 2020، حدث زاد من تعقيد المشهد حتى بعد انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي تحرّك سريعاً للعودة إلى الاتفاق النووي، لكن لم يكن ممكناً للإصلاحيين "إعادة عقارب الساعة إلى مايو 2018، وهو ما انعكس جليّاً في انتخابات صُممت لفوز إبراهيم رئيسي، الرئيس الأكثر تشدداً للبلاد منذ عقود.
وتضيف الشبكة الأميركية الليبرالية أن العقوبات الاقتصادية وضعت الحكومة في طريقها نحو الفشل، مما أضعف المفاوضين والدبلوماسيين الإيرانيين الأذكياء، مثل وزير الخارجية محمد جواد ظريف. في المقابل، نجح المتشددون في تصوير أنفسهم على أنهم ناجون، وتغلبوا على حملة الضغط القصوى.
وأدت الإجراءات التي فرضتها إدارة ترمب إلى عزل إيران عن النظام المالي الدولي واستهدفت القطاعات الرئيسة، بما في ذلك الطاقة والتصنيع. وتعطلت صادرات النفط، وهي أهم مصدر للعملة الصعبة للبلاد، إلى حد كبير بسبب التهديد بالعقوبات الأميركية.
إغفال خطير للواقع
اتفق البعض مع مضمون المقال باعتباره أحد الأسباب التي أثّرت في الدعم السياسي للإصلاحيين في إيران، إذ غرد تريتا بارسي، مؤسس المجلس الأميركي الإيراني الوطني ونائب رئيس معهد كوينسي في نيويورك، أنه "من الواضح أن هناك عوامل أخرى مهمة، لكن الدور الذي لعبه ترمب من خلال إظهار أن التعامل مع الغرب لم يؤتِ ثماره، أمر بالغ الأهمية".
مع ذلك، علق عدد من المراقبين الإيرانيين على حساباتهم على موقع "تويتر"، منتقدين تحليل الشبكة الأميركية للمشهد السياسي في بلادهم. فكتبت الأستاذة في جامعة كاليفورنيا إلناز صربار، مقال "سي أن أن ارتكب إغفالاً خطيراً، إذ زعم أولاً أن الشعب الإيراني لم يعُد يدعم الإصلاحيين بسبب حملة الضغط القصوى، وهذا غير صحيح، بل تضررت سمعة الإصلاحيين قبل ترمب". وأضافت أن "الإصلاحي في إيران لم تعُد له شعبية لأنه ليس بديلاً ديمقراطياً، إذ كانت أولويتهم هي بقاء النظام". فعلى سبيل المثال، "عندما وقعت احتجاجات عام 2017، صنّف الإصلاحيون أولئك الإيرانيين العاديين (الذين يحتجون على سوء الأحوال المعيشية) بأنهم يقومون بأعمال شغب ودعموا وحشية الشرطة ضدهم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابعت "قتلت جمهورية إيران الإسلامية بقيادة (حسن) روحاني المعتدل أكثر من 1500 متظاهر بريء في احتجاجات البلاد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. دعم الإصلاحيون أيضاً حمام الدم في الشارع بشكل كامل. لم يدعم أي منهم الأمهات اللائي فقدن أحباءهن". وفي يناير 2020، عندما أسقطت إيران طائرة تجارية أوكرانية (راح ضحيتها جميع الركاب الـ 176) "نفت الحكومة الحقائق لمدة ثلاثة أيام وتوقفت التحقيقات... تظاهر من يُسمّى روحاني المعتدل في البداية بأنه ما زال لا يعلم شيئاً. لم يدعم أي إصلاحي العائلات المكلومة". بينما نفت إيران لأيام عدة وقتها أن صاروخاً أسقط الطائرة في الثامن من يناير، لكن بعد ضغوط دولية وتأكيدات من الولايات المتحدة وكندا، تستند إلى معلومات استخبارية بأن السلطات الإيرانية أسقطتها عمداً، أقرت طهران في الحادي عشر من الشهر ذاته بإسقاط الطائرة عن غير قصد. وأعرب الرئيس الإيراني عن أسفه لهذا الخطأ الكارثي الذي أسفر عن إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية. وكتب روحاني على موقع "تويتر"، "خلص التحقيق الداخلي الذي أجرته القوات المسلحة إلى أن صواريخ أطلقت للأسف بسبب خطأ بشري تسببت في التحطم الرهيب لطائرة الركاب الأوكرانية وموت 176 من الأشخاص الأبرياء".
ووصف الباحث لدى جامعة مونتريال بكيبك في كندا وحيد يوجسوي، مقال "سي أن أن" بأنه خيبة أمل كبيرة وضيق أفق، مضيفاً "أنه يردد سرد اللوبي الإيراني. جوهر الأمر أنه، بترمب أو من دونه، فلقد مات المشروع الإصلاحي في إيران منذ زمن طويل". وبالمثل، وصفت الباحثة لدى جامعة تورنتو في كندا، ومؤلفة كتاب "حركة الثورة الخضراء 2009: تردد أصداء المقاومة" مارال كريمي، المقال بأنه "تشويه مزعج، انحراف مألوف للوبي إيران".
هذا فيما لم تعقب شبكة "سي أن أن" على تعليقات المراقبين الإيرانيين.
خاتمي وروحاني
وفي مقال تحليلي مشترك على موقع المجلس الأطلسي في واشنطن، حول مستقبل الإصلاحيين في إيران بعد الانتخابات، كتب علي فتح الله نجاد، زميل سابق لدى معهد بروكينغز والمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، وأمين نعيني، الباحث غير المقيم في قسم الدراسات الإقليمية في جامعة طهران، معتبرَين أنه منذ عام 1997، عندما فاز الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي، سعى الإصلاحيون إلى عدد من التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لتمييز أنفسهم عن مراكز القوة الأخرى في البلاد. مع ذلك، على الرغم من التطور الكبير في الأعراف الاجتماعية، فشل الإصلاحيون في إضفاء الطابع المؤسسي على تغيير كبير حدث في ظل ولايتي خاتمي (1997- 2005) والرئيس الوسطي حسن روحاني (2013- 2021). وتسبب فشل الإصلاحيين في تدهور حاد في سمعتهم ودعمهم السياسي.
وأشارا إلى قول أستاذ العلوم السياسية البارز في جامعة طهران صادق زيباكلام، إن الإصلاحيين "فشلوا في تقديم بيان عملي" يوضح من هم وماذا يريدون بالفعل. كما دلّلا بتصريحات فايزة هاشمي رفسنجاني، العضوة السابقة في البرلمان وابنة الرئيس الراحل محمد هاشمي رفسنجاني، في مقابلة حديثة، إذ قالت "أشعر بغضب تجاه إدارة روحاني أكثر من (المتشددين)"، مضيفة أن الغرض من الإصلاح هو إحداث التغيير وتحقيق الرخاء، وليس أن أكون أداة لخدمة الذات.
وبشكل عام، يرى المراقبون الإيرانيون أن الإصلاحيين فشلوا لأنهم اتبعوا العقيدة الرئيسة التي تضع بقاء النظام السياسي فوق كل شيء آخر. في هذا السياق، يقولون إن الإصلاحيين أثبتوا أنهم متعاونون مطيعون أكثر من كونهم عامل تغيير كما زعموا لفترة طويلة.