دق البنك الدولي "جرس الإنذار" في شأن مستقبل قطاع التعليم في لبنان، من خلال الدعوة إلى إصلاح قطاع التربية لمعالجة التراجع في النتائج التعليمية، ومواجهة عدم التوافق بين المهارات واحتياجات سوق العمل. ولفت البنك الدولي إلى الحاجة الملحّة إلى زيادة الاستثمارات في القطاع التربوي وتوجيهها بصورة حسنة.
جاء تقرير البنك الدولي ليضع الإصبع على الجرح في قطاع التعليم، الذي كان أول ضحايا جائحة كورونا، إضافة إلى تأثره بالأزمة الاقتصادية. ما دفع نقابيين في القطاعين العام والخاص إلى تأكيد استحالة بدء موسم دراسي جديد في العام المقبل إذا ما استمرت الأمور على حالها من تراكم للأزمات وغياب نهج الإصلاح.
البنك الدولي: "استثمروا في الرأسمال البشري"
لطالما تغنى لبنان بالرأسمال البشري والكفاءات الفكرية والعلمية التي يمتلكها، إلا أن هذه الفرضية التي ترقى إلى مستوى المسلمات لدى المواطن العادي، بدأت تهتز وتواجه بعض التشكيك.
ويعتبر التقرير الصادر عن البنك الدولي، في 21 يونيو (حزيران) 2021، أن "تنمية رأس المال البشري مؤشر حاسم للنمو الاقتصادي والعدالة والازدهار، ولكن النتائج في هذا المجال في لبنان منخفضة بشكل مثير للقلق، مما يعرض مستقبل أجيال من الأطفال للخطر". ويستند التقرير إلى مؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي (2020C) ليقول إن "الأطفال اللبنانيين يتخلفون عن أقرانهم على صعيد تنمية رأس المال البشري، مما يشير إلى أن مستقبل إنتاجية القوى العاملة ومسار البلد نحو النمو المنصف في خطر".
يعود أداء لبنان الضعيف في مؤشر رأس المال البشري إلى النتائج المحققة على صعيد التعليم، ويعتبر البنك الدولي في تقريره أنه "إذا تم تعديل السنوات الفعلية، التي يبلغ متوسطها 10.2 سنوات في لبنان، على أساس التعلم الفعلي، فإن سنوات الدراسة الفعلية تكون بمعدل أقل بنسبة 40 في المئة، ما يساوي 6.3 سنوات فقط من التعلم الفعلي".
ويذهب التقرير إلى أن التعلم وتنمية المهارات من المكونات الأساسية المستخدمة في بناء رأس المال البشري، غير أن جودة التعليم شهدت تدهوراً في لبنان خلال الأعوام الماضية". ويقع عبء التعليم في لبنان على عاتق الأهل، إذ ينفقون 1.5 مليار دولار في السنة، في حين تنفق الحكومة 1.2 مليار دولار أميركي في السنة.
المؤشرات غير مطمئنة
ويلاحظ التقرير تراجع معدلات إتمام مرحلة التعليم الابتدائي 78 في المئة، ومعدلات إتمام مرحلة التعليم الثانوي 59 في المئة. ويلفت إلى عدم التكافؤ بين الفئات الاقتصادية في المجتمع لناحية إكمال المسار التربوي، ذلك أن 50 في المئة فقط من أبناء الأسر الفقيرة يكملون تحصيلهم العلمي.
ويرجح البنك الدولي، في تقريره، أن تؤدي الأزمة الاجتماعية والاقتصادية الحالية، إضافة إلى تأثير جائحة كورونا، وكذلك انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في 4 أغسطس (آب) 2020، إلى تراجع التمويل المتاح للتعليم، مما يضع مزيداً من الضغط على القطاع التربوي في لبنان خلال السنوات المقبلة. ويشير إلى تضاؤل الأمن الوظيفي لدى العاملين في القطاع التربوي، المعلمين والإداريين، وهو ما يسهم في تراجع جودة التعليم.
ويقترح البنك الدولي بذل مزيد من الاستثمارات في قطاع التربية والتعليم لجعله متاحاً للجميع، وإعادة تمحوره حول التلامذة والطلاب، بعد أن "أدت سنوات من الأزمات والاضطرابات السياسية والاجتماعية المستمرة، إلى قطاع تعليم غير فعال وغير عادل إلى حد كبير، يوفر مستويات منخفضة من التعلّم والمهارات فحسب ولا يُنتج تطابقاً بين مهارات الخريجين ومتطلبات سوق العمل".
أهداف التعليم المهني لم تكتمل
مع انضمام لبنان إلى منظمة الغات Gatt، برزت بعض الجهود لتطوير التعليم وربطه بسوق العمل. وحاولت البلاد ملاقاة التوجه العالمي الجديد لناحية ضرورة الانتقال من النظم التقليدية في التعليم المهني والتقني إلى نُظُم يشارك فيها أصحاب العمل ومنظماتهم، العمال ونقاباتهم في التخطيط والتنفيذ والتمويل وتقييم برامج التعليم المهني والتقني.
وبعد مضي ما يزيد على عقدين ونصف لتطبيق هذا النظام، لم يبلغ التعليم المهني والتقني منتهاه في لبنان. فقد استمر في لعب دور ثانوي، ولا تُقبل عليه إلا أقلية من المتعلمين مقارنة بأكثرية تواصل التعليم الأكاديمي في المرحلتين المتوسطة والثانوية.
طلاب لبنان ضحايا الإفادة
وفي ظل جائحة كورونا والإقفال العام، رضخت وزارة التربية والتعلبم العالي في العام الدراسي 2019- 2020 للضغوط، ومنحت إفادات نجاح وترفيع آلي لكل الطلاب المسجلين رسمياً في النظام التعليمي. وهناك تخوّف حقيقي من تكرار خطوة الإفادات لطلاب الشهادات الرسمية في المرحلتين المتوسطة والثانوية.
ولاقت خطوة الإفادات آنذاك ردود فعل متعددة، فهي تساوي بين طالب اجتهد وآخر لا يمتلك الحد الأدنى من المؤهلات والكفاءات العلمية. وإنحاز جزء كبير من الطلبة إلى قرار الإفادات، إلا أن أكثر المتضررين كان مَن توجه نحو الجامعات الدولية. ويتحدث بعض الطلاب عن معاناتهم، فها هو بسام الذي التحق أخيراً بكلية الطب في أوكرانيا يروي قصصاً عن "رفض متكرر من قبل الجامعات، بحجة عدم امتلاك علامات ودرجات في شهادة القسم الثاني"، لافتاً إلى "تعرض حملة الإفادات للتهكم من قبل بعض المؤسسات التربوية لأنهم لا يمتلكون علامات تقييمية في الشهادة الثانوية". وسبّب الرفض المتكرر للطلاب حالة من الإحباط. ويشير بسام إلى أنه لفترة من الزمن، شعر بأنه لن يحصل على أي موافقة لاستمرار مسيرته التعليمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من ناحية أخرى، عرقلت الإفادة خطط الطلاب المستقبلية، فها هو علي الذي كان يريد الذهاب إلى أستراليا من أجل دراسة الهندسة، يأتيه الرفض للحجة نفسها "عدم امتلاك علامات تقييمية". وقد حاول ورفاق له اللجوء إلى بعض الحلول من قبيل تقديم كشف علامات لكامل صفوف المرحلة الثانوية، إلا أن مساعيهم باءت بالفشل. فما كان منه إلا أن توجه نحو تركيا، حيث اشترطت الجامعات إفادة نجاح، من دون العلامات. ويتحدث عن تسهيلات تعليمية غير موجودة في لبنان، من قبيل الحسومات على النقل، والدخول إلى المواقع الثقافية، وفي مؤسسات التربية.
ودفعت الشكاوى من الإفادة إلى منح فرصة التقدم للشهادة الرسمية للمتعلمين القدامى. وتلفت مصادر وزارة التربية إلى أن بعض الاختصاصات الجامعية، تشترط الحصول على معدل علامات عالية من أجل التحصيل الجامعي. فعلى سبيل المثال، إن الدخول إلى الكلية الحربية يحتاج إلى معدل 12 من 20، فيما تشترط كليات الطب والهندسة العالمية معدل 14. لذلك يمكن لهؤلاء الطلاب التقدم إلى الامتحانات الرسمية لهذا العام من أجل استمرار التحصيل العلمي.
الشهادات بشفاعة الهبات
أرخت أزمة الحبر والورق بظلالها على الشهادة الرسمية، حتى ارتفعت التحذيرات من عدم إمكانية إجرائها بسبب نقص التمويل. وتؤكد أوساط وزارة التربية أن التحضيرات متواصلة لإجراء الامتحانات الرسمية في مواعيدها. وقد تأمن التمويل من خلال هبات، واتفاق مع مطابع الجيش لاستمرار تأمين الشهادة الرسمية. وهذا المخرج جاء ليكرس دور الجيش في إنقاذ المؤسسات العامة، فقد سبق أن تولى طباعة الكتاب المدرسي بعد أن رفضت أي شركة التقدم للمناقصة بسبب إنهيار العملة الوطنية مقابل الدولار.
وتضع الأوساط مستقبل التعليم رهناً بأوضاع البلاد، فالناس باتت تجد صعوبة في تأمين الطعام والغذاء والمواد الأساسية، وذلك سينعكس بالتأكيد على الأسرة التربوية بشكل عام. وتعتقد أنه من البديهي أن يتدخل البنك الدولي للفت الأنظار إلى الشوائب، لأن هناك حوالى 204 ملايين دولار ما بين قروص وهبات، تربط وزارة التربية بالمؤسسات الدولية، التي تراقب وتعمل جاهدة للدفع نحو إصلاح النظام التعليمي وتحديث المناهج التي أصبحت قديمة.
وتتحدث "اليونيسيف" عن تعاون مع وزارة التربية لتأمين التعليم الجيد للأطفال الموجودين في لبنان، منذ عام 2015، لافتاً إلى التركيز على الشباب والأطفال "الأكثر ضعفاً".
وتدعم "اليونيسيف" وزارة التربية والتعليم، طوال العام الدراسي، بالإمدادات العينية بما في ذلك تجديد واستبدال الأثاث ومعدات المختبرات والأدوات المكتبية.
الأساتذة والطلاب "لم تتأمن الجاهزية"
مع اقتراب العام الدراسي من طي صفحته، ظهر كثير من المطالبات بإلغاء الشهادة المتوسطة التي تتجه وزارة التربية لإجرائها للطلاب ضمن مدارسهم. وأعد الباحث ماجد جابر استطلاعاً للتحقق من جاهزية الأسرة التربوية للشهادة المتوسطة.
ويشير جابر إلى أن الاستطلاع شمل عينة من 618 أستاذاً في القطاعين العام والخاص، وأظهر أن نسبة حضور التلامذة خلال التعليم عن بعد لدى 23 في المئة من الأساتذة، كانت دون 50 في المئة، وسجلت بين 50 و75 في المئة لدى 30 في المئة من المعلمين.
وأظهر الاستطلاع أن نسبة حضور تلامذة الصف التاسع أساسي كانت أقل من 50 في المئة لدى 50 في المئة من المعلمين في التعليم الرسمي من بين المشاركين في العينة. أما التفاعل الصفي فقد أظهر الاستطلاع أنه كان متوسطاً لدى قرابة 38 في المئة من المعلمين، ومنخفضاً وما دون لدى 53 في المئة عند معلمين آخرين. وأشار 74 في المئة من معلمي الصف التاسع الأساسي الرسمي إلى أن التفاعل كان منخفضاً.
وأظهر الاستطلاع مشكلات جمة واجهها التعليم من بعد، عانى 90 في المئة من المعلمين من ضعف الإنترنت، و45 في المئة من انقطاع الكهرباء، و62 في المئة من عدم تفاعل التلامذة، و35 في المئة من صعوبة إعداد محتوى رقمي، و19 في المئة من عدم متابعة الإدارة.
إلى ذلك، رأى قرابة 43 في المئة من معلمي صفوف الشهادات المتوسطة والثانوية، أن جاهزية طلابهم متوسطة لإجراء الشهادة، و39 في المئة أكدوا أن الجاهزية منخفضة، فيما أعلن حوالى 7 في المئة أنها منخفضة جداً.