يصادف الثالث والعشرين من يونيو (حزيران) الذكرى السنوية الخامسة لاستفتاء "بريكست" الذي كان الفوز فيه من نصيب أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي بواقع 52 في المئة مقابل 48 في المئة. وفي الحقيقة، استغرقت العملية وقتاً طويلاً في إطار إجراءات معقدة كانت بعيدة كل البعد عن الوضوح والسلاسة. وعلى الرغم من أن القضية لم تعد تتصدر عناوين الأخبار، فهي لا تزال تثير الجدال وتسبب الانقسام على صعيد الرأي العام.
وقد أجرى "المركز الوطني للبحوث الاجتماعية" استقصاءات للرأي، حيث تتبعت على امتداد السنوات الخمس الماضية، موجات التأييد والرفض من جانب الرأي العام لـ"بريكست"، وتم الإعلان عن نتائج ذلك البحث على الموقع الإلكترونيwhatukthinks.org/eu . اللافت أن هذه الاستطلاعات أظهرت دائماً أن معظم المشاركين سيصوتون في أي استفتاء ثان بالطريقة نفسها التي صوتوا بها في الاستفتاء الأول عام 2016. حتى أن استطلاعنا الأحدث الذي أُجري في وقت سابق من العام الحالي، وجد أن خيار 82 في المئة من الناخبين ممن شاركوا في الاستفتاء الأول لم يتغير حتى الآن عما كان عليه حينذاك.
قد يوحي وكأن أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي سيفوزون في أي استفتاء ثان، ولو بفارق ضئيل. لكن في الحقيقة، يبدو أن أنصار بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ممن مثلوا 86 في المئة من المشاركين في استطلاعاتنا ميالون للتصويت من جديد بطريقتهم الأولى نفسها، وذلك أكثر بقليل من مؤيدي خروجها منه الذين تبلغ نسبتهم 78 في المئة. ولعل الأكثر أهمية هو أن استطلاعاتنا خلُصت بشكل ثابت، شأنها شأن معظم استطلاعات الرأي، إلى أن نسبة أنصار البقاء تعادل ضعفي نسبة مؤيدي الخروج بين أولئك الناخبين الذين لم يشاركوا في استفتاء عام 2016، لأسباب مختلفة منها أنهم لم يكونوا بعد قد بلغوا السنّ القانونية. وبالتالي، ليس من الواضح بتاتاً، وعلى الرغم من فوز المحافظين في الانتخابات العامة الأخيرة عام 2019، ما إذا كانت غالبية الناخبين البريطانيين لا تزال تؤيد خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي تم فيه تنفيذ هذا الخروج في يناير (كانون الثاني) عام 2020.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن لم يعد الخيار المتاح للمملكة المتحدة حالياً يتمثل في ثنائية البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه، بل صار إما "البقاء خارج" الاتحاد الأوروبي أو "الانضمام من جديد" إليه. وربما كان هناك أنصار للبقاء باتوا الآن يقبلون أن بريطانيا قد خرجت من الاتحاد الأوروبي ولم يعودوا يحبذون انضمامها إليه من جديد. لا شك أن هذا الموقف ينطبق على بعض أنصار البقاء، ولكن ليس على عدد كبير منهم. والواقع أن 9 من أصل كل 10 ناخبين، أي 90 في المئة، من أولئك الذين يقولون إنهم كانوا سيصوتون الآن لصالح البقاء في الاتحاد إذا سنحت الفرصة لهم مرة أخرى، يشيرون أيضاً إلى أنهم سيصوتون لصالح انضمام بريطانيا من جديد إلى الاتحاد الأوروبي. من جهة ثانية، سيصوت لصالح البقاء خارج الاتحاد ما لا يقل عن 96 في المئة ممن يؤكدون أنهم سيصوتون لصالح مغادرته لو أجري استفتاء جديد. ويستدل من هذه الأرقام أن هناك تأييداً أكبر بقليل في الوقت الراهن للبقاء خارج الاتحاد من الانضمام إليه من جديد.
وبغض النظر عن تفاصيل التناقضات بين هذه الحالة وتلك، من الواضح أن الناخبين ليسوا مستعدين نهائياً "للمضي قدماً"، بل هم لا يزالون منقسمين انقساماً حاداً حول مدى الحكمة الكامنة في قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وهذا الشرخ العميق حاضر أيضاً في تكهنات الناخبين بشأن النتائج التي سيتمخض عنها هذا الخروج.
ويتجلى هذا الشرخ في أوضح صوره من خلال كيفية تصور الناخبين للتداعيات الاقتصادية لانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وباعتبار أن اتفاقية التجارة الحرة قد وُضعت موضع التطبيق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، فإن نحو نصف (51 في المئة) الذين صوتوا في الاستفتاء لصالح الخروج يظنون أن اقتصاد بريطانيا سيكون أفضل حالاً في أعقاب "بريكست" عما كان عليه في ما مضى. إلا أن 1 من كل 5 (20 في المئة) من أنصار الخروج أنفسهم يعتقد أن وضع الاقتصاد سيسوء. وعلى العكس من هؤلاء، فإن التشاؤم البالغ يغلب على مزاج أنصار البقاء، إذ إن 4 من كل 5 منهم (83 في المئة ) يرون أن الاقتصاد سيتراجع، وهو الموقف نفسه الذي تبنوه خلال عملية "بريكست" منذ بدايتها.
في السياق ذاته، من الطبيعي أن أنصار البقاء من جهة، ومؤيدي الخروج من جهة أخرى، يختلفون في الرأي حول ما إذا كانت المملكة المتحدة قد عادت من مفاوضات "بريكست" بصفقة جيدة أو رديئة. وفيما يعتقد 16 في المئة فقط من مؤيدي البقاء أن الصفقة التي عقدتها بريطانيا كانت جيدة، يرى 53 في المئة منهم أن بلادهم قد أبرمت صفقة رديئة مع بروكسل. في المقابل، يظن 35 في المئة من أنصار الخروج أن الصفقة كانت جيدة، بينما يعتقد 22 في المئة فقط منهم أنها كانت سيئة.
ومع ذلك، ربما اعتقد البعض أن مستوى القبول بالاتفاقية بين أنصار الخروج متواضع نسبياً. والسبب وراء ذلك، جزئياً، هو أن 1 من أصل كل 4 منهم (24 في المئة) يعتقد أن المملكة المتحدة قد غادرت الاتحاد الأوروبي من دون صفقة. في هذه الأثناء، يرى 3 من أصل كل 5 من أنصار الخروج (62 في المئة) أن الاتحاد الأوروبي قد تعامل بصورة سيئة مع "بريكست"، وهذا التصور سائد أيضاً كما يبدو في آراء بعض أنصار الخروج بشأن النتيجة النهائية لعملية "بريكست".
خلافاً لهذا، يرى أنصار البقاء أن حكومة المملكة المتحدة هي المسؤولة في المقام الأول عن تحقيق نتيجة يعتقد ما لا يقل عن ثلثي الناخبين (69 في المئة) أنها ستؤدي إلى جعل علاقة بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي أقل متانة مما كانوا يريدون. هكذا ربما تم تنفيذ "بريكست"، لكن يبدو أن الجدال حوله سيطول كثيراً، وربما لن تُطوى صفحته قريباً.
السير جون كورتيس هو أحد كبار الباحثين في "المركز الوطني للبحوث الاجتماعية" ومركز "المملكة المتحدة في أوروبا متغيرة"
© The Independent