تزايدت في الآونة الأخيرة شكاوى تعرض النساء للعنف والتحرش في أماكن العمل داخل الأردن، وسط مطالبات بتوفير بيئة عمل خالية من هذه الظاهرة.
ومع وجود دراسة تتحدث عن تعرض 75.9 في المئة من النساء الأردنيات للتحرش، فإن هؤلاء النسوة يواجهن ذلك بصمت مطبق، وثمة من يرى فيها "تابوهات" مسكوت عنها.
وفيما يتعلق ببيئة العمل يتضح أن نحو 29.1 في المئة تعرضن للتحرش والعنف خلال عملهن، الأمر الذي دعا تحالف شعبي لمناهضة العنف والتحرش في الأردن، لمطالبة الحكومة بالمصادقة على اتفاقية العمل الدولية رقم 190، التي تطالب بإنهاء العنف والتحرش ضد النساء في عالم العمل.
الخوف من الشكوى
يقول راصدون لحالات العنف والتحرش، إن هذه الظاهرة تقوض جهود تحقيق بيئة عمل لائقة للجميع، وفرض المساواة والحد من التمييز في العمل، كما تحد من فرص توفير عمل لفئات واسعة من العاملين، وتسهم في فقدان وظائف وتفاقم مشكلة البطالة.
في المقابل يشير هؤلاء وفقاً لدراسة أجرتها منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية إلى أن نحو 75 في المئة من الأردنيات اللاتي تعرضن لتحرش في مكان العمل لم يتخذن إجراءات قانونية.
بينما كشفت دراسة أخرى أن نحو 30 في المئة من الإناث تعرضن لتحرش في أماكن العمل، من بينهن 41 في المئة من العاملات في مجال الزراعة.
وزادت جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية من حالات العنف والتحرش بشكل عام، رغم أن نسبة مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل قليلة قياساً بمعظم دول العالم. لكن يبدو أن بعض ظروف العمل غير القانونية وغير المنظمة التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الحماية والرقابة تشكل بيئة خصبة لتعرض النساء للتحرش. وقد تكون العاملات في موقع استضعاف أكبر بسبب جنسيتهن أو وضع إقامتهن كالعاملات المهاجرات واللاجئات.
تصرفات المتحرشين
يؤكد هاني جهشان مستشار أول الطب الشرعي، أن مفاهيم عديدة تندرج تحت تعبير "العنف الجنسي"، في أغلبها متقاطعة مع بعضها بعضاً، وتشمل الاعتداءات الجنسية، والجرائم الجنسية، والاستغلال الجنسي، والإساءة الجنسية، والتحرش الجنسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "التحرش الجنسي عادة ما يطلق على توجيه تعابير كلامية جنسية إلى الضحية، أو القيام بأفعال جنسية لا تصل لعورات الضحية، وهذه عقابها جزائياً حسب التشريعات الأردنية أقل نسبياً مقارنة مع جريمتي هتك العرض والاغتصاب".
ولا فرق إن كان التحرش صراحة أو ضمناً، بحسب جهشان، كما أنه لا فرق أيضاً إن كان من رجل مسؤول إدارياً عن المرأة أو من شخص غريب.
ويجمل جهشان تصرفات المتحرشين بعدة أمور من بينها لمس جزء من جسم الضحية، والاحتكاك المتعمد بجسمها، إضافة إلى النظرات والإيماءات والتلميحات، وتوجيه رسائل أو الاتصال هاتفياً، أو بوسائل التواصل الاجتماعي بالضحية.
عوائق في مكان العمل
يشير مستشار أول الطب الشرعي إلى وجود العديد من العوائق الاجتماعية والنفسية والإدارية في مكان العمل التي قد تمنع المرأة عن الاعتراض أو التقدم بشكوى إدارية أو قضائية نحو المتحرش.
وتؤكد الدراسات العالمية أن المرأة هي الضحية في التحرش الجنسي بنسبة 98 في المئة من الحالات، ويكون الرجل ضحية بنسبة لا تتجاوز اثنين في المئة.
ويتوقع جهشان أن تتصدى المرأة لكل أشكال التحرش الجنسي في أماكن العمل، وتتجاوز الخجل والوصمة المتعلقة بالفعلة، "عليها أن تدرك أن من حقها أن تتقدم بشكوى إدارية أو قضائية".
كما يتوقع من المؤسسات التي تعمل بها النساء وضع سياسة عامة لمنع التحرش، وتوفر البيئة التي تحمي المرأة، وتقبل شكاوى التحرش.
عقوبات قانونية
ينص قانون العقوبات الأردني على معاقبة المتحرشين، فوفقاً للمادة 305، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة كل من داعب بصورة منافية للحياء شخصاً لم يكمل الثامنة عشرة من عمره ذكراً كان أو أنثى، أو أكمل الثامنة عشرة من عمره لكن من دون رضا.
وتعاقب المادة 306 بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر كل من عرض فعلاً منافياً للحياء، أو وجه أي عبارات أو قام بحركات غير أخلاقية على وجه مناف للحياء بالقول أو الفعل أو الحركة أو الإشارة تصريحاً أو تلميحاً بأي وسيلة كانت.
لكن ثمة من يرى أن عواقب التحرش لا تقف فقط عند حد العقوبات، بل تمتد إلى معاناة نفسية وتأثير سلبي على الصحة العقلية للمرأة، وينتج عنه فقدان المرأة احترامها لنفسها، ويؤدي أيضاً إلى اضطراب في العلاقات الشخصية مع الآخرين، بما في ذلك العلاقات الأسرية، أما العواقب الاقتصادية والمالية فتشمل إخفاق المرأة في القيام بالمهام المتوقع أن تنجزها، بالتالي انخفاض أدائها المهني وانخفاض تقييمها، ومن ثم التأثير السلبي على دخلها والمستوى الاقتصادي لها ولأسرتها.
إجراءات حكومية
بدورها تخصص وزارة العمل الأردنية بريداً إلكترونياً للمرأة، لاستقبال أي شكاوى متعلقة بالتحرش الجنسي في مكان العمل، مع الحفاظ على السرية والخصوصية.
وفي حين تسعى الوزارة منذ سنوات لإضافة تعريف للتحرش ضمن قانون العمل، وبما يسهل على الوزارة وضع آليات تفتيش على المؤسسات، وضمان وجود سياسات ضد التحرش، وكذلك آليات تبليغ فعالة.
وتجد الحكومة الأردنية نفسها أمام مطالب عديدة لمراجعة قوانين وأنظمة العمل الحالية، ووضع تدابير داخلية صارمة لتيسير العدالة لضحايا العنف في مكان العمل، إضافة لتسهيل خدمات الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي لضحايا التحرش.