لكونه البلد الوحيد في العالم الذي كانت تُمنع فيه النساء من قيادة السيارة، حظي قرار السماح لها بالقيادة قبل ثلاثة أعوام في 24 يونيو (حزيران) 2018 بمتابعة خاصة من جميع الجوانب، كان من ضمنها الجانب الاقتصادي، إذ توقع عدد من المحللين أن تدر الخطوة التي ستمكن نصف المجتمع من الوصول إلى المقود أرباحاً ضخمة تضاف إلى الناتج المحلي بحلول العام 2030، فهل طغت المبالغات على هذه التوقعات؟
زيادة أكثر من نصف مليون سائق
أول ما يتحدث عنه المحللون حول المكاسب الاقتصادية من قيادة المرأة للسيارة هو استغناء الأسر عن السائقين، إلا أن نشرات سوق العمل الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء كشفت غير ذلك، إذ بلغ عدد السائقين خلال الربع الثاني من العام 2018 الوقت الذي بدأ فيه تفعيل قرار قيادة المرأة السيارة 1.357.228 سائقاً، بينما وصل عدد السائقين بنهاية 2020 بعد عامين من رفع الحظر إلى 1.941.774 منهم 506 سائقات، أي بزيادة 584 ألف سائق.
ولا تزال ظاهرة استقدام السائق شائعة جداً في المجتمع السعودي، وهذا يكلف الأسر كثيراً من الأموال، سواء في الاستقدام أو التدريب أو غيرها من المشكلات المصاحبة، وقد كانت التوقعات بحسب محللين سعوديين أن قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة سيسهم في توفير نزف أكثر من 25 مليار ريال (6.6 مليار دولار) سنوياً، لأن الأسر السعودية تنفق أكثر من هذا الرقم الضخم كرواتب سنوية للسائقين الأجانب.
174 ألف رخصة قيادة فقط
وعلى الرغم من أن عدد الإناث السعوديات بحسب آخر إحصاء سكاني وهو 14.7 مليون نسمة، منهن 9.5 مليون في سن الـ 19، وهو سن السماح بالقيادة، إلا أن عدد الحاصلات على رخص القيادة حتى يناير (كانون الثاني) بلغ 2020 (174 ألف و624) امرأة.
وعزا محللون السبب إلى قلة عدد مدارس تعليم القيادة وإصدار الرخص للنساء بمختلف المناطق، إذ إن قوائم الانتظار قد تصل للمليون، وتقوم السعودية حالياً بافتتاح مدارس جديدة، إلى جانب إتاحة الفرصة للنساء لاستخدام مدارس تعليم القيادة للرجال خلال فترات محددة بإشراف مدربات سعوديات، بهدف تخفيف الزحام على المدارس النسائية، وتمكينهن من الحصول على الرخص واستخراجها وفق الأنظمة.
أسعار السيارات تتجاوز معدل التضخم
قد تدر مبيعات السيارات عوائد اقتصادية جيدة، إذ لا زالت أسعار السيارات تشهد ارتفاعات متتالية منذ سماح السعودية بالقيادة، فقد ارتفعت الأسعار خلال العام الماضي 9.6 في المئة، وبلغ الرقم القياسي لأسعارها 107.3 نقطة في ديسمبر (كانون الأول) من 2020 مقابل 97.9 نقطة في الشهر ذاته من 2019.
وتشير بيانات البنك المركزي السعودي (ساما) إلى أن ارتفاع أسعار السيارات خلال العام الماضي يعد الثاني على التوالي، إذ كانت أسعارها قد ارتفعت 0.04 في المئة في 2019، في حين بلغ الرقم القياسي لأسعارها 97.8 نقطة في ديسمبر 2018.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتجاوز ارتفاع أسعار السيارات معدل التضخم، الذي يقيس ارتفاع جميع السلع والخدمات في البلاد، والذي سجل 5.3 في المئة في كانون الأول 2020.
وكان الرقم القياسي لأسعار السيارات تراجع لمدة ثلاثة أعوام على التوالي قبل أن يرتفع العامين الأخيرين، إذ تراجع 4.5 في المئة في 2016، ثم 2.6 في المئة في 2017، و0.5 في المئة خلال 2018.
وسماح السعودية بقيادة المرأة السيارة بدءاً من منتصف 2018 قد يكون سبباً محتملاً في ارتفاع الطلب خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
24.5 في المئة ارتفاع التأمين في عام القيادة
ذكر التقرير الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء عن ارتفاع مفاجئ نسبته 24.5 في المئة لأسعار التأمين على السيارات في السعودية خلال عام 2018، وهو عام صدور قرار قيادة المرأة للسيارة.
وأوضحت البيانات أن مؤشر الرقم القياسي لأسعار التأمين المتصل بالنقل قفز في 2018 ليسجل 145.4 نقطة، في مقابل 118.5 نقطة في 2017 بارتفاع شهري نسبته 24.5 في المئة.
سعر البنزين قبل قرار القيادة وحالياً
تهدف إحدى مبادرات برنامج تحقيق التوازن المالي والذي صدر العام 2018 لربط الأسعار المحلية للطاقة بأسعار السوق العالمية.
إذ بلغ سعر البنزين في الأول من يناير (كانون الثاني) 2018 "بنزين 91" 0.75 هللة لكل لتر، وسعر "بنزين 95" 0.90 هللة لكل لتر، ليصل سعر البنزين في شهر يونيو 2021 "بنزين 91" 2.18 لكل لتر، "بنزين 95" 2.33 لكل لتر.
مكاسب مبالغ فيها
وعلق المستشار الاقتصادي وعضو جمعية الاقتصاد السعودية سليمان العساف على التقارير التي توقعت مكاسب ضخمة بعد هذا القرار، قائلاً إنه "على الرغم من المكاسب المتعددة التي لا ننكرها من قيادة المرأة السيارة، سواء المباشرة مثل زيادة مبيعات السيارات وزيادة استهلاك البنزين وانتعاش قطاع التأمين، وغير المباشرة مثل ارتفاع رسوم تأشيرات السائقين، إلا أن التقارير التي أتت بعضها من جهات معتبرة مثل بلومبيرغ التي توقعت أن تبغ المكاسب 90 مليار هي أرقام مبالغ فيها"، مؤكداً أن المكاسب لن تتجاوز ثلث هذا المبلغ فقط.
ووافقه رئيس دار ابن خلدون للاستشارات عبدالرحمن العبداللطيف الرأي بأن الأرقام لم تكن موضوعية، وأغلب التقارير الاقتصادية التي صاحبت قيادة المرأة السيارة "كلام فاضي"، فقيادة المرأة للسيارة "فيها مكاسب للمرأة نفسها، وعلى الرغم من ارتفاع البنزين أو قطاع السيارات والتأمين إلى أن الدولة تسعى إلى توظيف النساء، إذ ارتفعت مشاركة المرأة بزيادة وصلت 27.5 في المئة، والمستهدف في 2030 أن تصل إلى ضعف هذه النسبة"، وهذا له فاتورته أيضاً بسحب المحلل.
إلا أن الكاتب والمحلل الاقتصادي عبدالله المغلوث ذكر أن آثار القرار إيجابية وكبيرة على الاقتصاد السعودي وبعض القطاعات الخاصة، مثل البنوك والتأمين وتجارة التجزئة.
وأضاف، "القطاع المصرفي من بين أكبر المستفيدين الرئيسين من القرار، إذ ازدادت قروض قطاع التجزئة بسبب الزيادة المتوقعة من قروض السيارات، وزيادة أعداد وثائق التأمين عليها".
وأشار إلى أن القيادة ستزيد نسبة الإناث في القوى العاملة، مما سيزيد من الدخل المتاح للإنفاق، كما أن "وجود المرأة كقائد للسيارة أمر محفز للنشاط الاقتصادي مع التوسع العمراني، وقد تحقق مبالغ طائلة في 2030، إلا أن عام كورونا أثر في هذا المعدل إلى حد ما".