بلغت الاتهامات والاتهامات المضادة درجة من الخطورة، باتت معها تنذر بعواقب مقلقة للغاية، فقد ادعت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها وجهت طلقات تحذيرية ضد سفينة حربية بريطانية في البحر الأسود، كما ألقت قنبلة في مسارها على سبيل الإمعان في تنبيهها من احتمال أن يتطور الموقف، ويؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه.
في المقابل، زعمت الحكومة البريطانية أن أياً من تلك الطلقات التحذيرية المفترضة لم يُطلق باتجاه المدمرة "إتش إم إس ديفندر" من طراز 45 التي كانت تُبحر في المياه الدولية. وأشارت وزارة الدفاع البريطانية من جانبها إلى أن القوات الروسية كانت تُجري تدريبات على الرمايات المدفعية في الوقت الذي يفترض أن يكون الاشتباك قد حصل فيه، وأنها أبلغت الملاحة الدولية بموعد إجراء هذه التدريبات قبل وقت طويل، إلا أن رواية موسكو للأحداث ذات العلاقة كانت محددة بشكل واضح، واشتملت على اتهام المدمرة "إتش إم إس ديفندر" بدخول المياه الإقليمية الروسية على عمق ميلين (3.21 كيلومتراً) بصورة متعمدة، لأنها تجاهلت التحذيرات التي دعتها إلى الابتعاد من المنطقة المحظورة، الأمر الذي استدعى توجيه طلقات تحذيرية إليها من قبل اثنين من زوارق الدوريات البحرية. وحين واصلت المدمرة البريطانية تقدمها في المياه الإقليمية الروسية قامت طائرة مقاتلة من طراز "سوخوي إس يو- 24" برمي قنبلتين موجهتين على مسارها الملاحي.
وإذ نفت وزارة الدفاع البريطانية صحة الرواية الروسية للوقائع المزعومة، فقد أدلى وزير الدفاع بن واليس بعد ذلك بدلوه في القضية بشكل مباشر، وفي أعقاب النفي الرسمي، أصدر واليس بياناً جاء فيه أن المدمرة "إتش إم إس ديفندر" كانت تقوم بـ "عبور روتيني" عندما دخلت الممر الملاحي المعترف به دولياً، واتهم الوزير حكومة الرئيس فلاديمير بوتين بترويج "معلومات مضللة وخاطئة".
من ناحيته، شدد متحدث باسم رئاسة الوزراء البريطانية على ما جاء في بيان الوزير واليس لجهة عدم انتهاك المدمرة القانون البحري، معتبراً أنها قد سلكت "أكثر الطرق وضوحاً والمعترف به عالمياً على أوسع نطاق، بين أوكرانيا وجورجيا".
يُذكر أن مياه البحر الأسود كانت موضع نزاع مع روسيا منذ ضمت شبه جزيرة القرم إليها العام 2014، علماً بأن المنطقة كانت حتى ذلك التاريخ جزءاً من الأراضي الأوكرانية، وقد شهدت المياه نفسها منذ ذلك الحين مواجهات بين سفن روسية وأخرى أوكرانية.
لكن ما الداعي إلى وجود منطقة ساخنة إلى حد تصبح معه بؤرة اشتعال قد تنشر الحرائق؟ وما الذي حصل فعلاً؟ يفيد جوناثان بيل، مراسل "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) لشؤون الأمن، الموجود على متن المدمرة "إتش إم إس ديفندر"، بأن سفينتين روسيتين لخفر السواحل قد تابعتا السفينة الحربية البريطانية، وحاولتا جعلها تغير مسارها في الطرف الجنوبي لشبه جزيرة القرم، التي أصر قائد المدمرة، الكوماندر فنسنت أوين، على أنها ممرات ملاحية تحظى باعتراف دولي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إلا أن هذه الحادثة ليس فريدة من نوعه، إذ كانت مؤشرات عدة على إبداء الروس مزيداً من العدوانية تجاه سفن شتى وصلت إلى حدّ التهديد بإطلاق النار. وقال بيل: "سمعنا أصوات طلقات عن بعد لكنها كانت بعيدة للغاية خارج المدى." وقال آمر المدمرة أوين إن حوالى 20 طائرة عسكرية حلقت فوق السفينة الحربية البريطانية خلال عبورها في تلك الممرات.
ولذلك لم تتعرض المدمرة البريطانية إلى أية طلقات، كما لم يتم إلقاء قنابل من أي نوع على مسارها، طبقاً للرواية البريطانية، بيد أن الوضع لايزال محفوفاً بالمخاطر وينذر بانفجارات قد تكون لها تداعيات مخيفة. يُشار في هذا السياق إلى أن أعضاء طاقم المدمرة "إتش إم إس ديفندر" اتخذوا أوضاعاً قتالية، كما جرى تلقيم نظام الأسلحة في المدمرة تأهباً للدخول في صدام فعلي جرّاء المضايقات الروسية.
لكن ما هو السبب الممكن لكل هذا؟ لا يستبعد محللون متخصصون ومصادر عسكرية أن يكون الروس حاولوا اعتراض سلسلة من المناورات والأعمال العسكرية التي تقوم بها المملكة المتحدة، لا سيما أنه جرى الترويج لهذه النشاطات البريطانية على نطاق واسع، وجدير بالذكر أن الأسطول الملكي البريطاني كان يشارك الأسطولين الأميركي والأوكراني في مناورة بالبحر الأسود، علماً أن السفن الحربية الأوكرانية كثيراً ما وجدت نفسها قاب قوسين أو أدنى من خوض معارك حقيقية مع سفن حربية روسية، وكانت المملكة المتحدة تعهدت في اتفاق تم توقيعه على متن المدمرة "إتش إم إس ديفندر"، بتعزيز قدرات الأسطول الأوكراني.
في غضون ذلك، تنتمي "إتش إم إس ديفندر" إلى مجموعة هجومية تقودها حاملة الطائرات البريطانية الجديدة "إتش إم إس كوين إليزابيث"، التي باشرت وهي في مياه المتوسط أعمالاً عسكرية ضد أهداف تابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي، وأُفيد أيضاً بأن طائرات شبح بريطانية وأميركية من طراز " إف-35 بي" شاركت في مهمات هجومية استهدفت "داعش" في العراق وسورية، وفي سياق تلك الهجمات "أغلقت المجال الجوي" فوق المناطق ذات العلاقة في وجه الطائرات العسكرية الروسية التي تحلق هناك لدعم نظام بشار الأسد الحاكم في دمشق.
وشهد الأسبوع الحالي أيضاً مناورة عسكرية ضخمة في إحدى دول الشرق الأوسط شاركت فيها قوات بريطانية، وذلك في عملية مرتبطة بمجموعة حاملة الطائرات "إتش إم إس كوين إليزابيث" الهجومية، وتجدر الإشارة إلى أن المناورة أُجريت في منطقة لموسكو مصالح استراتيجية فيها،
وبطبيعة الحال فمن الممكن أيضاً أن تكون هناك عوامل أخرى ربما أسهمت في وقوع الحادثة التي تعرضت لها المدمرة "إتش إم إس ديفندر"، إلا أن المناوشة توضح الأخطار التي قد يؤدي إليها وجود قوات مدججة بالأسلحة الثقيلة في منطقة مضطربة.
© The Independent